التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
الدولة المرينية
سقوط الدولة المرينية
وبوفاة أبي عنان انتهت المحاولة المرينية من أجل توحيد الشمال الإفريقي، وتقلص النفوذ المريني في المغربيين الأوسط والأدنى، ثم زال النفوذ المريني من جهة الشرق، فلم يحاول السلاطين الذين من بعده أن يقوموا بأية غزوة في الأقاليم.
وبدأ التدهور في الدولة المرينية بعد وفاة أبي عنان بسبب تسلم أمرها سلاطين ضعاف ففقدوا المغربين الأدنى والأوسط، كما استولى البرتغاليون على مدينة سبتة سنة 818هـ/1415م، فكان هذا بداية لانهيار دولة بني مرين، ثم استولى البرتغاليون على جزء كبير من ساحل المغرب واحتلوا طنجة سنة 869هـ/1464م واقتصرت الدولة المرينية على فاس [20].
واضطربت أحوال الدولة بتعدد الثورات وتدهورت الأمور بفاس، وتسلط على الأمور رجال لا همَّ لهم إلا مصالحهم الشخصية، وفي عهد آخر سلاطين بن مرين عبد الحق بن أبي سعيد بن أبي العباس
(823 - 869هـ/1320 - 1465م) قرب اليهود من مقاليد الحكم وتسلطوا على رقاب الأهالي، فانفجرت الثورة التي عمت أحياء فاس كلها، واضطروا إلى مبايعة سلطان جديد هو الشريف أبي عبد الله محمد بن علي الإدريسي نقيب الأشراف بفاس في رمضان (869هـ / 1465م) وبذلك انتهت دولة بني مرين [21].
أسباب سقوط دولة بني مرين
1 - دسائس ملوك الأسبان ضدها، وتحالف زعماء غرناطة معهم ضد دولة بني مرين ساهم في إضعافهم وتقويض دولتهم، ودخول حكام غرناطة في تحالفات مع بني عبد الواد والحفصيين ضد بني مرين ضيق الخناق على دولة بني مرين.
2 - دخول بني مرين في صراع عنيف مع دويلات، المغرب الأوسط والأدنى، كلفها الأموال والرجال والعتاد والأوقات، وكان قتال بني العقيدة الواحدة والدين الواحد مما ساهم في اضعاف الشمال الأفريقي كله والتعجيل بسقوط دولة بني مرين.
3 - ضعف الأمراء والسلاطين في آخر عهد الدولة، مما ساهم في إضعافها وتسلط الوزراء وزعماء العرب في شؤونها، وتنازعت الأهواء والمصالح، فتولدت انفجارات داخلية ونزاع بين الأبناء والآباء والأعمام عجل بسقوط الدولة.
4 - المخاطر الخارجية والمكايد العالمية من قبل النصارى والذين شنوا حربا على هذه الدولة التي شكلت خطراً على حركة الاسترداد في الأندلس، ولذلك هاجم البرتغاليون بني مرين واحتلوا سبتة عام 818هـ / 1415م، فكان ذلك الاحتلال بداية الانهيار [22].
5 - تولي اليهود مناصب في دولة بني مرين ومارس اليهود الظلم والجور على أهالي المغرب، فكان ذلك سبب في قيام الشعب بثورة ضد دولة بني مرين وإزالتها من الوجود.
6 - أجل الله في هذه الدولة، لأن الدول لها آجال لا تتعداها.
وغير ذلك من الأسباب.
[1] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية، ص14، وتاريخ ابن خلدون، 7/166.
[2] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص24- 27، وتاريخ ابن خلدون، 7/169، والسلاوي: الاستقصا، 3/4.
[3] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص27، وتاريخ ابن خلدون، 7/169.
[4] تاريخ ابن خلدون، 7/171.
[5] ابن عذاري: البيان المغرب، قسم الموحدين، ص380- 384.
[6] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص63: 66، وتاريخ ابن خلدون، 7/171، 172.
[7] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص58، 77، 78، 83.
[8] تاريخ ابن خلدون، 7/177، 178.
[9] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص93، 94، والسلاوي: الاستقصا، 3/21، 22.
[10]انظر: ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص117، 118، و ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 7/182.
[11] انظر: ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص118.
[*] علي الصلابي: دولة الموحدين، الناشر: دار البيارق للنشر، عمان، (1/ 315- 320).
[12] من أمثال عبد الفتاح الغنيمي، والدكتور أحمد مختار العبادي.
[13] عبد الفتاح مقلد الغنيمي: موسوعة المغرب العربي للغينمي، الناشر، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى، 1414هـ/1994م. (3/ 207).
