د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
ننشغل بهموم الأُمَّة، وكبريات المشاكل والأزمات، ونتحدَّث عن الاستراتيجيات والأيدولوجيات! ونضع البرامج والخطط والترتيبات.. وننسى صلاتنا! ليبقى النداء
إن كثيرًا من المسلمين يعرفون الكثير عن الصلاة وحكمها وفضلها وإيمانياتها، ولكنهم ما زالوا «متردِّدين» في بحث مسألة الخشوع في حياتهم!
إنهم مؤمنون.. لا نُجادل في هذا..
وهم كذلك عالمون؛ حافظون للآيات والأحاديث..
موقنون بالبعث والحساب..
بل هم يخافون من الله عز وجل، ويعلمون أنهم موقوفون بين يديه!
إذًا.. ما يمنعهم من الخشوع؟!
أتدرون ماذا؟!
إنه التسويف!
غدًا..
أو بعد غدٍ..
أو في رمضان..
أو لعلَّه بعد الحجِّ!
وفجأة..
يأتي مَلَكُ الموت!
أو قد يموت القلب.. بلا ملك الموت!!..
يموت القلب وهو ما زال ينبض!!
يقسو!
يتحجَّر!!
أليس هذا موتًا؟!
لا تظنُّوا أنفسكم بعيدين عن هذه الصورة القاتمة! نحن لا نتحدَّث هنا عن منافقين.. إنما نتحدَّث عن مؤمنين لم يُعطوا للقضية اهتمامًا كبيرًا، وسَوَّفوا، وماطلوا، وتقاعسوا، وتكاسلوا، وانشغلوا بدنيا، أو قد يُشغلوا أحيانًا بدِين!!
هل يمكن أن نُشْغَل بالدِّين عن الخشوع؟!
صدِّقوني يمكن!
بل يحدث كثيرًا..
ننشغل بهموم الأُمَّة، وكبريات المشاكل والأزمات، ونتحدَّث عن الاستراتيجيات والأيدولوجيات! ونعقد المناظرات والمناورات.. ونضع البرامج والخطط والترتيبات..
نفعل ذلك وأكثر!
وننشغل بذلك وأكثر!
وفي خِضَمِّ كلِّ هذا..
ننسى قلوبنا!
مسكينة قلوبنا!
حياتها في الصلاة.. وما عندنا خشوع في الصلاة!
نجاتها في القيام.. وما عندنا وقت للقيام!
مسكينة قلوبنا!
وإلى أمثال هذه القلوب الناسية المنسية جاء النداء الرباني الرقيق..
جاء من الرحيم..
الذي لا يضلُّ ولا ينسى..
قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد: 16].
كيف أنت بعد أن سمعتَ النداء؟!
لا.. لا.. لستُ أنا!
أنا ما قسى قلبي، وما تحجَّر!
رويدًا..
هذا خطاب «للذين آمنوا»!
هذه يدٌ حانية تَرْبِتُ على كَتِفِك..
هذا نداء يُحَذِّرك في حبٍّ..
يُخَوِّفُك في شفقة!
أقول لك:
هذا نداء رب العالمين لخير الناس بعد الأنبياء!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف الجيل الذي عاصره من الصحابة: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..»[1].
لقد نزل هذا النداء الرباني للصحابة الكرام! مع علوِّ قدرهم، وسموِّ مكانتهم..
والمفاجأة الكبرى!
إنه لم ينزل بعد انفتاح الدنيا، وكثرة الأموال، ولا بعد تحقُّق الانتصارات، وكثرة الفتوحات، ولا بعد مراسلات أمراء الدنيا، ولا بعد قدوم الوفود!
إنه لم ينزل بعد كل هذا!
إنما نزل بعد أربع سنوات فقط من نزول القرآن!!
نزل هذا النداء الرقيق في مكة المكرمة!
في زمن الضيق والشِّدَّة..
في زمن القهر والتعذيب..
نزل على دِعامة الإسلام الأولى..
على المهاجرين.. الصابرين.. المحتسبين!!
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما كان بين إسلامِنا وبين أنْ عاتَبَنَا الله بهذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ}، إلَّا أربعُ سنين»[2]!
لا تتخيَّلوا -إذًا- أن هذا بعيد عنَّا..
بل هو -والله- قريب! جدُّ قريب!
ما العمل؟!
