ملخص المقال
"إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنًا، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ"، هذه شهادة رسول الله ﷺ وخيرته من خلقة لأبي عبيدة بن
«إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنًا، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ»[1]، هذه شهادة رسول الله ﷺ وخيرته من خلقة لأبي عبيدة بن الجراح فأنعم بها من شهادة، فمن هو أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
نسبه وكنيته:
هو أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي رضي الله عنه، أبو عبيدة، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده، وأمه أميمة بنت غنم[2]، ولد سنة 40 قبل الهجرة، 584م. وكان رجلاً نَحِيفًا مَعْرُوقَ الوجه، خَفِيفَ اللِّحْيَةِ، طُوَالًا، أَحَنَى أَثْرَمَ الثَّنِيَّتَيْنِ[3].
وبالرغم أن المصادر التاريخية لم تذكر شيئًا كثيرًا عن حياة أبي عبيدة قبل الإسلام أو عن أسرته برغم كونه قرشيًّا، إلا أنَّ ذلك ربما يشير أنَّ حياة ذلك الصحابي الحقيقية ربما بدأت مع إسلامه؛ فقد سارع أبو عبيدة رضي الله عنه للإسلام في أيامه الأولى ليكون من السابقين الأولين.
قصة إسلام أبو عبيدة بن الجراح:
كان أبو عبيدة رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام، فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر رضي الله عنه، وكان إسلامه على يدي الصديق نفسه، فمضى به وبعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالأرقم بن أبي الأرقم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعلنوا بين يديه كلمة الحق، فكانوا القواعد الأولى التي أقيم عليها صرح الإسلام العظيم[4].
من مناقب أبي عبيدة بن الجراح:
هو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهاجر الهجرتين وشهد بدراً وما بعدها وهو الذي انتزع حلقتي المغفر من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنيتاه بسبب ذلك وثبت يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انهزم الناس.[5]
كان النبي صلى الله عليه وسلم يُثني عليه، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعمَ الرَّجلُ أبو بَكْرٍ، نِعمَ الرَّجلُ عمرُ، نِعمَ الرَّجلُ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ، نِعمَ الرَّجلُ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، نِعمَ الرَّجلُ ثابتُ بنُ قَيسِ بنِ شمَّاسٍ، نِعمَ الرَّجلُ معاذُ بنُ جبلٍ، نِعمَ الرَّجلُ معاذُ بنُ عمرِو بنِ الجموحِ».[6]
وعن عبد الله بن شقيق قال: قلتُ لعائشةَ أيُّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ أحبَّ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالت أبو بَكْرٍ قلتُ ثمَّ مَن قالَت عمرُ قلتُ ثمَّ من قالت ثمَّ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ قال قلتُ ثمَّ من قال فسَكَتَت.[7]
أثر الرسول في تربية أبي عبيدة بن الجراح:
من هذه المواقف التي تدل على مدى تأثره بتربية النبي صلى الله عليه وسلم له:
في السنة الثامنة للهجرة بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى ذَاتِ السَّلَاسِلِ مِنْ مَشَارِفِ الشَّامِ فِي بَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ قُضَاعَةَ -قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: بَنُو بَلِيٍّ أَخْوَالُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ- فَلَمَّا صَارَ إِلَى هُنَاكَ خَافَ مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّهِ، فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِدُّهُ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَانْتَدَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ سَرَاةِ الْمُهَاجِرِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ . قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عَمْرٍو قَالَ: أَنَا أَمِيرُكُمْ، وَأَنَا أَرْسَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَمِدُّهُ بِكُمْ. فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: بَلْ أَنْتَ أَمِيرُ أَصْحَابِكَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيرُ الْمُهَاجِرِينَ.
فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّمَا أَنْتُمْ مَدَدٌ أُمْدِدْتُهُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الْخُلُقِ لَيِّنَ الشِّيمَةِ، قَالَ: تَعَلَّمْ يَا عَمْرُو أَنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: إِذَا قَدِمْتَ عَلَى صَاحِبِكَ فَتَطَاوَعَا وَإِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَنِي لَأُطِيعَنَّكَ. فَسَلَّمَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْإِمَارَةَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ[8].
ومن أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته هذا الموقف البارع؛ فعن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة رضي الله عنه يحيد عنه، فلما أكثر الجرَّاح قصده أبو عبيدة فقتله؛ فأنزل الله فيه هذه الآية: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة:22][9].
وما كان لأبي عبيدة رضي الله عنه أن يعزم هذه العزمة إلا بروح من الله، تنفض عن قلبه الطاهر السليم كل عَرَضٍ من أعراض الدنيا الفانية، وتجرده من كل رابطة وآصرة إلا رابطة العقيدة.
أهم ملامح شخصية أبي عبيدة بن الجراح:
كان أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قائدًا أمينًا، روى البخاري بسنده عن حذيفة رضي الله عنه قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه. قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيًّا فلاعنَّا، لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلاً أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا. فقال: «لَأَبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا أمِينًا حَقَّ أمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أصْحَابُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: «قُمْ يا أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ»، فَلَمَّا قامَ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هذا أمِينُ هذِه الأُمَّةِ».[10]
وكان رضي الله عنه محبًا ومدافعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسل، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول: لما كان يوم أُحد ورُمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه حتى دخلت في وجنتيه حلقتان من المغفر، فأقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنسان قد أقبل من قِبل المشرق يطير طيرانًا، فقلت: اللهم اجعله طاعة حتى توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قد بدرني، فقال: "أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَّا تَرَكْتَنِي فَأَنْزِعَهُ مِنْ وَجْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". قال أبو بكر رضي الله عنه: فتركته. فأخذ أبو عبيدة بثنية إحدى حلقتي المغفر فنزعها وسقط على ظهره، وسقطت ثنيَّة أبي عبيدة رضي الله عنه، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيَّةٍ أخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم.
وكان رضي الله عنه موصوفًا بحسن الخلق وبالحلم الزائد والتواضع، قَالَ عُمَرُ لِجُلَسَائِهِ: تَمَنَّوْا. فَتَمَنَّوْا، فَقَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي أَتَمَنَّى بَيْتًا مُمْتَلِئًا رِجَالًا مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ.
وكان رضي الله عنه من القادة الذين يستشيرون رجالهم في كل خطوة يخطونها، وعندما تحتشد الروم لاستعادة أرض الشام استشار أصحابه، فأشار عليه الأكثرية بقبول الحصار في حمص، أما خالد فأشار عليه بالهجوم على جموع الروم، ولكن أبا عبيدة أخذ برأي الأكثرية.
أبو عبيدة بن الجراح وأبو بكر الصديق:
بعث أبو بكر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه هلُمَّ حتى أستخلفك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لكل أمة أمينًا، وأنت أمين هذه الأمة". فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: ما كنت لأتقدم رَجُلاً أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤُمَّنا.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة: "قد رضيت لكم أحد هذيْن الرجلين"، يعني عُمر وأبا عبيدة.
أبو عبيدة بن الجراح وعمر بن الخطاب:
كان عمر رضي الله عنه يقول: "لم أكن مغيرًا أمرًا قضاه أبو عبيدة".[11]
وأول كتاب كتبه عمر رضي الله عنه حين وَلِي كان إلى أبي عبيدة يوليه على جند خالد رضي الله عنه، إذ قال له: "أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي يَبْقَى وَيَفْنَى مَا سِوَاهُ، الَّذِي هَدَانَا مِنَ الضَّلالَةِ، وَأَخْرَجَنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَقَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى جُنْدِ خالد ابن الْوَلِيدِ، فَقُمْ بِأَمْرِهِمُ الَّذِي يَحِقُّ عَلَيْكَ، لا تُقَدِّمِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى هَلَكَةٍ رَجَاءَ غَنِيمَةٍ، وَلا تُنْزِلْهُمْ مَنْزِلا قَبْلَ أَنْ تَسْتَرِيدَهُ لَهُمْ، وَتَعْلَمَ كَيْفَ مَأْتَاهُ، وَلا تَبْعَثْ سَرِيَّةً إِلا فِي كَثْفٍ مِنَ النَّاسِ، وَإِيَّاكَ وَإِلْقَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْهَلَكَةِ، وَقَدْ أَبْلاكَ اللَّهُ بِي وَأَبْلانِي بِكَ، فَغَمِّضْ بَصَرَكَ عَنِ الدُّنْيَا، وَأَلْهِ قَلْبَكَ عَنْهَا، وإياك ان تهلك كَمَا أَهْلَكَتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَقَدْ رَأَيْتَ مصارعهم".[12]
أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد:
لَمَّا عزل عمر خالدًا رضي الله عنهما وولّى أبا عبيدة رضي الله عنه، قام خالد رضي الله عنه وقال للناس: "بُعِثَ عَلَيْكُمْ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةَ". وقال أبو عبيدة رضي الله عنه للناس عن خالد رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خَالِدٌ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنِعْمَ فَتَى الْعَشِيرَةِ».[13]
من كلمات أبي عبيدة بن الجراح:
- قال يوم السقيفة: "يا معشر الأنصار، إنكم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدل وغيَّر".
- ومن أهم كلماته في إثارة حماسة جنده للحرب وتحريضهم على الجهاد مقولته تلك: "عباد الله، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. عباد الله اصبروا؛ فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، لا تتركوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدءوهم بقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق (أي الدروع)، والزموا الصمت إلا من ذكر الله عز وجل في أنفسكم حتى يتم أمركم إن شاء الله".
