التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
قامت الدويلات الإسلامية التي ظهرت عند ضعف الخلافة العباسية بدور مهم جدا في نشر الإسلام في وسط آسيا وبلاد القوقاز، فما هو هذا الدور؟
انتشار الإسلام على يد السامانيين
على أن السامانيين (261 - 389هـ = 874 – 999م) كان دورهم أكبر في انتشار الإسلام في هذه البلاد؛ إذ كانت عاصمتهم بُخَارى، لذلك كان من الطبيعي أن يكون اهتمامهم بما وراء النهر أعظم؛ لأنه مقرُّ حكمهم ومركز دولتهم، ففي عهدهم وضحت ثمار الجهود التي بذلها المسلمون في رفع مكانة الإسلام هناك طيلة قرنين من الزمان تقريبًا، وقد ثبت الإسلام في قلوب الأتراك الغربيين، بل أخذ ينتشر بين الأتراك الشرقيين.[1]
انتشار الإسلام في عهد السلاجقة
وفي عهد الأتراك السلاجقة في القرن الخامس الهجري زادت الجهود لنشر الإسلام في مناطق أخرى من بلاد تركستان الغربيَّة وما حولها، وهم الذين أوقعوا هزيمة فادحة بالروم في معركة ملاذكرد (464هـ = 1071م).
الذهبي حاكم موسكو المسلم
وقد أدَّى ظهور التتار في البلاد العربيَّة والإسلاميَّة، وقيامهم بتدمير العديد من المعالم والمدن الإسلاميَّة المهمَّة إلى إضعاف الإسلام في مناطق القوقاز، وارتداد كثير من شعوب هذه المناطق إلى النصرانيَّة، بَيْدَ أن التحوُّل الكبير لصالح الإسلام بدأ عندما تولَّى بركة خان بن جوجي ابن أخي جنكيز خان حكم القبيلة الذهبيَّة[2] عام (654 هـ=1256م)، وقد استمرَّ حكمه إلى سنة (675 هـ=1276م) تَحَوَّل في أثنائه معظم أفراد القبيلة الذهبيَّة إلى الإسلام، وقد امتدَّ حكمهم من تركستان حتى موسكو، التي حكموها أيضًا.[3]
عهد القوقاز الذهبي
وكان العهد الذهبي للقوقاز من حيث ثبات العقيدة ورسوخها في عهد تيمورلنك (726 - 807هـ)، الذي احتلَّ أَذْرَبِيجَان والداغستان؛ فقد اهتمَّ تيمورلنك بالقضاء على كل ما هو غير إسلامي في أَذْرَبِيجَان وداغستان، حتى لقد أصبح الإسلام هو الدين الوحيد لسكان وسط الداغستان، وهم شعب "اللاك"، الذين أصبحوا بدورهم شعلة قويَّة في نشر الإسلام في المناطق المجاورة لهم، وقد اتخذوا مدينة "غازي – قمق" عاصمة لهم ومركزًا إسلاميًّا رئيسيًّا في داغستان.
كما يُذكر لتيمورلنك أنه وجَّه ضربة عنيفة لأكبر قوَّة مسيحيَّة في وسط وشمال القوقاز، وهي مملكة شعب "الآلان" وهم أجداد شعب الأوستين الذين يعيشون اليوم في أوسيتيا الشماليَّة والجنوبيَّة؛ حتى دخلت معظم شعوب المنطقة في الإسلام، وخاصَّة بعد ظهور مجموعة من القوى في منطقة القوقاز وما حولها في القرن العاشر الهجري مثل: تركيا، وخانية القرم، اللَّتان كان لهما أكبر الأثر في تحوُّل الأبخاز[4] وشراكسة الغرب والشرق من المسيحيَّة إلى الإسلام[5].
بلاد القوقاز في عهد الدولة العثمانية
ولما استطاعت إمارة آل عثمان (699 – 1342هـ) التوسُّع غربًا في اتِّجاه الأراضي البيزنطيَّة راحت القوى الصليبيَّة تُحَرِّض القوى التركمانيَّة الأخرى على مناوئة النفوذ العثماني في الأناضول، حيث قَادَ هذه الحركات أمير قرمان علاء الدين، لِذَا توجَّه العثمانيون لأوَّل مرَّة تجاه الشرق، وبدءوا في السيطرة على الإمارات هناك تدريجيًّا، حتى خضعت معظمها للسيادة العثمانيَّة، ويمكن أن نقسِّم ممالك آسيا الوسطى والقوقاز من خلال عَلاقتها بالخلافة العثمانيَّة إلى قسمين: الأوَّل: ممالك خضعت للنفوذ العثماني المباشر، وهي مثل مناطق القرم، وقفقاسيا، وغربي القوقاز. والثاني: ممالك لم تخضع للنفوذ السياسي للخلافة العثمانيَّة، وإنما خضعت لنفوذها الديني، وتخوض مع الدولة صراعًا مشتركًا ضدَّ الشيعة في إيران، والأطماع الروسيَّة في الشمال، وهذه المناطق هي: بخارى وخُوَارِزم وطشقند وشرق القوقاز.[6]
هذا وقد كان ثَمَّة عداء واضح بين الدولة الصفويَّة والخلافة العثمانيَّة، وهو ما ولَّد مجموعة من المعارك الحربيَّة بين الطرفين، انتصر فيها العثمانيُّون كثيرًا، وبسبب هذه العداوة لم تخضع دول وسط آسيا بالصورة السياسيَّة المفهومة لسلطان العثمانيين؛ لذا استقلَّت كثير من هذه الممالك بذاتها.
وخلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريَّيْن كثَّف الأتراك العثمانيُّون جهودهم لنشر الإسلام في الأجزاء الشماليَّة والغربيَّة والوسطى من القوقاز، وبشكل خاصٍّ بين شراكسة البحر الأسود، وهم الأديجيون، وبين قبائل القرتشاي، والبلكار، والأباظة، والأبخاز.
وقام الأتراك عام (1036هـ= 1627م) بغزو الأجزاء الجنوبيَّة الغربيَّة من جورجيا، واعتنق قسم من سكانها الدين الإسلامي، وهم شعب أدجاريا الحالي وعاصمتهم باطومي على ساحل البحر الأسود،[7] وقد وطَّد الإسلام أركانه في هذه البلاد خلال القرن الثالث عشر الهجري، وقد انتشرت المذاهب الصوفيَّة في الفترة، ومنها النقشبنديَّة.
وفي عام (1129هـ = 1717م) فكَّر سلطان الأتراك وخان القرم "دولت كراي" ومِن بَعْدِهِ "خاز كراي" في نشر الإسلام بين أهل هذه المنطقة؛ فجلب العلماء من الأستانة، كما بنى المساجد، وجعل من "أنابا" عاصمة لولايته على ثغر البحر الأسود، ومركزًا رئيسيًّا للإسلام، وقد انتشر الإسلام من "أنابا" في عموم شمالي القوقاز، بما في ذلك الشيشان، وهكذا أصبح الشراكسة عمومًا مسلمِين ومتمسِّكين به أشدَّ التمسُّك في كل مناحي الحياة.[8]
هذا وقد أدَّى نشاط حركة الجهاد الإسلامي العثماني في شرق أوروبا - حتى سقوط بيزنطة وضم الخلافة العثمانيَّة للأملاك البيزنطيَّة في البحر الأسود - إلى دخول الإسلام منطقة القرم وقفقاسيا، وخوض صراع طويل على أملاك العائلة الذهبيَّة في قازان واسترخان مع إمارة موسكو، وانتهى الأمر بإلحاق الخلافة العثمانيَّة للقرم تحت حمايتها، وضمِّ موسكو لقازان واسترخان[9].
ولكن لاضطراب السياسة العثمانيَّة على إِثْر وفاة السلطان سليمان القانوني، وظهور إمارة موسكو كقوَّة في منطقة أوكرانيا شمالي البحر الأسود، وسَعْيِ أمير هذه الإمارة للحصول على لقب القيصريَّة من بابا روما، ووراثة الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، وحرص بابا روما على دفع روسيا القيصريَّة لحمل راية الصليب ضدَّ العالم الإسلامي - كان لكلِّ هذا أثره العظيم في توجيه القيصر الروسيِّ بصرَه صوب الممالك الإسلاميَّة في الجنوب.[10]
وفي هذا الصدد تمكَّنت روسيا القيصريَّة من قطع اتِّصالات ممالك آسيا الوسطى ببقيَّة العالم الإسلامي، وبخاصَّة الخلافة العثمانيَّة، إثر احتلالها استرخان، وتعاونت مع الدولة الشيعيَّة في إيران، التي راحت تتعاون مع العالم الصليبي لمواجهة المسلمين من أهل السنة في بلاد ما وراء النهر وفي الممالك العثمانيَّة، كما ورَّطت روسيا القيصريَّة الخلافةَ العثمانيَّة في حروب خارجيَّة بالتنسيق مع إمبراطوريَّة النمسا.[11]
[1] المصدرين السابقين، الصفحات التاليات.
[2] القبيلة الذهبية: يرجع إلى الخيمة ذات القبة التي كانت موشَّاة بالذهب .
[3] محمود عبد الرحمن: تاريخ القوقاز ص36 .
[4] الأبخاز: قوم سكنوا بلاد القوقاز. على ساحل البحر الأسود، اعتنقوا الإسلام في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي
[5] المصدر السابق، الصفحة نفسها، ومحمود دسوقي كسبه: الشيشان بين المحنة وواجب المسلمين ص 57، 58.
[6] عبد العزيز محمد عوض الله: دراسة أنثربولوجية وتاريخية لتركمان آسيا الوسطى الإسلامية في النصف الثاني من القرن التاسع - بحوث المؤتمر، المجلد الثاني ص 200، نقلاً عن: مصطفى دسوقي كسبة: المسلمون في آسيا الوسطى والقوقاز ص119، 120 .
[7] أحمد عادل موسى: " شهد الإسلام عصره الذهبي في القوقاز على يد الفاتح تيمور لنك " صحيفة الشرق الأوسط 24/10/1995م.
التعليقات
إرسال تعليقك