العمل هو التوازن في رؤية الصلاة، وفي رؤية الخشوع.. بمعنى أن نُدرك أن الله عز وجل ليس غفورًا رحيمًا فقط؛ ولكنه في الوقت نفسه شديد العقاب! وأنه كما وعدنا الجنات العظيمة خَوَّفنا من النيران الأليمة.. وأننا -وإن كنا نرضيه سبحانه بالخشوع والإخبات- فإننا نُغضبه بالشرود والالتفات..
إنَّ سَبْق الصحابة وعظمة مكانتهم لم تكن عذرًا كافيًا أو مناسبًا لهم لفقد الخشوع أو نقصانه! لقد نزلت الآيات تُعاتبهم على التقصير.. نعم نزلت الآيات بأسلوب رقيق لطيف؛ لكنها في النهاية عتاب، كما أنها تحمل بين طيَّاتها تحذيرات خطيرة جدًّا! فالآية تُحَذِّر من سلوك طريق أهل الكتاب؛ الذين نسوا قلوبهم ردحًا طويلًا من الزمن، فقست وتحجَّرت؛ ومن ثَمَّ جاء الفسوق!
إنه طريقٌ واضحٌ إذًا!
إهمال للخشوع..
قسوة في القلب..
ثم في النهاية فسوق!
هل نظرنا إلى المسألة بهذه الرؤية؟!
إنها -في الحقيقة- رؤية خطيرة!
ليست مسألة الخشوع -إذًا- مجرَّد تكثير حسنات، أو بحث عن الاستمتاع بالصلاة؛ إنما الأمر أخطر من ذلك! إن غيابَ الخشوعِ نذيرُ انحرافٍ عن جادَّة الطريق، والذي لا يخشع في صلاته سيقسو قلبُه؛ ومن ثَمَّ يُقْبِلُ على المعاصي غير عابئ بها ولا بمغبَّتها..
لكل ما سبق وجدنا تحذيرات كثيرة في القرآن والسُّنَّة من غياب الخشوع؛ ومواقف الصالحين تُوَضِّح لنا خطورة إهمال إتقان الصلاة، والخشوع فيها.. ولعلَّ من أبرز هذه التحذيرات وأخطرها ما جاء في قوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون: 4، 5]. فالآية هنا لا تتكلَّم عن قوم هجروا الصلاة وتركوها بالكليَّة، إنما تتكلَّم في واقع الأمر عن «مُصَلِّين»! وعلى الرغم من أنهم مصلُّون، فإن الله توعَّدهم بالويل والثبور! لماذا؟! لأنهم «سَهَوْا» عن صلاتهم، فلم يُصَلُّوها في وقتها، ولم يُعطوها قدرها، ولم يُحسِنوا قيامها أو ركوعها أو سجودها، ولم يخشعوا فيها..
إن صلاتهم كانت عبارة عن حركات لا معنى لها!
قيام دون تدبُّر..
ركوع دون خشوع..
سجود دون خضوع!
أيُّ صلاةٍ هذه؟!
لذلك يقول الإمام ابن القيم رضي الله عنه تعليقًا على هذه الآية: «وليس السهو عنها تركها، وإلَّا لم يكونوا مُصَلِّين، وإنما هو السهو عن واجبها: إمَّا عن الوقت، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه وغيره، وإما عن الحضور والخشوع، والصواب أنه يعمُّ النوعين؛ فإنه سبحانه أثبت لهم صلاة، ووصفهم بالسهو عنها، فهو السهو عن وقتها الواجب، أو عن إخلاصها، وحضورها الواجب؛ ولذلك وصفهم بالسهو، ولو كان السهو تركًا لما كان هناك رياء..»[3].
ولقد عَبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبيرًا غريبًا عجيبًا عن أولئك الذين لا يُحسنون صلاتهم، ولا يخشعون فيها!
إنه اعتبرهم «لصوصًا»!! بل اعتبرهم أسوأ اللصوص!
فقد روى أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ». قالوا: يا رسول الله؛ وكيف يسرق من صلاته؟ قال: «لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا». أو قال: «لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ»[4]. فهذه أسوأ السرقات حقًّا! فالسارق هنا يسرق أغلى الأشياء.. وهل هناك ما هو أغلى من الصلاة؟! كما أن هذه السرقة يعود ضررُها على العبد في الدنيا والآخرة، وهي سرقة تدلُّ على عمى البصيرة؛ حيث يُؤذي الإنسان نفسه دون دراية، وفوق كلِّ ذلك فإن فيها سوء أدب مع الله عز وجل الذي نتوجَّه إليه بهذه الصلاة!
إنها سرقة شنيعة حقًّا!
وكيف يكون أجرنا في مثل هذه الصلوات المسروقة؟!
