ملخص المقال
سليمان بن عبد الملك خليفة أموي من أفضل خلفاء المسلمين في التاريخ كلِّه، حكم من سنة 96ه= 715م، وحتى سنة 99هـ= 717م.
سليمان بن عبد الملك خليفة أموي غير مشهور مع أنه من أفضل خلفاء المسلمين في التاريخ كلِّه، حكم من سنة 96هـ= 715م، وحتى سنة 99هـ= 717م، كان عمره عند بدء الخلافة أربعين سنة تقريبًا، وَصَفه السيوطي بقوله: «كان من خيار ملوك بني أميَّة»[1].
حَكَمَ سليمان سنتين وثمانية أشهرٍ فقط، كانت فترة خلافته تشبه إلى حدٍّ كبير فترة خلافة عمر بن عبد العزيز، حتى اعتَبَر بعض المؤرخين أن فترة عمر بن عبد العزيز هي امتداد لفترة سليمان
يقول فقيه الشَّام سعيد بن عبد العزيز: «كانت خلافةُ سليمانَ بنِ عبد الملك كأنَّها خلافةُ عمرَ بنِ عبد العزيز؛ كان إذا أراد شيئًا قال له: ما تقول يا أبا حفص؟ قال: فعَهِد إلى عمر بن عبد العزيز»[2].
· رفع المظالم التي أوقعها الحجَّاج في فترة ولايته للعراق، وإعادة النظر في أمر الولاة، ووضع معايير جديدة لاختيارهم عن تلك المستخدَمة أيَّام الوليد أخيه.
· لمَّا تسلَّم سليمان الحكم كان الحجَّاج قد مات منذ سنة، ومع ذلك تتبَّع سليمانُ ولاةَ الحجَّاج كلَّهم بالعزل، وولَّى مكانهم مَن صلحت سيرته في الناس، ومَنْ كان محبًّا للشريعة معظِّمًا لها. لقد كان إصلاحًا على نطاقٍ واسعٍ أراد به سليمان -كما صرَّح في خطبه- محاكاة طريقة الحكم في أيَّام عمر رضي الله عنه، وقال سليمان معبِّرًا عن طريقة اختياره للولاة: «وقد عَزَلْتُ كلَّ أميرٍ كَرِهَتْه رَعِيَّتُه، ووَلَّيْتُ أهلَ كلِّ بلدٍ مَنْ أَجْمَعَ عليه خيارُهم، واتَّفَقَتْ عليه كلمتُهم».
· كما أخرج سليمان الآلاف من السُّجون، وأعاد المظالم إلى أهلها.
· قرَّب سليمان إليه العلماء والفقهاء، واستشارهم بعناية، وكان أقرب الناس إليه في مدَّة خلافته التابعي الكبير رجاء بن حيوة، وأيضًا الأمير الزاهد الورع عمر بن عبد العزيز، أمير المدينة، والخليفة بعد سليمان، وكان لهذين الرجلين تأثيرٌ بالغٌ على سياسة سليمان ونهجه.
· أيضًا لم يكن سليمان متزمِّتًا، بل كان يقبل بالرأي الآخر، ويُقْبِل على تنفيذه ولو كان مخالفًا لهواه، وكان -كأخيه الوليد السَّابق له في الحُكْمِ- محبًّا للغزو والجهاد في سبيل الله.
o كانت أعظم أعمال سليمان الجهاديَّة هو حصاره الكبير للقسطنطينية، وقد كلَّف أخاه مسلمة بن عبد الملك -وهو المتخصِّص في الجهاد في أرض الأناضول منذ أيَّام الوليد- بقيادة هذا الحصار، بل انتقل سليمان بنفسه إلى دابق في شمال الشام، وضرب معسكره هناك، وأقسم ألَّا يعود إلى دمشق إلَّا بعد فتح القسطنطينيَّة! استخدم مسلمة بن عبد الملك جيشًا كثيفًا بلغ أكثر من مائةٍ وثمانين ألف مقاتل لفتح القسطنطينيَّة، مع الاستعانة بألفٍ وثمانمائة قطعةٍ بحريَّة، وضرب حصارًا قويًّا حول المدينة الحصينة، وأقام حولها المجانيق، وقصفها بشدَّة، ولكن لم يصلح كل ذلك مع المدينة الحصينة!
