ملخص المقال
يعتبر عبد الله بن طاهر هو أشهر وأفضل رجال الدولة الطاهرية قال الذَّهبي: «وكان ابن طاهر عادلًا في الرَّعيَّة، عظيم الهَيْبَة، حَسَن المذهب»
عبد الله بن طاهر بن الحسين
هو ابن طاهر بن الحسين الخزاعي العربي الأصل الخراساني المولد والنشأة مؤسِّس الدولة الطاهرية شرق العالم الإسلامي، وتتميَّز عن غيرها من الدول الإسلامية بأمرين:
1- على الرغم من أنها من الدول المنبثقة من الدولة العباسية، وأنها كانت مستقلَّة فعليًّا إلا إنها لم تعلن هذا الاستقلال، بل ظلَّت على ولائها للعباسيين، وظلَّت تدافع عن الحدود الشرقية للدولة المسلمة، وتجتهد في قمع الثورات الداخلية في الدولة العباسية.
2- أيضًا يميِّز الدولة الطاهرية أنها كانت دولة شاملة؛ بمعنى أن اهتمام حكَّامها لم يكن مُنْصَبًّا فقط على النواحي العسكرية والسياسية، ولكنهم كانوا يهتمون بالجوانب الحضارية الأخرى في الدولة، كالاقتصاد، والمعمار، والعلوم، والثقافة، والأدب، وكان للعلماء، والشعراء، والأدباء، مكانة رفيعة في المجتمع وعند الأمراء.
كان طاهر بن الحسين المؤسِّس من الرجال المخلصين للمأمون، وممن ساهم بقوة في انتصاره على الأمين، وقد أراد المأمون أن يوليه قطاعًا كبيرًا من الدولة بعد استقرار الأمور فولَّاه قطاع غرب الدولة المهمِّ، ويشمل الجزيرة الفراتية، والشام، ومصر، وإفريقية، ثم ولَّاه خراسان في عام 205 هجرية، ولذا يعتبر المؤرِّخون أن هذا هو تاريخ تأسيس الدولة الطاهرية.
تولَّى طلحة بن طاهر حكم الدولة الطاهرية بعد موت أبيه عام 207هـ، ثم تولَّى عبد الله بن طاهر حكم الدولة الطاهرية بعد وفاة أخيه عام 213 هجرية.
يعتبر عبد الله بن طاهر هو أشهر وأفضل رجال الدولة الطاهرية قال عنه الذَّهبي: «وكان ابن طاهر عادلًا في الرَّعيَّة، عظيم الهَيْبَة، حَسَن المذهب»[1].
في أثناء ولاية طلحة لخراسان استخدم المأمونُ عبدَ الله بن طاهر في قمع تمرُّد قام به عهد بن السري والي مصر عام 211 هجرية، فقمعه باقتدار، وتولَّى ولاية مصر للعباسيين.
وقد شهدت فترة ولاية "عبد الله بن طاهر" على مصر –بالرغم من قصرها- استقرارًا وازدهارًا ملحوظًا؛ فقد أعاد الأمن إلى البلاد، كما شهدت العديد من مظاهر العمران، فقد أدخل زيادات في بناء جامع عمرو بن العاص، واهتم بتحسين أحوال الناس، والارتقاء بظروفهم المعيشية، كما اهتم بتطوير الزراعة، ومما يذكر له أنه أول من أدخل زراعة البطيخ "العبدلي" الجيد –نسبة إلى "عبد الله"- بمصر. (الشمَّام)
منطلقات عبد الله بن طاهر إسلامية صرفة، وقد قال في خطبته لجنوده أثناء قتال بعض الخوارج يومًا: إنكم فئة الله المجاهدون عن حقه، الذابّون عن دينه، الذائدون عن محارمه، الداعون إلى ما أمر به من الاعتصام بحبله، والطاعة لولاة أمره، الذين جعلهم رعاة الدين، ونظام المسلمين فاستنجزوا موعود الله ونصره بمجاهدة عدوّه وأهل معصيته، الذين أشروا وتمردوا وشقوا العصا، وفارقوا الجماعة، ومرقوا من الدين، وسعوا في الأرض فسادًا، فإنه يقول تبارك وتعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]
نظام الملك الطوسي يشهد له في كتابه سياست نامة: "كَانَ عبد الله لا يسند الْأَعْمَال الديوانية إِلَّا إِلَى الْمُتَّقِينَ والزهاد، وَإِلَى من هم فِي غنى عَن مَال الدُّنْيَا وَالَّذين لَا يشغلون أنفسهم بأعراضها الزائلة كَيْمَا تحصل الْأَمْوَال الْمُسْتَحقَّة على النَّاس فَقَط بِالْحَقِّ وَحَتَّى لَا يثقل كاهلهم، ويساموا الشَّقَاء، وَكيلا يشقى هُوَ نَفسه أَيْضا".
نتيجة تفوقه في ردِّ مصر إلى الدولة العباسية كافأ المأمونُ عبد الله بن طاهر مكافأة سخية، فكان هذا الموقف:
أعطاه المأمون مكافأةً قدر سَنَةٍ من خراج مصر لما قمع الثَّورة فيها، وكان يبلغ ثلاثة ملايين درهم، فقام على المنبر، ونادى على الناس، وما نزل إلَّا وقد وزَّعها كلَّها على الرَّعيَّة!
يقول ابن الأثير أبو الحسن: "كان (عبد الله بن طاهر) من أكثر الناس بذلا للمال مع علم، ومعرفة، وتجربة".
هذا أمر رأيناه في التاريخ مع بعض الذين استطاعوا قهر أنفسهم، وترويضها على الإنفاق، والواقع أن هذا السخاء أمر لافت للنظر، ويحتاج لنفس قوية لا تتعلَّق بالدنيا؛ لأن النفس مجبولة على حب المال:
{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]
من الأمثلة:
1- وفي الحاكم عن عُرْوَةَ بن الزبير أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَقَسَمَتْهَا حَتَّى لَمْ تَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ بَرِيرَةُ: أَنْتِ صَائِمَةٌ، فَهَلَّا ابْتَعْتِ لَنَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «لَوْ أَنِّي ذُكِّرْتُ لَفَعَلْتُ».
2- أبو طلحة الأنصاري والتبرع ببير حاء
3- أبو الدحداح والتبرع بحديقته كلها
4- طلحة بن عبيد الله تبرع بسبعمائة ألف درهم أتته من اليمن.
لذلك الجزاء على العطاء مختلف:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 261].
أكثر ما يندم عليه المرء عند موته عدم إنفاقه للمال في سبيل الله:
﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون﴾ [المنافقون: 10، 11].
النصيحة استغلال الحالة الإيمانية في رمضان للإنفاق في سبيل الله:
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ».
الواقع أن المنفق هو المستفيد الأول:
أولًا: أخرويًّا: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ[2]»[3].
ثانيًا: دنيويًّا: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ اللهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»[4].
[1] الذهبي: تاريخ الإسلام ووَفيات المشاهير والأعلام، 5/604.
[2] الفلو: المهر سُمِّيَ بذلك لأنه فلا عن أمه؛ أي فصل وعزل. الفصيل: ولد الناقة إذا فصل من رضاع أمه.
[3] البخاري: كتاب الزكاة، باب لا يقبل الله صدقة من غلول ولا يقبل إلا من كسب طيب، (1344)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، (1014)، واللفظ له.
[4] البخاري: كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (5037)، واللفظ له، ومسلم: كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة (993). لمشاهدة الحقة من على اليوتيوب اضغط هنا: عبد الله بن طاهر والإنفاق في سبيل الله
التعليقات
إرسال تعليقك