ملخص المقال
آفة ترويج الخمور بالبلدان العربية مقال بقلم د. إدريس الشنوفي، يبين فيه خطورة ترويج الخمور بالعالم العربي والتي تتنافى مع قيمنا ومبادئ حضارتنا
كثيرًا ما تصاعد الجدل بشأن بيع الخمر في بلدان عربية يجرم فيها القانون بيع الكحول للمسلمين, غير أنه يتعرض يوميًّا للانتهاك, فالأمر لم يقف عند النقط التي من المفترض أن يوجد بها مواطنون أو أجانب غير مسلمين، بل إن تسويق الخمور امتد إلى المتاجر الكبرى، والتي تعد من أبرز قنوات التوزيع المباشر للخمر، وهي تتنافس على اجتذاب زبائن جدد عن طريق تقديم عروض مغرية متنوعة الأثمان والأحجام..
والترويج لذلك عن طريق الإعلان في بعض الجرائد والمجلات أو توزيع الإعلانات، في الوقت الذي يمنع القانون في البلدان العربية الإعلان عن الخمور في التلفزيون والإذاعة ووسائل الاتصال العمومية, ناهيك عن الخمارات و"الكرابة" الذين ينتشرون في الأزقة والأحياء الشعبية كالفطر..
وهذا ما استدعى بعض التنظيمات المدنية إلى القيام بوقفات احتجاجية منددة بظاهرة تقريب الخمر أم الخبائث، في وقت ارتفع فيه مستوى الجريمة بشكل مخيف، وصار ملف بيع وترويج الخمور من أهم الملفات المطروحة على المؤسسات العلمية الدينية، كما يتجدد السجال السياسي حول تسليم رخص البيع والاعتماد على مداخيلها داخل البرلمانات العربية.
وهو ما يهدد المصالح الآنية الضيقة لمنتجي الخمور ومروجيها الذين ينهجون "سياسة الإغراق" بدافع الكسب لتقريب الخمور إلى كل الأحياء والعائلات والمؤسسات, كل هذا التخريب والتدمير للمجتمعات العربية ومبادئها وتقاليدها الأصيلة؛ لإرواء نهم حب المال لدى الرأسماليين الجشعين.
من هنا لا نعجب إذا سمعنا ورأينا في عالم يحكمه أرباب الشركات، أن سياسة نشر ثقافة تعاطي الخمور بدأت تحقق نجاحات كبرى على الصعيد العربي، خاصة إذا علمنا أن الإعلام التغريبي الذي يدبره حراس الإرث الاستعماري يقوم بدور كبير في ذلك، ثم بعض الناطقين الرسميين الذين يجيدون شعارات التسويق والدعاية وفن الإنشاء واستظهار محفوظات أصحاب المواثيق "الدولية"، ويتكفلون بصناعة العبارات اللغوية الرنانة والمستساغة عند التلقي من مثل: الحرية الفردية, والمبادئ الكونية, والحقوق الإنسانية, وقيم التسامح..
وهلم جرًّا مما علمهم أسيادهم وأشربوهم إياه "على الريق"، مآزرين في ذلك ببعض تجار الإعلام، والعمل على إقناع الآخر بهذا الطرح قسرًا وترهيبًا, في وقت لم يقنعوا حتى أنفسهم ومن هم مسئولون عنهم به، وجحدوا الحقيقة واستيقنتها أنفسهم لولاءات ومواقع ارتضوها ! ونسوا رضاء الله وعافية الناس وسلامة المجتمع.
اليوم، الحاجة ماسة إلى استفسار السلطات العمومية العاجزة عن خطورة القفز على هذه التداعيات الاجتماعية الخطيرة، وعن موقفها من ظاهرة تقريب الخمر إلى من هم أحوج إلى المأكل والملبس والصحة والسكن والشغل والرفاهية, واحتياجات المعاش بصفة عامة.
وهل ستستجيب للمطالب العادلة لأصوات الشعب العربي الأعزل التي ترفض هذا الشيوع الفاحش لترويج الخمور والمسكرات والمخدرات أم سترضخ للضغوط التي يمارسها عليها اللوبي الاقتصادي العالمي المهيمن ؟ وما إذا كانت بالفعل ترعى مصلحة المواطنين أم تغطي على مصالح منتجي الخمور ؟ وبماذا تبرر السلوك العنيف الذي تُقدم عليه ضد المحتجين سلميًّا على هذا التيار الهدام الجارف لصحة أبنائهم الجسدية والعقلية والنفسية؟
فمن الأولى أن تتحمل الدول العربية مسئوليتها بأن تكون لها الشجاعة المادية والأدبية؛ لمقاربة هذا الموضوع بشكل شامل تستحضر فيه خطورة بيع الخمور والترخيص لها وترويجها, وتداعيات ذلك وتأثيره في اتجاه ارتفاع الجريمة وتناميها وتزايد المشاكل الأسرية والمصائب المجتمعية، وألا تعتبر نضال المجتمع المدني تحديًا ومشاكسة لها، بل مكملاً ومعينًا لها في محاصرة الجريمة, من خلال محاصرة جذورها وأسبابها.
لنعلم أن الإسلام أعطى الإنسان حرية تقرير مصيره ولو في أخطر الاختيارات, {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]،{لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22], لكن أن يتم هدم بنيان المجتمع بالوكالة، فهذا هو الأمر الجلل وغير المنتظر الذي لا بد من إيقاف المجرمين المروجين له الذين نسوا أو تناسوا تاريخ بلدانهم وتنكروا لهويته.
إن حل مشاكلنا "الخمرية" والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها يجب أن ينبع ويؤطر بمبادئ حضارتنا, التي أصبح البعض يخيف ويحرض على الابتعاد عنها, مستفيدًا من دعم دول "المركز" المصدرة لخرافة "القيم الكونية" أو "قيم العونية" إذا شئت! فالكثير من الحلول الغربية حين طبقت على واقعنا استحالت هي ذاتها إلى مشكلات تستلزم الحل بدورها.
فاللهم ولِّ علينا خيارنا ولا تولِّ علينا سفهاءنا فإنهم لا يعلمون.
التعليقات
إرسال تعليقك