يُخطئ كثير من الناس عندما يظنُّون أن أجر الصلاة عبارة عن رقم محدَّد ثابت من الحسنات! إن الله تعالى لا يظلم أبدًا.. قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}[النساء: 40]، وقال كذلك في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي؛ إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي..»[5]. ومحال أن يكون أجرُ خاشع مُتَبَتِّل كغافلٍ ساهٍ! بل ليس كل الخاشعين سواء، وليس كل الغافلين سواء؛ فدرجات الخشوع -وكذلك درجات الغفلة- لا حصر لها، وذلك لأن الحساب بالذَّرَّة! بل أدنى من الذَّرَّة! قال تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[يونس: 61]؛ لذا فالرجل يُصَلِّي في الصفِّ إلى جوار الرجل، والفرق بينهما في الأجر كما بين السماء والأرض! بل إن الإنسان نفسه يأخذ أجرًا معيَّنًا في إحدى صلوات اليوم، ويأخذ أجرًا مغايرًا في الصلاة ذاتها في اليوم التالي! والأمر كلُّه مرتبط ارتباطًا وثيقًا للغاية بالخشوع أو الغفلة!
ونحن نجد تفسيرًا مباشرًا لهذه المعاني في كلمات كاشفة بيِّنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. فعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ، وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا»[6]. فالكلمات في منتهى الوضوح والإبانة.. والأجور متفاوتة للغاية، وما كُتِبَ لك من الأجر مقرون بدرجة الخشوع لا محالة، وهذا ما دفع حبر الأُمَّة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إلى أن يقول كلمته المشهورة: «لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلاتِكَ إِلَّا مَا عَقَلْتَ مِنْهَا»[7]. وهذا الكلام وإن لم يكن مرفوعًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه مستنبط من كلامه، ومعناه صحيح بلا ريب، وعلى المسلم أن يتدبَّر في هذه المسألة حتى لا يُفجع يوم القيامة بما لا يتخيَّله!
وأشنع من كل ما سبق -وهو بهذه الرؤية أمر متوقَّع- أن تُرْفَضَ الصلاة بالكليَّة من ربِّ العالمين! فلا أجر، ولا ثواب؛ بل نكال وعقاب!
فهذا طلق بن علي الحنفي[8] رضي الله عنه ينقل لنا قولًا مُخَوِّفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: «لَا يَنْظُرُ اللهُ عز وجل إِلَى صَلَاةِ عَبْدٍ لَا يُقِيمُ فِيهَا صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا»[9]. فكيف تتخيَّل الأجر في صلاة لم ينظر إليها ربِّ العالمين غضبًا من العبد الغافل، ورفضًا لصلاته؟! إن هذه العجلة في الصلاة أذهبت خشوعها، كما أن نقص الخشوع يدفع المرءَ إلى الإسراع في صلاته؛ لأنه يشعر أنها عبء على أكتافه! وهكذا يدخل العبد في دائرة تعيسة مغلقة! سرعةٌ في الصلاة تدفع إلى نقص في الخشوع، ونقصٌ في الخشوع يدفع إلى سرعة في الصلاة.. وهكذا حتى يصل الأمر إلى إغضاب ربِّ العالمين، فلا ينظر إلى هذه الصلاة العبثيَّة!!
أليس هذا شيئًا مُرعِبًا؟!
وهذه الدائرة التعيسة المغلقة تُفَسِّر لنا أقوالًا ومواقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وهي مواقف حقيقية ليست من قبيل ضرب المَثَل أو مجرَّد التخويف!
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي سِتِّينَ سَنَةً، ومَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ، لَعَلَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ، وَلَا يُتِمُّ السُّجُودَ، وَيُتِمُّ السُّجُودَ، وَلَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ»[10]. فهذا رجل طال به العهد على هذه الصلاة العبثيَّة المنقوصة، وبلغ الأمر به أن صلَّى ستين سَنَة كاملة! ومع ذلك فالنتيجة كانت مخزية! لقد رُفِضَت الصلاة كلها!
رُفِضَت صلاة ستين سنة!
إن الأمر جدٌّ ليس بالهزل!
إنه لم يشفع للرجل طول عبادته على مرِّ السنين؛ فلقد صلَّى بطريقة مغايرة للطريقة التي جاء بها نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، وهذه الطريقة التي «ابتدعها» هذا الرجل أضاعت عليه تعب العمر!
