التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
في هذا المقال يحلل الدكتور سهيل طقوش ملابسات حوادث ووقائع بني تميم التي حدثت عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من رِدَّة، وادِّعاء للنبوَّة، ومن
شهدت بني تميم عقب وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم عدَّة ملابسات وأحداث واضطرابات منها ما تعلَّق بالجانب العقائدي والديني، ومنها ما تعلَّق بالجانب السياسي، ممَّا دفع أبو بكر الصديق لإرسال الجيوش للقضاء على الفتنة الواقعة بها.
أوضاع بني تميم
انقسم بنو تميم على أنفسهم بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم نتيجة عاملين:
ديـنـي يتعلَّق بامتناع فئةٍ من التميميين عن دفع الزكاة.
وسياسي يتعلَّق بظهور مدَّعية النبوَّة سجاح، والأثر الذي تركته على أوضاع القبيلة من واقع محاولة مالك بن نويرة استغلالها لصالحه ضدَّ خصومه في القبيلة.
ففيما يتعلَّق بالعامل الأوَّل؛ فقد كان ردُّ فعل الذين كلَّفهم النبيُّ بجمع الزكاة -أي العمَّال- ردَّ غير المستيقن من خبر وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويتمُّ إثبات الشكوك والمؤامرات التي صدرت عن ولاة الأمور المتنافسين في ما رواه الطبري: "فكان الزبرقان بن بدر على الرباب وعوف والأبناء، وقيس بن عاصم على مقاعس والبطون، وصفوان بن صفوان وسبرة بن عمرو علي بني عمرو، هذا على بهدَى، وهذا على خضم... ووكيع بن مالك ومالك بن نويرة على بني حنظلة، هذا على بني مالك، وهذا على بني يربوع. فضرب صفوان إلى أبي بكر حين وقع إليه الخبر بموت النبيِّ صلى الله عليه وسلم بصدقات بني عمرو، وما ولي منها وبما ولي سبرة، وأقام سبرة في قومه لحدث إن ناب القوم، وقد أطرق قيس ينظر ما الزبرقان صانع، وكان الزبرقان متعتبًا عليه وقلَّما جادله إلَّا مزَّقه الزبرقان بخطوته وجدِّه، وقد قال قيس وهو ينتظر لينظر ما يصنع ليُخالفه حين أبطأ عليه: وا ويلنا من ابن العُكْليَّة! والله لقد مزَّقني فما أدري ما أصنع! لئن أنا تابعت أبا بكر وأتيته بالصدقة لينحرنَّها في بني سعد فليسودني فيهم، ولئن نحرتها في بني سعد ليأتينَّ أبا بكر فليسودني عنده، فعزم قيس على قسمها في المقاعس والبطون، ففعل وعزم الزبرقان على الوفاء، فاتبع صفوان بصدقات الرباب وعوف الأبناء حتى قدم بها المدينة... وتحلَّل الأحياء ونشب الشر وتشاغلوا وشغل بعضهم بعضًا، ثُمَّ ندم قيسٌ بعد ذلك..."[1].
امتناع بني تميم عن دفع الزكاة
من غير المجدي أن نُحدِّد من كان يُؤدِّي الزكاة ومن كان يمنعها، إلَّا إنَّه من الثابت أنَّ بعض زعماء بني تميم كانوا متردِّدين، وأرادوا التربُّص والانتظار ليروا مدى ثبات أبي بكرٍ رضي الله عنه في وجه المشكلات التي كان يُواجهها، أمَّا الاستثناء الوحيد فقد شكَّله مالك بن نويرة الذي ظلَّ على رفضه أداء الأموال حتى وصول خالد، فانكشف أمام المسلمين من وجهين. وهنا يتداخل العاملان الديني والسياسي؛ إذ كان قد انضمَّ إلى سجاح وأنَّه امتنع عن إرسال الزكاة إلى المدينة، ويُعدُّ هذا التصرف منه أحد مظاهر الاحتجاج على موقفه من خلافة أبي بكرٍ رضي الله عنه، كما أنَّ علاقته بسجاح تُشجِّع على هذا الاعتقاد، على الرغم من أنَّه رفض عرضها للتحالف ضدَّ المدينة وكفَّها عن مهاجمتها، غير أنَّ هذا الموقف لم يُعفه من دفع الثمن باهظًا من دون الالتفات إلى العوامل التي قد تُسقط العقاب أو بعضًا منه تجاه الجماعات الأخرى خاصَّةً أنَّ هؤلاء كانوا أقرب إلى الاحتجاج في موقفهم منه إلى الثورة أو الارتداد[2].
