التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
أحفاد صقر قريش يسقطون مقال بقلم د. عبد الحليم عويس، يبين أسباب سقوط الأمويين أو الدولة الأموية في الأندلس.. فما أسباب سقوط الدولة الأموية في الأندلس؟
خلافة ولدت من خلافة.. ولئن كان أبو مسلم الخراساني، وأبو عبيد الله السفاح قد استطاعا أن يقضيا على دولة الخلافة الأموية بدمشق سنة 132هـ، وأن يقتلا مروان بن محمد بحلوان مصر، فيقتلا بقتله آخر خليفة أموي في المشرق العربي، فإنّ هذه الخلافة المنهارة، قد نبتت لها بذرة غريبة الشكل والتكوين في أرضٍ تفصلها عنها بحار وآلاف الأميال.
وقد استطاع عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، أن يكون هو الفارس لهذه النبتة في الأندلس، بعد مطاردة عنيفة تصلح أن تكون عملاً روائيًّا عظيمًا..
ونجح "صقر قريش" العجيب في أن يهرب أمام الجنود العباسيين حتى وصل إلى فلسطين، ومنها إلى مصر، ثم إلى المغرب بعد خمس سنوات من التجول والتخفي عن عيون العباسيين..
لقد كان يحكم الأندلس آنذاك يوسف بن عبد الرحمن الفهري نيابة عن العباسيين، وقد حاول الفهري مقاومة تسلل وتجمعات عبد الرحمن الداخل، لكنه هُزم أمامه عندما التقيا سنة 139هـ، ودخل عبد الرحمن قرطبة، فتأسس بذلك للأمويين الذين سقطوا في دمشق على يد العباسيين، مُلكٌ جديد في الأندلس الإسلامية. لم تنجح كل محاولات العباسيين على عهد جعفر المنصور في استرداد الأندلس، كما لم تنجح محاولات ملك الصليبيين (شارلمان) في استغلال الظروف والقضاء على صقر قريش، واستتبّ بذلك الأمر للفرع الأمويّ الذي تكوّن في الأندلس.
لقد عاش عبد الرحمن الداخل يبني ويقوِّي من دعائم دولته أكثر من ثلاثين سنة بعد ذلك..
فلما مات سنة 172هـ كان قد ترك وراءه دولة قوية البنيان توارثها أبناؤه من بعده.. تولاها هشام ابنه، ثم عبد الرحمن الثاني، إلى أن وصل الأمر إلى عبد الرحمن الثالث الملقّب بالناصر، الذي اعتُبر عهده قمة ما وصلت إليه الأندلس الأموية من ازدهار وتقدم.
وقد دام حكم الناصر هذا نصف قرن من الزمان. نعمت الأندلس فيه بخير فترات حياتها في ظلال الإسلام، وطلبت ودَّ الدولة الممالك النصرانية المحيطة بها، وأصبحت قرطبة والمدن الأندلسية الأخرى كعبةَ العلوم، ومقصد طلاب العلم، وعواصم الثقافة العالمية الراقية.
وفي سنة 350هـ مات عبد الرحمن الناصر هذا، فتربع على عرش الأندلس من بعده ولده الحكم بن عبد الرحمن الناصر، ثم حفيده هشام الضعيف الذي تسلط عليه الحُجّاب، وأبرز هؤلاء الحجاب المنصور محمد بن عبد الله بن أبي عامر، الذي حكم باسم الأمويين بمعونة أم الخليفة "صبح"، وتمكّن من تحويل الخلافة لنفسه ولأبنائه مدة قصيرة، مكونًا خلالها الدولة المنسوبة إليه، والمسماة بالدولة العامرية.
ثم عادت أمور الأمويين إليهم فترات قصيرة قلقة، إلى أن قُضي عليهم قضاء أخيرًا في الأندلس سنة 422هـ، وعلى أنقاضهم قامت مجموعة دويلات هزيلة في الأندلس عرف عهدها بعهد ملوك الطوائف، الذي كان من أكثر عهود المسلمين في الأندلس تفككًا وضعفًا وانحدارًا نحو هاوية السقوط.
لقد قضى على الأمويين في الأندلس عاملان بارزان:
أولهما: أن هؤلاء الأمويين لم يفهموا طبيعة التكوين الأندلسي، أو فهموه ولم يقوموا بما تتطلبه طبيعته، وأبرز سمات هذا التكوين وجود النصارى في ترقُّب دائم لأية ثغرة ينفذون منها، وتباين الأجناس التي تعيش على أرضهم وتستظل برايتهم، لا يجمعها إلا أقوى وشيجة في التاريخ وهي الإسلام. ولم يكن هناك من حلّ حضاري لمواجهة طبيعة هذا التكوين إلا تعميق "الإسلامية" وتجديدها بين الحين والحين، بحركات جهاد مستمرة ضد الممالك النصرانية المتحفزة، وحركات جهاد تمتص المشاكل الجنسيَّة الداخلية، وفي الوقت نفسه تُوقِف النصارى عند حدودهم، وتجعلهم في موقف الدفاع لا الهجوم.
والعامل الثاني البارز كذلك، هو ترك بعض هؤلاء الخلفاء الأمور لحُجَّابهم أو نسائهم؛ مما مكّن لرجل كالمنصور بن أبي عامر سرقة الخلافة دون جهد.
ومن حقائق التاريخ التي نستفيدها من الوعي به وبقوانينه، أن الدولة التي لا تفهم طبيعة تكوينها، وتعمل على إيجاد حل دائم ملائم لهذه الوضعية، تكون مُعرّضة للزوال.. وهذا هو الأمر الذي آلت إليه أمور بني أمية في الأندلس بعد حياة دامت قريبًا من ثلاثة قرون.
المصدر: كتاب (دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية).
التعليقات
إرسال تعليقك