ويُؤَكِّد هذا المعنى ما رواه أبو عبد الله الأشعري رضي الله عنه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا لا يُتمُّ ركوعه وينقر في سجوده وهو يُصَلِّي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ مَاتَ هَذَا عَلَى حَالِهِ هَذِهِ، مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم». ثُمَّ قال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِي لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ، وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ، مَثَلُ الجَائِعِ يَأْكُلُ التَّمْرَةَ وَالتَّمْرَتَيْنِ لَا يُغْنِيَانِ عَنْهُ شَيْئًا[11]»[12].
إن هذا الموقف يُضيف بُعْدًا جديدًا خطيرًا، وهو أن الرجل قد مات «على غير ملَّة محمد» صلى الله عليه وسلم!! ووقف العلماء أمام هذا الأمر طويلًا.. قال بعضهم: إن هذا يعني كفره، وخروجه من الإسلام. وقال آخرون: إن هذا على سبيل الردع[13]!
ما الأمر؟!
ليست القضية هامشية في حياتنا..
بل إننا نهتمُّ بالتفاصيل الدقيقة في كثير من القضايا الهامشية جدًّا في حياتنا، ثم نهمل في صلاةٍ إهمالًا يُخْرِج من الملَّة!
بعضنا يعرف بدقَّةٍ أسعارَ بيع لاعبي الكرة!
بعضنا يُتابع أجور الفنانين!
بعضنا «يحترف» حلَّ الكلمات المتقاطعة والسودوكو[14] وألعاب الفيديو!
ثم لا يجد بعد هذا وقتًا لإتقان الصلاة، أو تعلُّم قراءة القرآن!
ولعلَّ هذا هو السبب وراء عدم نظر ربِّ العالمين إلى هذه الصلاة، ورفضها كلها.. إنها أُقيمت بلا اكتراث ولا اعتناء، وليس للعبد أن يتعامل مع الربِّ بهذه الصورة غير اللائقة!
عن زيد بن وهب رحمه الله قال: رأى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه رجلًا لا يتم الركوع ولا السجود، قال: «مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا»[15].
وبعدُ أيها المسلمون!
وبعدُ أيها المؤمنون!
أَلَمْ يأنِ لقلوبنا أن تخشع؟!
قد فات عمر طويل.. والله أعلم كم بقي!
إن الفرصة ما زالت سانحة ما دامت أنفاسنا تتردَّد..
ففرُّوا إلى الله..
إني لكم منه نذير مبين!
وليس بعد هذا الكلام كلام!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، (3451) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، (2533).
[2] مسلم: كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ}[الحديد: 16]، (3027)، والنسائي (11568).
[3] ابن القيم: مدارج السالكين، 1/527.
[4] الموطأ - رواية يحيى الليثي (401)، وأحمد (22695)، واللفظ له، وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح. والدارمي (1328)، وابن خزيمة (663)، وابن حبان (1888)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وأبو يعلى (1311)، والحاكم (835) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والبيهقي: السنن الكبرى، (3809)، وصححه الألباني، انظر: التعليقات الحسان 3/357.
[5] مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، (2577)، واللفظ له عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، وأحمد (2577)، وابن حبان (619)، والبيهقي: السنن الكبرى، (11283).
[6] أبو داود: كتاب الصلاة، باب ما جاء في نقصان الصلاة (796)، والنسائي (612)، وأحمد (18914)، وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح. وابن حبان (1889)، وأبو يعلى (1615)، قال حسين سليم أسد: إسناده حسن. والبيهقي: السنن الكبرى، (3342)، وحسنه الألباني، انظر: صحيح أبي داود، 3/382.
[7] ابن تيمية: منهاج السنة النبوية، 5/132، 6/134، والذهبي: المنتقى من منهاج الاعتدال، ص398. وقال الغزالي: وقال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ صَلاتِهِ إِلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا». وقال الزين العراقي: «لم أجده مرفوعًا». انظر: أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، وبذيله كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، للعراقي، 1/159، وقال الألباني: «لا أصل له مرفوعًا، وإنما صحَّ عن بعض السلف». انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة، (6941).
[8] هو: طلق بن علي بن المنذر بن قيس الحنفي، صحابي، أحد الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل معه في بناء المسجد. ابن عبد البر: الاستيعاب، 2/776، 777، والمزي: تهذيب الكمال، 13/455، والصفدي: الوافي بالوفيات، 16/282، وابن حجر: الإصابة، 3/538 (4287).
[9] أحمد (16326) واللفظ له، والطبراني: المعجم الكبير، (8277)، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد، 2/302، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة، (2536).