[14] انظر: موسوعة المغرب العربي (3/ 207).
[15] انظر: المصدر السابق (3/ 219،220،221).
[16] د. عبادة كحيلة: المغرب في تاريخ الأندلس والمغرب، ، الطبعة الأولى 1418هـ-1997م، ص141.
[*]محمد المنوني: تعريف بالدولة المرينية، مجلة دعوة الحق، العدد الثالث، السنة الثامنة: عام 1965م.
[17] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون،(7/ 244- 276). الذخيرة السنية، ص78. علي بن أبي زرع الفاسي: روض القرطاس: ص284.
[18] الاستقصا: (2/ 147- 156)، الذخيرة السنية (186- 188)، روض القرطاس (232- 245)، تاريخ ابن خلدون (7/ 195، 247، 299،312،317،336، 350).
[19] محمد المنوني: تعريف بالدولة المرينية، مجلة دعوة الحق، العدد الثالث، السنة الثامنة: عام 1965م.
[20] تاريخ المغرب والأندلس من القرن السادس إلى القرن العاشر الهجري، تأليف مجموعة من الأساتذة، دار الأمل للنشر والتوزيع، ص142.
[21] انظر: موسوعة المغرب العربي (3/ 336،337).
[22] تاريخ المغرب والأندلس في القرن السادس الهجري حتى نهاية القرن العاشر، ص142.
بداية دولة بني مرين
بنو مرين فرع من قبيلة زناتة الأمازيغية (البربرية) الشهيرة [1]، والتي ينتمي إليها عدد من القبائل التي لعبت أدوارًا مهمة في تاريخ المغرب العربي، مثل مغيلة ومديونة ومغراوة وعبد الواد وجراوة، وغيرهم.
وكان بنو مرين في أول أمرهم من البدو الرحل، وفي سنة 601هـ نشبت بينهم وبين بني عبد الواد وبني واسين حرب فارتحلوا بعيدًا وتوغلوا في هضاب المغرب، ونزلوا بوادي ملوية الواقع بين المغرب والصحراء، واستقروا هناك إلى سنة 610هـ، وهي السنة التي مات فيها محمد الناصر الموحدي عقب موقعة العقاب، وتولى من بعده ابنه المستنصر، وكان صبيًّا لا علم له بالسياسة وتدبير الملك، فانشغل باللهو والعبث وترك تدبير الملك لأعمامه ولكبار رجال الموحدين، فأساءوا وتهاونوا في الأمور وخلدوا إلى الراحة والدعة، وكانت موقعة العقاب قد أضعفت قواهم، وقضت على كثير من رجالهم وشبابهم، ثم جاء بعدها وباء عظيم قضى على كثير من أهل هذه المناطق.
وكان بنو مرين في ذلك الوقت يعيشون في الصحاري والقفار، وكانوا يرتحلون إلى الأرياف وأطراف المدن المغربية في الصيف والربيع للرعي فيها طوال الصيف والربيع، ولجلب الحبوب والأقوات التي يستعينون بها على الحياة في الصحاري المجدبة، فإذا أقبل الشتاء اجتمعوا كلهم ببلدة تسمى «أكرسيف» ثم شدُّوا الرحال إلى مواطنهم في الصحراء.
فلما كانت سنة 610هـ ذهبوا على عادتهم إلى المدن والأرياف، فوجدوا أحوال هذه البلاد قد تغيرت وتبدَّلت، ورأوا ما آلت إليه أحوال الموحدين من التهاون والخلود للراحة، وما آلت إليه أحوال الشعب بعد ضياع رجاله وشبابه في موقعة العقاب، وفي الوباء الذي عم بلاد المغرب والأندلس بعدها، ووجدوا هذه البلاد مع ذلك طيبة المنبت، خصيبة المرعى، غزيرة الماء، واسعة الأكناف، فسيحة المزارع، متوفرة العشب لقلة الرعي فيها، مخضرة التلول والربى، فدفعهم ذلك إلى ترك القفار والاستقرار في هذه البلاد، وأرسلوا إلى قومهم في الصحراء يخبرونهم بذلك كله، وأنهم عزموا على الاستقرار هناك، ويحضونهم على اللحاق بهم، فأسرع باقي بني مرين بالانتقال إلى هذه البلاد الخصبة وانتشروا فيها [2].
