ملخص المقال
كيف أبتسم وبيت المقدس أسير؟ كانت هذه الكلمات النبراس الذي أضاء لصلاح الدين الأيوبي طريق الحرية إلى القدس.. فما أهم شروط تحرير القدس؟
كيف أبتسم وبيت المقدس أسير؟ كانت هذه الكلمات النبراس الذي أضاء لصلاح الدين الأيوبي طريق الحرية إلى القدس الشريف، تلك الكلمات التي طالما رددها صلاح الدين تختزل في طياتها أمرين من أهم شروط الفوز بشرف تحرير القدس، إنهما التجرد والإخلاص.
بالوقوف مع أولها وهو التجرد من الدنيا وملذاتها، فلقد كان تحرير القدس يملأ على صلاح الدين حياته، كان هو الدم الذي يضخ في قلبه، فحرّك كيانه، فانشغل قلبه بالتخطيط لتحرير المدينة المقدسة من دنس الاحتلال الصليبي.. انشغل صلاح الدين لدرجة التجرد عن متاع الدنيا، فترسخ في نفسه أن معنى الابتهاج لا يكون إلا بعزّ الإسلام، حينها فقط ستتحرك الشفتان لترسما أجمل ابتسامة تنير الدنيا؛ رضوانًا بانتصار الإسلام واعتلاء صرح لا إله إلا الله محمد رسول الله في سماء الكون، ذلك التجرد الذي ترجم في إخلاص صادق كان له الدور الأساسي في الدفع به للتخطيط المتواصل، وصولاً للتحرير العظيم.
لقد عاش كثير من شبابنا ينادي في الفعاليات ويصرخ في المسيرات أين صلاح الدين، ولم يسأل نفسه: أين صلاح الدين من نفسه؟
لقد عقد صلاح الدين العزم، فتجرد للدفاع عن كرامة الأمة ومقدساتها، فأخلص قلبه وعمله لله وأخذ بأسباب النصر، فتَوَّجَه المولى جل جلاله بأجمل الألقاب، وكتب اسمه من ذهب في صفحات تاريخ الأمة الاسلامية العظيمة بعنوان محرر بيت المقدس.
إن تحرير القدس شرف وتاج لا يمن الله به إلا لقلوب باعت الدنيا ومزجت حياتها بخدمة دين الله، فتعالوا بنا معًا نفتح تلك الغرفة المظلمة بالمعاصي التي جعلناها المأوى الذي يريحنا ويؤنسنا، عندما تفتح تلك النافذة ينبعث غبار ستين سنة من الصراخ والألم الذي عاشته فلسطين وأمتنا في العراق وأفغانستان والبوسنة والشيشان وفي كل مكان.
بالله عليكم كيف نبتسم وفلسطين مرّ عليها أكثر من ستين سنة وهي بين يدي الاحتلال الصهيوني يعيش بمقدساتها وينتهك حرماتها ويغتصب عرضها ويقتل أطفالها ويعتقل شبابها ويغيّر معالمها الإسلامية؟! كيف نبتسم والعراق تقع أسيرة بين يدي الاحتلال الأمريكي والغدر الشيعي الإيراني؟ كيف نبتسم وقد مات وأمام أعيننا أكثر من نصف مليون طفل عراقي جراء حصار غربي حقير؟
كيف نبتسم والأمة أصبحت قصعة مستباحة تتكالب عليها كل أمم العالم، وصدق فينا قول الصادق صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال صلى الله عليه وسلم: «حب الدنيا وكراهية الموت».
وهذا هو الذي يحصل علينا..
ومن ثَم يختلف الغرب في كل شيء إلا في انتهاك عرض الإسلام، فتجد التحالفات الدولية لضرب أي دولة إسلامية، ذلك التحالف شبّهه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث بتداعي الأكلة إلى قصعتها.. فكيف نبتسم ونحن أهم أسباب تأخر نصر الله للأمة؟! إن ابتسامنا هو جزء من الوهن الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد سلم صلاح الدين من عشق الدنيا وغرس حب الموت في جيشه، فعاش طول مسيرته النضالية متجردًا ينتظر النصر، حتى يأذن لنفسه أن تبتسم.
كيف نبتسم وإخوان لنا في سوريا يمارس فيهم النظام العلوي الكافر صنوف التقتيل التي تعلمها من مدارس الصهيونية؟!
كيف نبتسم ونحن نسمع صيحات النساء هناك وهن يغتصب؟! كيف نبتسم ونحن نسمع أنين الأرامل ونحيب يتامى؟!
كيف نبتسم وملايين المرضى في قطاع غزة يجلسون على طابور الموت ينتظرون ساعة الارتقاء إلى الرفيق الأعلى؛ بسبب انقطاع التيار الكهربائي والحصار الظالم الذي يزداد في خنق قطاع غزة من أزيد من خمس سنوات؟!
تخيل أخي أن ترى رجلاً قد دخل اللصوص إلى بيته وسرقوا ماله وقاسموا أملاكه، وتواتروا على اغتصاب زوجته وبناته، وقتلوا أولاده، وهو يرى زوجته تغتصب وتصرخ عليه لينجدها، ولكنه مشغول بمسرحية وغارق في جنون الضحك، أو يشاهد مباراة لكرة القدم ويتفاعل معها أكثر من انفعاله لعرضه وانتهاك شرفه..! إن ذلك البيت هو الإسلام الحنيف، الذي يجمعني ويجمعك ويجمع أهل سوريا وفلسطين ومصر والجزائر والسعودية، وكل أرض تغطت بعلم لا إله إلا الله محمد رسول الله..