[10] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، 1/288 عن أبي هريرة رضي الله عنه، والأصبهاني: الترغيب والترهيب، 2/426 (1922)، وحسنه الألباني، انظر: صحيح الترغيب والترهيب، 1/127 (529).
[11] دلت هذه الأحاديث على أن إتمام الركوع والسجود في الصَّلاة واجب، وأن تركه محرَّم، ولولا ذلك لم يكن تاركه خارجًا من الدين؛ بل هو يدلُّ على أن تاركه تارك للصلاة، فإنه لا يخرج من الدين دون ترك الصلاة، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ». وفي رواية: «فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ». وأمَّا المثل المضروب في هذا الحديث لمن لا يُتِمُّ ركوعه ولا سجوده ففي غاية الحُسن؛ فإن الصلاة هي قوت قلوب المؤمنين وغذاؤها، بما اشتملت عليه من ذكر الله ومناجاته وقربه، فمَنْ أتمَّ صلاته فقد استوفى غذاء قلبه وروحه، فما دام على ذلك كملت قوته، ودامت صحته وعافيته، ومَنْ لم يُتِمّ صلاته فلم يستوفِ قلبه وروحه قوتها وغذاءها، فجاع قلبه وضعف، وربما مرض أو مات؛ لفقد غذائه، كما يمرض الجسد ويسقم إذا لم يُكمل تناول غذائه وقُوتِه الملائم له. ابن رجب: فتح الباري، 5/52.
[12] أبو يعلى (7184)، وقال حسين سليم أسد: إسناده جيد. والطبراني: المعجم الكبير، (3840)، وابن خزيمة (665)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى وإسناده حسن. انظر: مجمع الزوائد، 2/303، وحسن إسناده الألباني، انظر: صحيح الترغيب والترهيب، 1/127 (528).
[13] ذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية) إلى أن الطمأنينة في الركوع بقدر تسبيحة فرض، لا تصحُّ الصلاة بدونها. ومن أدلة الجمهور على وجوب الطمأنينة: قوله صلى الله عليه وسلم في قصة المسيء صلاته: «ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا». الحديث. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ»... ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ركع استوى، فلو صُبَّ على ظهره الماء لاستقرَّ؛ وذلك لاستواء ظهره ولاطمئنانه فيه... وقد رأى أبو حذيفة رضي الله عنه رجلًا لا يتم الركوع والسجود فقال: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا صلى الله عليه وسلم. فإذا رفع رأسه من الركوع ثم شك هل أتى بقدر الإجزاء أو لا، لا يعتد به ويلزمه إعادة الركوع؛ لأن الأصل عدم ما شك فيه. وذهب الحنفية إلى أن الطمأنينة في الركوع ليست فرضًا، وأن الصلاة تصح بدونها؛ لأن المفروض من الركوع أصل الانحناء والميل، فإذا أتى بأصل الانحناء فقد امتثل، لإتيانه بما ينطلق عليه الاسم الوارد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ}[الحج: 77]، الآية. أما الطمأنينة فدوام على أصل الفعل، والأمر بالفعل لا يقتضي الدوام. وهي عندهم من واجبات الصلاة، ولهذا يكره تركها عمدًا، ويلزمه سجود السهو إذا تركها ساهيًا، وذكر أبو عبد الله الجرجاني أنها سُنَّة عند أبي حنيفة ومحمد ولا يلزم بتركها سجود السهو، وروى الحسن عن أبي حنيفة فيمن لم يُقم صلبه في الركوع، إن كان إلى القيام أقرب منه إلى تمام الركوع لم يجزئه، وإن كان إلى تمام الركوع أقرب منه إلى القيام أجزأه، إقامة للأكثر مقام الكل. الموسوعة الفقهية الكويتية 23/127، 128. وقال الشوكاني: والحديث يدلُّ على وجوب الطمأنينة في الركوع، والسجود، وعلى أنَّ الإخلال بها يبطل الصلاة، وعلى تكفير تارك الصلاة؛ لأنَّ ظاهره أنَّ حذيفة نفى الإسلام عنه، وهو على حقيقته عند قومٍ، وعلى المبالغة عند قومٍ آخرين. الشوكاني: نيل الأوطار، 2/310.
[14] السودوكو: لعبة يابانية منطقية مبنية على وضع الأرقام في المكان المناسب.
[15] البخاري: كتاب صفة الصلاة، باب إذا لم يتم الركوع، (758).
◄◄ هذا المقال من كتاب كيف تخشع في صلاتك للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك