التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
النظام الضريبي وأثره على الحياة العامة عند البيزنطيين مقال لسهيل طقوش يحلل فيه النظام الضريبى الذي اتبعه البيزنطيون وأثره على ضعف الدولة وتراجع نفوذها
لعبت مجموعة من العوامل على إضعاف الدولة البيزنطيَّة والعمل على تراجع نفوذها على بلاد الشام في بداية الفتح الإسلامي، وقد تناول الكاتب في المقالين السابقين بالتحليل اثنين من هذه العوامل؛ الأوَّل منهما عامل المفاجأة والعامل الثاني هو التغيير الإداري الذي شهدته الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة عشيَّة الفتوحات الاسلامية, ويستكمل الكاتب في هذا المقال تحليله لهذه العوامل فيتناول بالتحليل النظام الضريبي وأثره على الحياة العامَّة عند البيزنطيين.
ثالثا: النظام الضريبي وأثره على الحياة العامَّة
تعود أسس النظام الضريبي في الدولة البيزنطية إلى أيَّام الإمبرطورَين دقلديانوس وقسطنطين، وكانت الضرائب المفروضة على المدن والقرى في بلاد الشام على نوعين: ضرائب نظاميَّة، وضرائب طارئة لمواجهة أوضاعٍ خاصَّة، وأهمُّ الضرائب النظامية اثنتان:
الأولى: ما يُفرض على الأرض وتُقدَّر بنسبة معيَّنة من قيمتها ثُمَّ قُدِّرت بنسبة (12.5%) من المحاصيل.
الثانية: ضريبة الرأس.
أمَّا الضرائب الطارئة فتُفرض في مناسباتٍ خاصَّة، وتُعدُّ أكثر إرهاقًا لطبقة الشعب من الضرائب النظاميَّة، مثل ضريبة الحرب في أيَّام الإمبراطور هادريان، وضريبة التاج، وضريبة الطعام لسدِّ الحاجات المتغيِّرة للحاميات وللإدارة الرومانية، وأُضيفت ضريبة الأرض إلى ضريبة الرأس في عهد قسطنطين فأضحى مجموع الوحدات التي تجمع بين الناس والأرض أساساً للتقدير، وهذا يعني ربط الإنسان بالأرض[1].
يبدو أنَّ هذا النظام الضريبي لم يعد يفي بسدِّ حاجات الدولة بسبب كثرة النفقات العسكريَّة الإداريَّة، وسبَّب عيوب النظام الإداري انتشار الفساد، وتفشِّي السرقة، وابتزاز الأموال، وأدَّى ذلك إلى الفقر والخراب، وأثار الاضطرابات الداخليَّة، وفقدان الأمن.
جستنيان وإصلاح النظام الضريبي البيزنطي
ما حدث في الإمبراطورية بعد ذلك من مشكلاتٍ اجتماعيَّة وتراجع الزراعة بفعل الحروب المستمرَّة في الخارج والثورات الداخليَّة، دفع بالإمبراطور جستنيان إلى حلِّ المشكلات الماليَّة من خلال إصلاح النظام الضريبي، ففرض على رعاياه أن يدفعوا كلَّ ما للحكومة من ضرائب، وأمر بمسح الأرض، وقسَّمها إلى وحداتٍ متساويةٍ في قيمة الإنتاج بغضِّ النظر عن مساحتها، تدفع كلُّ وحدةٍ منها ضريبةً ثابتة، ثُمَّ أحصى السكان في القرى وفرض عليهم ضريبة الرأس، وتحدَّدت قيمة الضريبة في بلاد الشام على الذكور من 14 إلى 65 عامًا وعلى الإناث من 12 إلى 65 عامًا[2].
حصل المالكون الكبار على حقِّ جباية الضرائب المستحقَّة على ضياعهم ودفعها إلى الخزينة المركزيَّة مباشرةً ممَّا جعل سلطة الجباة عليهم منعدمة، وكلَّف المجلس البلديِّ في كلِّ قريةٍ بجمع الضرائب من القرى التابعة للمدينة وتوزيعها، ولقد أسهم سكَّان القرية في دفع الضرائب.
نتائج الإصلاح الضريبي لجستنيان
نتج عن هذا النظام أن تحمَّل الفلاحون والمزارعون العبء الأكبر من الضريبة، ورُبطوا هم وأسرهم بالأرض التي سُجِّلوا عليها؛ ذلك بهدف تيسير جمع الضرائب، ولضمان زراعة الأرض. كما أنَّ سوء الجباية وتعسُّف الجباة دفع صغار المالكين إلى طلب حماية كبار المالكين؛ ليتولوا مسئوليَّة دفع الضرائب عنهم مقابل تنازلهم لهم عن أملاكهم، فأصبحوا بذلك مزارعين مرتبطين بالأرض، وعمد المالكون الكبار من جهتهم إلى مضايقة المالكين الصغار ودَفْعِهم إلى طلب حمايتهم بهدف توسيع ملكيَّاتهم، ومع أنَّ السلطات الإمبراطوريَّة لم تكن تُشجِّع الحماية وحاولت الحدَّ منها فإنَّها اعترفت بها في أوائل القرن الخامس الميلادي أمرًا واقعًا وحلًّا لمشكلة الضائقة الاقتصاديَّة[3].
نماذج من الظلم الاجتماعي فى النظام الضريبي البيزنطي
من الأمثلة التي يسوقها المؤرِّخون المتعلِّقة بالظلم الاجتماعي في بلاد الشام المرتبط أساسًا بالنظام المالي أنَّ أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه استعمل حبيب بن مسلمة رضي الله عنه على خراج حمص بعد أن فتحها المسلمون بموجب الصلح الذي عُقد بين الطرفين، وكان من أهمِّ بنوده أن منح الأمان لأهل المدينة مقابل "سبعين ألف دينار عاجلة، وعلى أداء الجزية عن كلِّ محتلمٍ في كلِّ سنةٍ أربعة دنانير"[4].
عندما اضطر المسلمون للجلاء عن حمص قبل معركة اليرموك طلب أبو عبيدة رضي الله عنه من عامله على الخراج أن يُعيد ما كان قد أخذه من أهل حمص إليهم: "فإنه لا ينبغي لنا إذا لم نمنعهم أن نأخذ منهم شيئًا[5]".
اجتمع حبيب بن مسلمة رضي الله عنه بأهل حمص وردَّ عليهم ما لهم، فقالوا له: "ردكم الله إلينا، ولعن الذين كانوا يملكوننا من الروم، ولكنَّ والله لو كانوا هم ما ردُّوا علينا بل غصبونا وأخذوا ما قدروا عليه من أموالنا، لَوِلايتكم وعدلكم أحبُّ إلينا ممَّا كنَّا فيه من الظلم والغشم، ولندفعنَّ جند هرقل عن المدينة مع عاملكم"[6].
المصدر: كتاب تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية.
__________
[1]الدوري، عبد العزيز: تنظيمات عمر بن الخطاب الضرائب في بلاد الشام: ص457،
458، بُحيث قُدِّم في المؤتمر الدُولي الرابع لتاريخ بلاد الشام.
[2] البلاذري: ص136، وابن أعثم: ج1 ص171.
[3] المرجع نفسه: ص458، 459.
[4] الدوري: ص458.
[5] الأزدي: فتوح الشام: ص155.
[6] مونتغمري، فيلد مارشال: الحرب عبر التاريخ: ص194- 202.
التعليقات
إرسال تعليقك