كل ذلك يحدث دون أن تحترق المشاعر وتتقطع القلوب وتنخلع العقول، لقد أصبحت الأمة عبارة عن مجموعة من الدياييث، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث». فأصبحت الأمة بعيدة عن جنة ربها، فأبعد الله عنها النصر.
لسنا في برنامج للبحث عن المفقودين لنقول: أين هو صلاح الدين؟ وكأن الأمة لا تتحرك إلا بفرد، ولم ينتبه الكثيرون أن مع صلاح الدين كان الآلاف بنفس روحه وقوة إيمانه وثبات هدفه وصفاء عقيدته.. إن السؤال الفعلي الذي يجب أن يطرح: أين هو صلاح الدين من أنفسنا؟ أين هو إخلاص صلاح الدين فينا؟ وقد قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
فالإخلاص هو قاعدة أساسية لا يستغني عنها قائد صالح، ولا جيش فاتح.
أين عزيمة صلاح الدين الصادقة والتي يعطرها قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19].
نعم، فمن أراد الغالي لا يتوانى في السعي لتحقيقه، وليس هناك كرامة أغلى من أن يكتب الله اسمك في قائمة الشرف التي يتوجها بأعظم انتصار بتحرير القدس؛ لأجل ذلك أدرك قيمة ذلك العمل حتى تستشعر واجبك، واقرأ في كل يوم تفتح فيه عينيك بعد النوم قول الحق تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]. فجاهد في سبيل الله حتى يهديك الله ويرشدك إلى اليوم الذي تبصر فيه عيناك نور شمس الاسلام تضيء الكون بأسره، وتيقن أن ذلك لن يكون إلا بعد التجرد من الذنوب والمعاصي وإن كانت صغيرة، فقد قال الحق جل جلاله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]..
فكل مصائب الأمة نتشارك فيها بدرجات مختلفة على حسب ذنوبنا، فهل تعلم بأن كل معصية ترتكبها هي بحجم أمة؟!
إن تفاعل محلول الإخلاص الصادق والعزيمة القوية وصفاء النفس من المعاصي في مختبر السنة النبوية الصحيحة سينتج عن ذلك التفاعل جيل النصر المنشود، والذين يرتقي في طليعتهم القائد الذي سينحت اسمه على الصخرة المشرفة في القدس الشريف أمام اسم عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي، فلكل مرحلة قائدها، مضى عمر بن الخطاب فاتحًا وعاد صلاح الدين محررًا، فمن سيعيد للأمة مجدها ويزين لها رونقها ويرفع لها ذكرها في أعالي الأمم؟
حاول أن تعيش أنت نفسك دور ذلك القائد، إن كنت تبحث عن صلاح الدين كنت أنت صلاح الدين بإخلاصك وصدقك وعزيمتك وعملك وتجردك عن الدنيا ومتاعها؛ لعل الله يرى فيك مواصفات الفاتح القادم فيصطفيك في طليعة الأمة لتقودها إلى المجد، ولك في قول الإمام علي رضي الله عنه: ميدانكم الأول أنفسكم، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإن خذلتم فيها كنتم على غيرها أعجز، فجربوا معها الكفاح أولاً.
عش دور المحرر بابتعادك عن الذنوب، بتحركك الدائم في سبيل عز الإسلام ونصرته، سيجعلك ذلك دائم البحث عن الحلول لقضايا الأمة، ولعل أول مشكل من مشاكل أمتنا هي أنفسنا، فلو انشغل كل واحد منا بإصلاح نفسه وتصفية قلبه من الخطايا لما أخّر الله عنا النصر كل هذه السنين، اجعل أكلك إسلامًا ولباسك إسلامًا وتحركك إسلامًا وتنفسك إسلامًا وكلامك إسلامًا وبصرك إسلامًا، وكن أنت إسلامًا.
تجرد واستبدل ما يكتسيه جسدك من وبر المعاصي بحرير التقوى، حافظ على الصلاة في جماعة، احفظ القرآن وركز في فهم معانيه، فوالله لن يجتاز بالأمة بحر الأسى إلا قلوب زانها القرآن، لا تكثر المزاح فإن القلب الموصول بالله ساكن وقور، عش المأساة حتى تشعر بهول الكيد على الإسلام، لا تشتغل بالتوافه، ولك في قول الشيخ يوسف القرضاوي في قصيدته يا أمتي وجب الكفاح:
يا قوم إن الأمر جد *** قد مضى زمن المزاح
سموا الحقائق باسمهـا *** فالقوم أمرهم صراح
عش في أحضان المساجد، وارتشف من أنهار السنة، وقم الليل راجيًا أن يجعلك الله سببًا في إشراق فجر الإسلام من جديد، واجعل شعارك الدائم كيف أنام والإسلام في خطر.
إن فلسطين جزء من الدين، وسوريا جزء من الدين، وكل بلد هتفت بلا إله إلا الله محمد رسول الله هي جزء من الدين، وما أروع ما قاله شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي:
لا تسل عن عنصري عن نسبي *** إنه الإسـلام أمـي وأبـي
سأنتظركم عند أسوار القدس.
التعليقات
إرسال تعليقك