الصراع بين المرينيين والموحدين
ولأنهم كانوا قومًا من البدو لم يعتادوا الخضوع لغيرهم، فقد عملوا على بسط سيطرتهم على هذه البلاد، وشنوا الغارات على البلاد المحيطة بهم كعادة أهل الصحراء، فلما كثر عيثهم وزادت شكاية الناس منهم، أراد الخليفة المستنصر الموحدي أن يقضي عليهم، فأرسل لهم جيشًا عام (613هـ)، وكان أميرهم في ذلك الوقت أبو محمد عبد الحق بن محيو، فاشتبك الفريقان، ودارت بينهم حرب شديدة استمرت أيامًا، وانتهت بهزيمة الموحدين هزيمة شديدة وبانتصار بني مرين واستحواذهم على أموال الموحدين وسلاحهم، فزاد ذلك من قوة بني مرين، وسرت هيبتهم في بلاد المغرب [3].
واستمرت المعارك بعد ذلك بين بني مرين وبين دولة الموحدين، حتى كانت سنة 639هـ، وفيها أرسل الخليفة الرشيد الموحدي جيشًا لقتال بني مرين فهُزم الموحدون هزيمة شديدة، واستولى بنو مرين على أموالهم وسلاحهم [4]، وتوفي الرشيد بعد ذلك بعام، فخلفه أخوه أبو الحسن السعيد، وهو الذي استنجد به أهل إشبيلية [5]، وصمم أبو الحسن السعيد هذا على القضاء على بني مرين فضاعف في ذلك جهوده، وسَيَّر لقتالهم سنة 642هـ جيشًا ضخمًا، ونشبت بين الفريقين موقعة هائلة هُزم فيها بنو مرين، وقُتل فيها أميرهم في ذلك الوقت أبو معرِّف محمد بن عبد الحق.
المنصور المريني
وتولى إمارة المرينيين بعد مقتل أبي معرف أخوه أبو بكر بن عبد الحق الملقب بأبي يحيى، وفي عهده اشتدَّ ساعد بني مرين، وتغلبوا على مكناسة سنة 643هـ [6]، ثم زحفوا على فاس واستولوا عليها بعد حصار شديد سنة 648هـ، ثم استولوا على سجلماسة ودرعة سنة 655هـ، وبعد ذلك بعام واحد توفي أبو يحيى، وصار الأمر بعده إلى أخيه أبي يوسف يعقوب المريني، وتلقب بالمنصور بالله، وجعل مدينة فاس عاصمة دولته [7].
وفي سنة 657هـ نشبت الحرب بين بني مرين وبين الأمير يغمراس بن زيان ملك المغرب الأوسط، وزعيم بني عبد الواد، فانتصر يعقوب بن عبد الحق أو المنصور المريني، وارتد يغمراسن إلى تلمسان مهزومًا [8]، وفي سنة 658هـ هاجم نصارى إسبانيا ثغر سلا من بلاد المغرب، وقتلوا وسبوا كثيرًا من أهله، فأسرع يعقوب المريني بإنجاده، وحاصر النصارى بضعة أسابيع حتى جلوا عنه [9].
بنو مرين والقضاء على دولة الموحدين
ثم جاءت سنة 667هـ، وفيها كانت الموقعة الحاسمة بين الدولة المرينية ودولة الموحدين، ففي أواخر هذه السنة سار الخليفة الواثق بالله الموحدي لقتال بني مرين، والتقى الفريقان في وادي غفو بين فاس ومراكش، فانتصر بنو مرين، وقُتل من الموحدين عدد كبير، وكان على رأس القتلى الخليفة الموحدي نفسه، واستولى المرينيون على أموالهم وأسلحتهم [10]، ثم ساروا إلى مراكش، فدخلها يعقوب المنصور المريني بجيشه في التاسع من المحرم سنة 668هـ، وتسمَّى بأمير المسلمين [11]، وبذلك انتهت دولة الموحدين بعد حوالي قرن ونصف من الزمان، وقامت بعدها دولة بني مرين الفتية التي سيطرت على المغرب الأقصى كله.
المنهج الذي قامت عليه الدولة المرينية [*]
لا تستطيع أي حركة في المغرب أن تصل إلى القواعد الشعبية بدون رفع شعارات الإسلام، ولذلك من الطبيعي أن تستند دولة بني مرين إلى كونهم حماة الإسلام والمسلمين، وقد أثبتت الأحداث صدق هذه الدعوة في وقوفهم مع مسلمي الأندلس ضد الخطر النصراني على دولة الإسلام هناك، إلا أن صدامهم مع الموحدين وانتصاراتهم المتتالية أقنعت بعض المؤرخين [12] أن حركة المرينيين ذات دلالة سياسية أكثر منها دينية، وبأنهم لم يكن لهم مذهب ديني يدعون له كالمرابطين والموحدين، وكانت شعاراتهم المرفوعة في حركتهم الانفصالية، العمل على استتباب الأمن والعمل لصالح الرعية، ومن هنا كسبوا محبة الناس إلا إن إقدام زعماء بني مرين على قتال الموحدين يدل على قناعتهم الراسخة بأن الموحدين ليسوا مؤهلين لقيادة المغرب، سواء من المنظور الشرعي أو السياسي.
واتخذ زعماء بني مرين أسلوباً عسكرياً وسياسياً للوصول إلى الحكم وإسقاط الموحدين، حيث خاضوا معارك ضارية مع الموحدين وحققوا انتصارات كبيرة عليهم، ومن أجل الحفاظ على تلك المكاسب والانتصارات استعملوا أسلوبا سياسياً بارعاً، تمثل في الاعتراف بالخلافة الحفصية في تونس، وطلب العون منهم وبذلك حققوا مكاسب متعددة، منها وقف خطر بني زيان القادم من الجزائر نحوهم، وتضعيف التحالف بين بني زيان ودولة الموحدين بإدخال طرف قوي في النزاع [13] وقام بنو حفص بمساعدة بني مرين وتدمير تحالف بني زيان مع الموحدين والاستيلاء على تلمسان عاصمة بني زيان عام 640هـ /1243م. ومن ذلك الموقف والتاريخ بدأ بنو مرين يحافظون على مظهر التبعية لبني حفص [14].
وعندما وصل السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور للحكم استقل بالإمارة والسلطنة وانفصل عن الحفصيين. وقام أبو يوسف باستكمال بناء الدولة بجهود ضخمة وقوية من أجل تثبيت البناء الجديد وفرض سيطرتها وقوتها على كافة الأقاليم واستطاع في فترة قصيرة أن يحقق نجاحات واسعة، فاستطاع أن يضبط الأمن، ويرعى مصالح العباد، وعمل على توحيد المغرب الأقصى وضم كافة المدن التي كانت منفصلة عن دولة الموحدين.
ووضع خطوطا دفاعية ضد الخطر الزياني القادم من الشرق، واستطاع أن ينظم القبائل العربية ويستخدمها في محاربة الأقاليم المنفصلة عن الدولة واستطاع أن يضم سبتة وطنجة تحت حكمه وبذلك ضمن مفتاح العبور للأندلس وضم إقليم سلجماسة للدولة في صفر 673هـ/1274م، وبذلك أصبحت كل أراضي المغرب الأقصى تحت نفوذ الدولة المرينية، وأصبحت فاس عاصمة للدولة المرينية الجديدة. وفي عام 674هـ / 1275م أمر السلطان المريني ببناء عاصمة جديدة وسميت البيضاء، وأصبحت فاس القديمة مركزاً للتجارة والعلم [15].
المرينيون وتوحيد الشمال الأفريقي
أبو الحسن المريني
حاولت دولة بني مرين أن توحد الشمال الأفريقي تحت نفوذها، ودخلت في معارك عنيفة مع بني عبد الواد والحفصيين في المغرب الأوسط والأدنى. واستطاع المرينيون في عصر أبي الحسن المريني (731/ 1331 - 752هـ/1351م) وولده أبي عنان فارس (752هـ/ 1351م- ... ) أن يوحدوا الشمال الأفريقي بالقوة وعادت وحدة الشمال الأفريقي لمدة قصيرةـ وأزال السلطان أبو الحسن بني زيان عن تلمسان في سنة 737/ 1337م ثم أحسن إليهم وفرض لهم العطاء وتوقف عن التوسع لانشغاله بالجهاد في الأندلس، وعاد حركة التوسع في الشمال الأفريقي بعد هزيمته أمام النصارى في الأندلس، ودخل تونس في عام 748هـ/1347م، لتمتد مملكته من مسراته في ليبيا إلى السوس الأقصى وإلى رندة من عدوة الأندلس.
لم يتألف أبو الحسن المريني الحفصيين والقبائل العربية بالمال والإحسان إليها، ففجروا ثوراتهم ضده واستطاعوا أن يهزموه على مقربة من القيروان.
أبو عنان فارس المريني
وفي هذه الأثناء خرج عليه ولده أبو عنان فارس وطلب الزعامة لنفسه، واضطر أبو الحسن أن يتخلى عن السلطة في سنة 752/ 1351، ثم مات بعد شهور. واصل أبو عنان حركة التوحيد لأقطار الشمال الأفريقي وأزال دولة بني زيان سنة 753هـ/1352م وتابع سيره إلى أفريقية ودخل تونس في سنة 758هـ/1357م، إلا أن انفجار الثورات على مستوى المغرب كله خصوصا في فاس وطمع بعض أقربائه في السلطة جعله، يعود إلى عاصمته، فوفاه الأجل في العام التالي [16].