زحف خالد باتجاه بطاح بني تميم
بعد أن انتهى خالد من القضاء على حركة الرِدَّة في الشمال الشرقي للجزيرة العربية، سار إلى بطاح بني تميم في شهر (شعبان 11هـ=أكتوبر 632م)، ولا تتحدَّث المصادر عن اشتباكات كبيرة، لكنَّ الحملة -التي أثارت حفيظة بعض المسلمين، وعرَّضت خالدًا للنقد الغليظ- انتهت بقتل مالك بن نويرة.
الواقع أنَّ خالدًا استغلَّ ما حدث في بني تميم من الانقسام لإخضاع التميميين، وبفعل أنَّه خرج من المدينة لإخضاع المرتدين والقضاء على ثورات القبائل، ولم تكن معركة البزاخة سوى الخطوة الأولى ولا يجوز الوقوف عندها، ثُمَّ إنَّه لم يشأ أن يتمسَّك بسياسته وقيادة جيشه عند حرفيَّة النص في حال وجوده خاصَّةً أنَّ الاتصالات مع المدينة كانت بطيئةً نظرًا إلى طبيعة المواصلات في البادية ممَّا يضيِّع عليه كثيرًا من الفرص، ثُمَّ إنَّ إخضاع التميميين من شأنه أن يُطهِّر المنطقة من وجود المرتدِّين وبالتالي يحمي مؤخرة جيشه من خطر الاعتداء عليها، ويُعطيه فرصةً للتفرُّغ لأهل اليمامة وهو مطمئن؛ لذلك قرَّر الزحف نحو بطاح بني تميم لإخضاع المرتدِّين.
تتباين روايات المصادر حول هذه المبادرة؛ أكانت شخصية محضة اتَّخذها خالد من واقع مهمَّته بإخضاعه المرتدين، أم بتوجيهٍ من الخليفة[3]؟ ويجد الباحث نفسه أمام ثلاثة احتمالات:
الأوَّل: إذا كان ثمَّة مجرد أمرٍ شاملٍ موجَّهٍ إلى خالد، فهذا يُمكن أن يعني أنَّ الأنصار الذين اعترضوا على زحف خالد باتجاه البطاح لم يكونوا على علمٍ بوضع بني تميم، وكان خالدٌ خليقًا عندئذٍ أن يكون مكلَّفًا أن يسير بالجيش إلى مضاربهم ويُقرِّر ما سوف يفعله، فيُعاقب المرتدِّين ويدعو سائر السكان إلى الإسلام.
الثاني: أنَّ الأنصار بلغهم رفض أداء الزكاة من قِبَل بعض فروع بني تميم، وأنَّ الخليفة أرسل خالدًا ليذكِّر المتلكئين في تأدية واجبهم.
الثالث: أنَّه إذا لم يكن هناك أمرٌ شاملٌ موجَّهٌ ضدَّ بني تميم ولا أمرٌ خاصٌّ موجَّهٌ ضدَّ مالك بن نويرة؛ أي إذا كان خالد يُريد -بدافعٍ شخصي- أن يُغِير على بني تميم بحكم مجاورتهم لبني أسد، فسيكون من الممكن عندئذ أن نستنتج من ذلك أنَّ الأمر لم يبلغ مدًى بعيدًا في ما يتعلَّق بإسلام بني تميم ورِدَّتهم، وفي هذه الحالة يكون خالدًا خليقًا أن ينتهز الفرصة السَّانحة التي أُتيحت له، ويكون لقاؤه مع مالك بن نويرة من باب الصدفة[4].
المصدر: كتاب تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية.
ــــــــــــــــــ
[1] تاريخ الرسل والملوك: ج3 ص267، 268.
[2] بيضون: ص29.
[3] الطبري: ج3 ص253، 276، 277.
[4] كلير، كلاوس: خالد وعمر، بحث نقدي في مصادر التاريخ الإسلامي المبكر: ص159،160.
التعليقات
إرسال تعليقك