التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
قوة إيمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعلت له قوة ظاهرة خاصة أنها مصحوبة بقوة بدنية.
القوة صفة عظيمة من صفات المؤمن:
روى مسلم عَنْ أَبِي هريرة، قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»[1]، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلَّم عن القوة النفسية كذلك (عدم العجز).
قوة إيمان عمر جعلت له قوة ظاهرة خاصة أنها مصحوبة بقوة بدنية: فكان طويلًا كأنه راكب والناس سائرون، روى أحمد عَنْ عمر بن الخطاب، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "يَا عُمَرُ، إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ"[2].
وروى الترمذي وهو صحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ»[3].
قوة عمر لها آثار ممتدَّة:
روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَأَيْتُ (في المنام) النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ»[4].
وفي البخاري أيضًا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا، جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، فَنَزَعَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ»[5].
ذنوبا: الدلو الممتلئ ماء.
غربا: هو الدلو الكبير يسقى به البعير وهو أكبر من الذنوب وتفسير هذا ما حصل من طول خلافته وما كان فيها من فتح وخير.
عبقريا: هو الحاذق في عمله وعبقري قومه سيدهم.
يفري فري: يعمل عملًا مصلحًا وجيدًا مثله ويقوى قوته، ضرب الناس بعطن أي رويت الأبل وذهبت على أماكنها التي تذهب إليها بعد الري.
ولهذه القوة روى البخاري قَالَ عَبْدُ اللَّهِ «مَازِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ»[6]، وروى أحمد وغيره عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ؛ بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ"، فَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَى اللهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه[7]، والجامع لهما هنا القوة واتِّساع التأثير.
القوة جعلته مشاركًا في كلِّ الغزوات، من بدر إلى تبوك
ولكن ندرك عظمته الحقيقية في المواطن الصعبة التي تعرَّض فيها المسلمون لأزمات كبيرة؛ كغزوتي أحد وحنين.
القوة جعلته لا يقبل أن يعود أبو سفيان بالراحة النفسية بعد غزوة أحد:
في صحيح البخاري عن البراء بن عازب: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ الخَطَّابِ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاَءِ، فَقَدْ قُتِلُوا، فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكَ، قَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي القَوْمِ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ "، قَالَ: إِنَّ لَنَا العُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ؟»، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا، وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ»[8].
وفي رواية حسنة عند أحمد: "فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، الْأَيَّامُ دُوَلٌ، وَإِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: لَا سَوَاءً، قَتْلانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلاكُمْ فِي النَّارِ"[9].
كان نهي الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يُكْتَشَف مكانهم بعد المعركة، ورأى أبو سفيان أن هؤلاء الثلاثة هم عماد الدولة المسلمة آنذاك، وعندما استنبط أنهم قُتِلوا لعدم ردِّهم عاد بمعنويات مرتفعة، وهذا جعل عمر يردُّ عليه.
لم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على عمر ردَّه دلالة لإقراره على ذلك، ويبدو أن ذلك لتغيُّر الظرف، فصارت المصلحة أن يتكلَّم عمر أو أحد المسلمين ليكيد الكافرين، ويبدو رضا الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليمه للمسلمين الردود الأمثل على أبي سفيان.
في غزوة حنين:
كان الجيش 12 ألف، وفرَّ كله إلا مائة، أو ثمانين، أو اثني عشر فقط: "وَفِيمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أبو بكر وَعُمَرُ"[10].
لم يكن يرى هذه القوة في نفسه، وهذا من تواضعه:
عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ، أَنْ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّنِي، وَإِنِّي شَدِيدٌ فَلَيِّنِي، وَإِنِّي بَخِيلٌ فَسَخِّنِي»[11].
[1] مسلم: كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله (2664).
[2] أحمد (190)، وقال شعيب الأرناءوط: حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير الشيخ بمكة.
[3] الترمذي: كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب مناقب معاذ بن جبل و زيد بن ثابت وأبي و أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم (3790).
[4] البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (3434).
[5] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه و سلم ( لو كنت متخذا خليلا ) (3473)
[6] البخاري: باب الطيب للجمعة (3684).
[7] أحمد (5696).
[8] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه (2874).
[9] أحمد (2609)، شعيب الأرناءوط: إسناده حسن.
[10] ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية، 1375هـ= 1955م، 2/ 443.
[11] ابن أبي شيبة: الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409هـ،6/ 45، لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: قوة عمر رضي الله عنها
التعليقات
إرسال تعليقك