امتدادات الدولة المرينية [*]
وقد امتدت المملكة المرينية أيام أبي سعيد عثمان بن يعقوب المريني في الجنوب إلى معاقل الصحراء وقصور توات وتيكورارين وتنمطيت. كما امتد المرينيون في فترات خارج المغرب الأقصى، فامتلك يعقوب المنصور المريني في الأندلس 53 مسورا مابين مدن وحصون، زيادة على القرى والبروج التي تزيد على 300، وكان الحد بينه وبين المملكة النصرانية هو حصن ذكوان بمقربة من مالقة. كما أن يوسف بن يعقوب بسط نفوذه على نواحي كثيرة من القطر الجزائري، وفي بعض أيام أبي الحسن المريني توحد المغرب العربي تحت قيادته من السوس الأقصى إلى مصراته قرب الحدود المصرية، زيادة على اتساع هذه المملكة إلى رندة بالأندلس. وفي أيام أبي عنان فارس المريني برقت بارقة لاستعادة وحدة المغرب العربي ثم سرعان ما خبت.
أما الفترة الواقعة بعد عهد أبي عنان إلى نهاية الدولة فلم يحدث فيها امتداد منظم نحو شرق المغرب، ولا يستثنى من هذا سوى غارات عابرة ارتجلها ملوك وحكام مرينيون. وقد امتدت قوة الدولة المرينية حتى أيام أبي الحسن، ثم أخذت في التراجع تأثرا بعدة عوامل، فهناك الضعف الذي نزل بالجيش بعد موقعتي طريف والقيروان، حيث انقطع العبور المريني إلى الأندلس، وفشلت محاولة استعادة الإمبراطورية الموحدية في شمال إفريقيا [17].
إنجازات الدولة المرينية
كانت عاصمة الدولة المرينية هي فاس التي ابتنى يعقوب بن عبد الحق غربيها المدينة البيضاء "فاسا الجديد" مقر الجهاز الحكومي للدولة. وإلى جانب العاصمة المركزية توجد مدن أخرى بمثابة عواصم ثانوية، ولهذا ابتنى بها الملوك المرينيون قصبات خاصة، فقد أسس يعقوب بن عبد الحق القصبة المرينية شرق مدينة مكناس، وبالأندلس ابتنى نفس الملك البلد الجديد على الجزيرة الخضراء، وهو الذي يسميه ابن مرزوق "البنية"، وبنى يوسف بن يعقوب مدينة "المنصورة" بجوار تلمسان ثم بنى أبو سعيد الأول على سبتة: القصبة المسماة "أفراك"، وجدد أبو الحسن بنيتي تلمسان وسبتة، حيث أطلق على كل واحدة منهما اسم "المنصور". أما أهم المدن المغربية في العهد المريني فهي حسب مركزها الاقتصادي آنذاك:
فاس ومراكش، سجلماسة، مكناس، سبتة، آسفي وأنفا، وسلا والرباط، طنجة وتازى، أغمات، أزمور.
وأيضا تتجلى قيمة هذا العصر في العمل القيم الذي أسهم به المغرب- حكومة وشعبا- في بعث الحضارة الإسلامية بعدما كادت تقضي عليها عواصف الحروب الصليبية في الغرب، وفي الشرق الذي أصيب- أكثر- بكارثة النسف التتري لسائر مظاهر الحضارة والعمران في أكثر جهاته. وأن هذه العواصف التخريبية التي طافت بالمغرب والمشرق معا كانت أحد الأسباب لقصور الحضارة المرينية عن الحضارة الموحدية [18].
مزايا العصر المريني
ومن مزايا العصر المريني الذي حكم فيه المرينيون أنه استطاع أن يؤخر كارثة سقوط الأندلس بنحو قرنين من الزمن، لما بذل المغرب من دفاع مجيد عن الأندلس. وبعد هذا فإن المغرب مدين لعظماء المرينيين بما قاموا به من إنعاشه بعد الخراب والفوضى اللذين خيما على ربوعه في أعقاب العصر الموحدي حيث انتكست الحضارة المغربية انتكاسا. وقد كان أول ما بدأوا به هو إعادة إقرار الأمن بالمغرب، وبعد استقرار الأمن بالبلاد أخذوا في تنفيذ برامجهم في الدفاع عن الأندلس، وقد كان نجاحهم- أكثر- في تشجيع العلم وإقامة معالم العمران. وبذلك كله حققوا كثيرا من الآمال التي كان المغاربة يعلقونها على هذه الدولة الجديدة [19].
التعليقات
إرسال تعليقك