الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
يتحرَّج بعض الناس من الظهور بمظهر الجاهل الذي لا يعلم، فيُسْرع إلى الفتوى بغير علم؛ فيُضِلَّ الناسَ بفتواه، ويَضِلُّ هو بذنبه الذي أصاب، وهذه مصيبة كثرت
يتحرَّج بعض الناس من الظهور بمظهر الجاهل الذي لا يعلم، فيُسْرع إلى الفتوى بغير علم؛ فيُضِلَّ الناسَ بفتواه، ويَضِلُّ هو بذنبه الذي أصاب، وهذه مصيبة كثرت في زماننا؛ فقد روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».
لذلك كان من السُّنَّة النبوية أن يمتنع المسلم عن الفتوى والإجابة إذا كان لا يعلم؛ وقد روى ابن ماجه -وقال الألباني: حسن- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا غَيْرَ ثَبَتٍ، فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ». وفي لفظ أبي داود -وقال الألباني: حسن-: «مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ».
ولم يكن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نفسُه يتحرَّج أن يقول: لا أدري إن كان لا يدري؛ فقد روى أحمد -وقال الألباني: صحيح- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: فَقَالَ: «لَا أَدْرِي». فَلَمَّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ؛ أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟» قَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ. فَانْطَلَقَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ سَأَلْتَنِي: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: أَسْوَاقُهَا.
وكذلك كان يفعل الصحابة، ومنهم حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ فقد روى البخاري عن طَاوُسٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلاَ أَدْرِي.
وكذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ فقد روى البخاري عَنْه أنه قال: مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّ مِنَ العِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ: لاَ أَعْلَمُ. فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ} [ص:86].
فلتكن هذه هي عادتنا، ولنعلم أن إجابتنا لأسئلة بلا أعلم أفضل لهم ولنا من الفتوى بغير علم، وليس هذا في مجال الدِّين فقط؛ بل في كل أمور الحياة.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
هذا المقال من كتاب إحياء 354 سنة للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك