ملخص المقال
الإمام أبو يوسف هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، أحد أكبر أعلام المسلمين في الفقه والقضاء، وقاضي الخلفاء العباسيين الثلاثة: المهدي والهادي والرشيد.
أبو يوسف واستغلال الوقت
الإمام أبو يوسف هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، أحد تلميذي أبي حنيفة النعمان، ويعتبر أحد أكبر أعلام المسلمين في الفقه والقضاء.
من ولد سعد بن حَبْتَة الأنصاري، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (حبتة هي أمه، وهو من حلفاء الأنصار)، هو من مواليد عام 113 هجرية، وقاضي الخلفاء العباسيين الثلاثة: المهدي والهادي والرشيد، وأول من دُعي: قاضي القضاة، وكان يقال له: قاضي قضاة الدنيا، (الوحيد الذي كان قاضي المشرق والمغرب، وأحمد بن أبي دؤاد)
قال محمد بن الحسن: مرض أبو يوسف فعاده أبو حنيفة، فلما خرج قال: إنْ يَمُتْ هذا الفتى فهو أعلمُ مَن عليها. وأومأ إلى الأرض.
قال عبّاس الدُّوريّ: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: أول ما كتبتُ الحديث اختلفت إلى أبي يوسف فكتبت عنه، ثمّ اختلفتُ بعدُ إلى النّاس.
هو حسنة من حسنات أبي حنيفة، ليس فقط للفقه الموروث عنه، ولكن لكونه هو السبب في استمراره في مسيرة العلم، حيث كان والده إبراهيم فقيرًا، فكان أبو حنيفة يتعاهد أبا يوسف بالمائة دِرهم بعد المائة، يُعينه على طلب العلم، فروى عليّ بن حرملة التيمي عن أبي يوسف قال: كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مُقِلّ، فجاء أبي يومًا وأنا عند أبي حنيفة، فقال: لا تَمُدَّنّ يا بُنيّ رِجْلك مع أبي حنيفة، فأنت محتاجٌ إلى المعاش. فآثرت طاعة أبي، فتفقدني أبو حنيفة، فجعلت أتعاهده، فدفع إلي مائة درهم وقال لي: الْزَم الحَلْقة، فإذا نفدت هذه فأَعْلِمْني. ثمّ أعطاني بعد أيام مائة أخرى، ثم كان يتعاهدني.
الموقف:
يرويه القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي: (أحد قضاة الكوفة، ثم مصر لاحقًا)
يقول القاضي إبراهيم: مرض أبو يوسف (عمره 69 سنة) فأتيته أعوده، فوجدته مُغمًى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم، ما تقول في مسألةٍ؟ قلت: في مثل هذه الحالة؟!
قال: ولا بأس بذلك، ندرس لعله ينجو بها ناج!
ثم قال: يا إبراهيم، أيما أفضل في رمي الجمار - أي في مناسك الحج - أن يرميها ماشيًا أو راكبًا؟ قلت: راكبًا، قال: أخطأت، قلت: ماشيًا، قال أخطأت، قلت: قل فيها، يرضى الله عنك!! قال: أما ما كان يوقف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه ماشيًا، وأما ما كان لا يوقف عنده، فالأفضل أن يرميه راكبًا.
قال: ثم قمت من عنده، فما بلغت باب الدار حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات رحمه الله[1]!
روى البخاري عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً..»[2].
وروى الترمذي وهو صحيح عن أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه قال: "ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا: عَابِدٌ، وَالْآخَرُ: عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ".
ما يلفت النظر حقًّا في الموقف هو استغلال الوقت إلى آخر درجة:
وهو في مرض الموت يريد أن يفعل أثقل الأشياء في الميزان: توريث العلم، خاصة أنه عالم كبير ينقل علمه إلى الناس، وكما قال لعله ينجو بها ناج!
التوجيه النبوي:
روى أحمد وهو صحيح عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ»[3].
أنت مسؤول عن الوقت:
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ"[4].
مغبون من النقص أو من ضعف الرأي
مَنِ اسْتَعْمَلَ فَرَاغَهُ وَصِحَّتَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ الْمَغْبُوطُ وَمَنِ اسْتَعْمَلَهُمَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ الْمَغْبُونُ لِأَنَّ الْفَرَاغَ يَعْقُبُهُ الشُّغْلُ وَالصِّحَّةُ يَعْقُبُهَا السَّقَمُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْهَرَمُ.
توفي أبو يوسف سنة 182هـ[5].
[1] ابن معظم شاه الكشميري: العرف الشذي للكشميري 2/358. الطبعة الأولى المحقق محمود أحمد شاكر.
[2] البخاري: كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3274).
[3] أحمد (13004)، قال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
[4] البخاري: كتاب الرقاق، باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة (6049).
[5] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: أبو يوسف واستغلال الوقت
التعليقات
إرسال تعليقك