التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
إننا نتعبد لله عز وجل بحب عمر والصحابة، أي أننا مأجورون على هذا الحب، ولنا في ذلك أسباب: أهمها الحب في الله فضيلة عليها أجرها الجزيل من الله.
بعض الناس منزعج أو غير متفهِّم لموضوع سباب الشيعة لعمر وكراهيتهم له ولعامة الصحابة رضوان الله عليهم، والواقع أن فكرة الشيعة من أساسها قائمة على هذا المعنى، باستثناء الزيدية، وهي طائفة قليلة من الشيعة غالبهم في اليمن، وهؤلاء يترضَّون على الصحابة، ولكنهم يقولون بأفضلية علي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر وعثمان، وعلى جميع الصحابة، لكنهم يقولون بجواز ولاية المفضول على الفاضل، فلذا يجوِّزون إمامة الثلاثة ولا يطعنون فيهم.
أما بقية الشيعة الاثني عشرية وغيرهم فيدَّعون أن الصحابة "سرقوا" الإمامة من علي بن أبي طالب وأعطوها لأبي بكر ثم عمر ثم عثمان، ولذا فهم يلعنون الثلاثة، ويلعنون جمهور الصحابة الذين اجتمعوا على ذلك، ومن ثم لا يقبلون دينًا أتى عن طريقهم، وكذا لا يقبلون بالكتب التي نقلت آثارهم كالبخاري ومسلم وغيرهما.
والواقع أننا نتعبَّد إلى اللهَ عز وجل بحبِّ عمر والصحابة، أي أننا مأجورون على هذا الحب، ولنا في ذلك أسباب: وبادئ ذي بدء الحب في الله فضيلة عليها أجرها الجزيل من الله، بل هي من الأمور التي وُصِف لها أجر خاصٌّ:
روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، وَحَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا»[1].
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي»[2].
عمر له خصوصية:
أولًا: لأن الله يحبه:
الموافقات التي ذكرناها دليل كبير على حبِّ الله له، ويضاف إليها: ما رواه الترمذي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالرُّؤْيَا، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا حَقٍّ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى وَأَمَدُّ صَوْتًا مِنْكَ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا قِيلَ لَكَ، وَلْيُنَادِ بِذَلِكَ»، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ نِدَاءَ بِلَالٍ بِالصَّلَاةِ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَجُرُّ إِزَارَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِلَّهِ الحَمْدُ، فَذَلِكَ أَثْبَتُ»[3].
ثانيًا: لحبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم له، والمقدَّم على غيره تصريحًا:
روى البخاري عن عَمْرُو بْنُ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: "أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أَبُوهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ» فَعَدَّ رِجَالًا![4].
ثالثًا: نحبه لنحشر معه:
روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟». قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ أَنَسٌ: «فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ»[5].
نأخذ من كلام أنس:
أولًا: درجة أبي بكر وعمر لا تشبهها درجات الناس، إنما تشبهها درجات الأنبياء، ثانيًا: ارتفاع قدر الصحابيين بشكل فارق عن درجات بقية الصحابة، ثالثًا: حب أبي بكر وعمر فضيلة بارزة، رابعًا: تواضع أنس.
رابعًا: نحبه لأنه أفضل الناس بعد الأنبياء:
كلام علي بن أبي طالب يرد على الشيعة:
روى ابن ماجه وهو صحيح أن عَلِيًّا، قال: «خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَخَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ»[6].
وروى الترمذي وهو صحيح عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ»[7]، والكهل بين الثلاثين والخمسين، وقيل هذا باعتبار سِّنهما في الدنيا، وإلا فكل أهل الجنة في سنِّ الشباب[8].
وروى الترمذي أيضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ»[9].
خامسًا: نحبه لأنه من أهل الجنة:
روى البخاري عن أبي موسى الأشعري: فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ البَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ؟ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»[10].
سادسًا: نحبه لغيرته على المسلمين:
كانت عنده غيرة عظيمة على أهله والمسلمين
روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ، امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ (أم سُلَيْم بنت ملحان، وهي أم أنس بن مالك)، وَسَمِعْتُ خَشَفَةً (حركة)، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلاَلٌ، وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ"، فَقَالَ عُمَرُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ[11].
في الحديث غيرة عمر المتميِّزة المعروفة، وفيه أيضًا منقبة هؤلاء الصحابة الثلاثة الذين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخصُّهم في الجنة في الإسراء والمعراج.
سابعًا: نحبه لجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده:
يلخص ذلك عبد الله بن مسعود فيقول: إنّ إسْلَامَ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ فَتْحًا، وَإِنّ هِجْرَتَهُ كَانَتْ نَصْرًا، وَإِنّ إمَارَتَهُ كَانَتْ رَحْمَةً، وَاللهِ مَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نُصَلِّيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ظَاهِرِينَ حَتّى أَسْلَمَ عُمَرُ.
ثامنًا: نحبه لآثاره الممتدة حتى الآن، والفضل يُحْفَظ لأولي الفضل:
وأقل ما نقول عن هذه الأثار تلك الفتوح التي حدثت في زمانه، والتي نتج عنها مسلمون لعمر الفضل عليهم، ونحن منهم، وكذا الأحكام الفقهية، والاجتهادات الشرعية.
تاسعًا: نحبه لوقاية الأمة من الفتن في زمانه
وذلك لأن حب الصالحين فضيلة كبيرة تدلُّ على عمق الإيمان، روى البخاري عن أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ»[12].
ويقول الشافعي:
أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم ... لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَة
وَأَكرَهُ مَن تِجارَتُهُ المَعاصي ... وَلَو كُنّا سَواءً في البِضاعَة
فرد عليه ابن حنبل:
تُحِبُّ الصَّـالِحِينَ وأَنْتَ مِنْهُم ... رَفـِيقُ القَوْمِ يَلْحَقُ بِالْجَمَاعَة
وَتَكْـرَهُ مَنْ بِضـَاعَتُه المَعَاصِي ... حَمَاكَ اللهُ مِنْ تِـلْكَ البِضَاعَة[13].
[1] البخاري: كتاب الأدب، باب الحب في الله (5694).
[2] مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب في فضل الحب في الله (2566).
[3] الترمذي: كتاب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، باب ما جاء في بدء الأذان (189).
[4] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه و سلم ( لو كنت متخذا خليلا ) (3462).
[5] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه (3485).
[6] ابن ماجه: باب فضل عمر رضي الله عنه (106)، قال الألباني: صحيح.
[7] الترمذي: كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كليهما (3665).
[8] في الترمذي عن معاذ بن جبل: "أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً".
[9] الترمذي: كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام (3781).
[10] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلًا (3471).
[11] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه (3476).
[12] البخاري: كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار (17).
[13] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: لماذا نحب عمر؟
التعليقات
إرسال تعليقك