التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
عبد الرحمن الناصر وفن الحروب، مقال د. راغب السرجاني، يتناول فكر عبد الرحمن الناصر العسكري وفن الحروب الذي تعلمه من جده عبد الرحمن الداخل صقر قريش
عبد الرحمن الناصر وفكره العسكري
وَرِثَ عبد الرحمن الناصر عن جدِّه مؤسس الدولة الأموية في الأندلس عبد الرحمن الداخل -صقر قريش- مبادئ أساسية للحرب؛ منها:
مبدأ المباغتة
وقد ظهرت المباغتة في الأعمال القتالية للخليفة عبد الرحمن الناصر بشكل معقد جدًّا؛ مما يُشير إلى درجة التعقيد التي وصلتها الأعمال القتالية في أيامه، فهو يعتمد أحيانًا على المباغتة الزمنية؛ حيث يعمل على حشد القوات في ظاهر قُرْطُبَة خلال مرحلة مبكرة عمَّا هو معهود في توجيه الصوائف للغزو، وأحيانًا أخرى يلجأ إلى المباغتة المكانية؛ حيث يُضلِّل أعداءه ليظهر في مكان غير متوقَّع من مسرح العمليات؛ بحيث لا يعرف أعداءُ الشمال نوايا الناصر، وإلى أين سيُوَجِّه ثِقَلَ قوات الهجوم، وفي أحيان -أيضًا- تأخذ المباغتة عند الناصر شكل مباغتة على مستوى العمليات، وأحيانًا على المستوى الاستراتيجي، إذ لم يكن التوجُّه إلى عواصم دول الشمال (ليون ونافار) إلا نوعًا من المباغتة الاستراتيجية، كما أن طريقة زجِّ القوات وحجمها كان نوعًا من المباغتة على مستوى العمليات، وكانت مباغتة العمليات والمباغتة الاستراتيجية مميزة بشدَّة تعقيدها لما تُبرِزه متابعة مسيرة الأعمال القتالية؛ حيث تمتزج فيها المباغتة الزمنية بالمكانية بطرق زجِّ القوات لتأخذ شكلاً متقدِّمًا ومتطورًا لمفهوم المباغتة.
الموازنة بين إدارة الحرب وقيادة الأعمال القتالية
أراد الخليفة عبد الرحمن الناصر في بداية حكمه إعطاء نموذج للجهاد بنفسه، فكان يقود المعارك بنفسه مدفوعًا بإيمان الشباب وحماسته للحرب، وممارستها بصورة فعلية، إلى جانب توفُّر الرغبة لحشد قوى المسلمين وتوجيهها وإثارة حميتها، وقد حقق نجاحًا رائعًا في هذا المضمار، حتى إذا استقامت له الأمور، لم تَعُدْ هناك حاجة للإقدام على مُجازفةٍ غير محسوبة تضرُّ بالإسلام والمسلمين بأكثر مما تفيدهم، كما تبدَّى هذا في موقعة الخندق، فكان إمساك الخليفة الناصر بالإدارة العليا للحرب أكثر أهمية من قيادته للأعمال القتالية بنفسه؛ إذ سمح له ذلك بالإشراف على تنظيم الجيوش بصورة مستمرَّة، وإعادة تنظيمها -كُلَّما تطلَّبت الحاجة- وتوجيهها إلى ميادين القتال، وتحديد واجباتها بدقَّة، وتأمين متطلباتها من الإمداد والتموين.
لقد بقيت الأندلس طوال عهد الناصر لدين الله في حرب مستمرَّة ومتواصلة وعلى كافَّة الميادين والجبهات، وكان ذلك يتطلَّب تأمين موارد غير محدودة، وقد أظهرت مسيرة الأعمال القتالية أن قوات المسلمين كانت في تعاظم مستمرٍّ، وأن متطلباتها كانت متوفِّرة، ولم تظهر ولو مجرَّد ظاهرة واحدة تُشير إلى عيب أو خلل في التنظيم الإداري أو في تأمين الإمداد للمقاتلين، وليس ذلك إلا برهان ساطع على تلك الكفاءة العالية، التي ضمنت حشد الموارد الضرورية للقوات، وهو ما يُعْتَبَر في الجيوش القديمة والحديثة مقياسًا لكفاءة الإدارة المشرفة على الحرب، وهكذا فإن تخلِّي الخليفة الناصر عن إدارة القتال قد ساعده على تحقيق واجب أكبر؛ وهو الإدارة الشاملة للحرب، وتأمين متطلَّباتها، وضمان الظروف الموضوعية لتحقيق النصر.
التعليقات
إرسال تعليقك