o هذه هي المحاولة الأمويَّة الأخيرة لفتح القسطنطينيَّة.
o وكأنَّ الله قد أراد أن يرحم سليمان من الحيرة لقَسَمِه الذي فَعَلَ بعدم مغادرة دابق قبل فتح القسطنطينيَّة فكَتَبَ عليه الموت في دابق مرابطًا في سبيل الله!
o في أرض دابق، وفي العاشر من صفر عام 99 هجرية، باغت الموتُ الخليفةَ الشَّابَّ سليمانَ بن عبد الملك، حيث كان في الثالثة والأربعين من عمره.
موقف في غاية العمق للخليفة العظيم سليمان بن عبد الملك:
كان الخلفاء إذا جاءتهم جبايات الأمصار والآفاق إلى الشام يأتيهم مع كل جباية عشرة رجال من وجوه الناس وأجنادها، فلا يدخل بيت المال من الجباية دينار ولا درهم، حتى يحلف الوفد بالله الذي لا إله إلا هو ما فيها دينار ولا درهم إلا أُخذ بحقه، وإنه فضل أعطيات أهل البلد من المقاتلة والذرية، بعد أن أخذ كل ذي حق حقه. فإذا حلفوا أدخل ذلك المال إلى بيت المال.
ينبغي تحقُّق أمرين:
1- جمع المال من حلال ودون إرهاق للناس
2- أخذ الناس لحقوقها
فلما وفدوا بخراج إفريقية في زمان سليمان، أُمروا بأن يحلفوا، فحلف الثمانية ونَكل إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر (من التابعين الفقهاء)، مولى بني مخزوم، ونكل بنكوله السمح بن مالك الخولاني. وقالا: لا نحلف لأنّه أخذ على الظلم والغشم. فأمر سليمان بن عبد الملك بردِّ المال.
تحري الحلال، وردُّ الشبهات:
روى البخاري عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ"[3].
لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم هنا اتِّقاء الحرام
أولًا: لأنه بديهي
ثانيًا: الكثرة هي التي تقع في الشبهات
ثالثًا: الشبهات هي أول طريق الحرام، والذي يجترأ على الشبهات يفعل الحرام لاحقًا وهو يعلم (خطوات الشيطان)
ما الحلُّ؟!
أولًا: إصلاح القلب (القرآن – الذكر – العلم – مصاحبة الصالحين)
ثانيًا: الإحالة إلى العلماء: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]
ليست الحياة مع اتِّقاء الشبهات أصعب فيما يتخيَّل البعض
لأن بركة الحلال أضعاف ما يحصِّله المرء من الشبهة، فضلًا عن أجر الآخرة
قال أبو بكر الصديق: «كنا ندع سبعين بابا من الحلال، مخافة أن نقع في باب الحرام».
وقال عمر: «كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام».
ملاحظة مهمة على الموقف:
وأعجب عمر بن عبد العزيز ما كان من فعلهما وضمّهما إلى نفسه، فاختبر منهما صلاحًا وفضلًا. فلمَّا استخلف بعد موت سليمان بن عبد الملك استعملهما معا، فولَّى إسماعيل إفريقيَّة، والسمح الأندلس في سنة مائة[4].
[1] السيوطي: تاريخ الخلفاء، ص169.
[2] ابن عساكر: تاريخ دمشق، 45/167.
[3] البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه (52).
[4] مؤلف مجهول: أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها والحروب الواقعة بها بينهم، ص29، 30، وتقي الدين المقريزي: المقفى الكبير، 2/74، لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: سليمان بن عبد الملك والعفة عن المال المشبوه
التعليقات
إرسال تعليقك