وفاة أبي عبيدة بن الجراح:
كانت وفاته رضي الله عنه شهادة في سبيل الله، فقد مات في الطاعون الذي حصل بأرض الشام زمن الفاروق رضي الله عنه، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من كانت وفاته بسبب هذا الداء فإنه شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد وقد جمع الله لأبي عبيدة بين هذين الوصفين. فقد روى الإمام مسلم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟» قالوا: يا رَسولَ اللهِ، مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ: «إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقَلِيلٌ»، قالوا: فمَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: «مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في الطَّاعُونِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في البَطْنِ فَهو شَهِيدٌ»، قالَ ابنُ مِقْسَمٍ: أشْهَدُ علَى أبِيكَ في هذا الحَديثِ أنَّه قالَ: والْغَرِيقُ شَهِيدٌ[14]، وهذه الموتات إنما كانت شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها.[15]
وقد اتفق العلماء على أن أبا عبيدة مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة.[16]
ولما دفن رضي الله عنه خطب الناس معاذ بن جبل خطبة بين فيها الكثير من فضائل أبي عبيدة. وقد ذكر أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي سعيد المقبري قال: لما طعن أبو عبيدة قال: يا معاذ صل فصلى معاذ بالناس ثم مات أبو عبيدة بن الجراح فقام معاذ في الناس فقال: يا أيها الناس توبوا إلى الله من ذنوبكم توبة نصوحاً فإن عبداً لله يلقى الله تائباً من ذنبه إلا كان حقاً على الله أن يغفر له ثم قال: إنكم أيها الناس قد فجعتم برجل والله ما أزعم أني رأيت من عباد الله عبداً قط أقل غمزاً ولا أبر صدراً ولا أبعد غائلة ولا أشد حباً للعاقبة ولا أنصح للعامة منه فترحموا عليه رحمه الله ثم أصحروا للصلاة عليه فوالله لا يلي عليكم مثله أبداً فاجتمع الناس وأخرج أبو عبيدة وتقدم معاذ فصلى عليه حتى إذا أتي به قبره دخل قبره معاذ بن جبل وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس فلما وضعوه في لحده وخرجوا فشنوا عليه التراب فقال معاذ بن جبل: يا أبا عبيدة لأثنين عليك ولا أقول باطلا أخاف أن يلحقني بها من الله مقت كنت والله ما علمت من الذاكرين الله كثيراً ومن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ومن الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً وكنت والله من المخبتين المتواضعين الذين يرحمون اليتيم والمسكين ويبغضون الخائنين المتكبرين.[17]
فهذا الثناء من معاذ رضي الله عنه كله تضمن بيان فضائل لأبي عبيدة بن الجراح ذلك هو أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وتلك طائفة من مناقبه التي دلت على أنه جليل القدر رفيع المنزلة رضي الله عنه وأرضاه.[18] [19]
[1] أخرجه البخاري (4382)، ومسلم (2419) باختلاف يسير.
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد (3/409)، المستدرك للحاكم (3/262)، الاستيعاب لابن عبد البر على حاشية الإصابة (3/2)، الرياض النضرة في مناقب العشرة (4/301)، الإصابة (2/243).
[3] الطبقات لابن سعد.
[4] المستدرك (3/266)، الإصابة (2/243).
[5] المستدرك (3/266)، الإصابة (2/243).
[6] رواه الترمذي (3795). وقال: هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث سهيل، وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (25/469): محفوظ، وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/99): إسناده صحيح، وقال ابن كثير في البداية والنهاية (5/296): إسناده على شرط مسلم، وحسنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح (5/482) كما أشار إلى ذلك في مقدمته، وقال المناوي في تخريج أحاديث المصابيح (5/340): رجاله رجال الصحيحين إلا سهيل بن أبي صالح فإن البخاري روى له مقروناً.
[7] صحيح الترمذي: (3657).
[8] ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ هَاهُنَا قَبْلَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
[9] رواه الطبراني والحاكم والبيهقي.
[10] رواه البخاري: (7254).
[11] تاريخ الطبري: (ج: 3، ص: 434).
[12] تاريخ الطبري: (ج: 3، ص: 434).
[13] رواه أحمد.
[14] رواه مسلم: (1915).
[15] انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (13/63).
[16] الاستيعاب على حاشية الإصابة (3/3)، الإصابة (2/245).
[17] المستدرك: (3/295).
[18] عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم لناصر بن علي عائض – 1/311.
[19] للمزيد انظر: ابن سعد الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ= 1990م، 3/ 312- 316، وابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ= 1992م، 4/ 1710، 1711، وابن الأثير: أسد الغابة، تحقيق: علي محمد معوض/ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415هـ= 1994م، 6/ 201، والذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق : مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 1/ 5- 23.
التعليقات
إرسال تعليقك