ملخص المقال
أحمد بن إسماعيل الساماني من كرام أمراء الدولة السامانية حكم من سنة 295ه وحتى 301هجرية، قال عنه الذهبي: حسن السّيرة عظيم الحُرمة.
أحمد بن إسماعيل الساماني من كرام أمراء الدولة السامانية حكم من سنة 295هـ وحتى 301هجرية، وقد كانت الدولة السامانية من الدول طيبة الذكر في التاريخ الإسلامي، حيث نجحت على المستويات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والعلمية، والثقافية، وكان لها إسهام ملموس في جوانب الحضارة المختلفة.
نشأت الدولة السامانية في بلاد ما وراء النهر (جيحون آموداريا في أوزبكستان الآن)، وامتدَّت منها إلى مناطق واسعة في وسط آسيا، وشملت بذلك عدة دول من عالمنا المعاصر؛ هي أفغانستان، وأجزاء واسعة من إيران، وطاجكستان، وتركمنستان، وأوزبكستان، وقيرغيزستان، وأجزاء من كازاخستان، وباكستان. كانت العاصمة لهذه الدولة العظمى في البداية سمرقند، ثم صارت بخارى، وكلتاهما من مدن أوزبكستان حاليًا.
كانت النشأة الحقيقية لهذه الدولة في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وتحديدًا في سنة 261هـ، واستمرت في الوجود معظم القرن الرابع الهجري، أي حتى سنة 389هـ.
كانت الدولة السامانية من الدولة التي ساهمت بدور فعَّال في بقاء الدولة العباسية آمنة، فقد مثَّلت درعًا واقيًا حمى العباسيين من هجمات الشرق الوثني الأسيوي، كما حقَّقت توازنًا مع القوى المحلية المعادية للدولة العباسية؛ مثل الدولة الصفارية، والدولة الزيدية، والدولة البويهية، وكانت منضبطة في ولائها للعباسيين، فلم تنشقَّ عليهم أبدًا.
يمكن اعتبار أن دول السامانيين، والطاهريين قبلهم، والأغالبة في إفريقية، كانت سببًا مباشرًا في استمرار الوجود العباسي في القرنين الثالث والرابع الهجريين.
من الناحية الدينية كانت الدولة السامانية محافظة بشدَّة على مذهبها السُّنِّي، ولم تنجرف مع تيارات الشيعة التي ماجت بها آسيا في هذه الحقبة.
من السمات المميِّزة أيضًا للدولة السامانية أنها دولة تنتمي إلى الفرس، وهذا جعلها محبوبة من الشعب الفارسي في إيران وما حولها، آخذين في الاعتبار أن معظم الدول التي قامت في المنطقة لم تكن فارسية الأصل، فالطاهريون والزيديون من العرب، والبويهيون من الديلم، والغزنويون والسلاجقة من الأتراك، وهكذا صار السامانيون محقِّقين لطموحات الشعب الفارسي في استعادة مجد الآباء في ظلِّ الإسلام.
دعمت الدولة السامانية هذا الشعور بسعيها الحثيث لنشر اللغة الفارسية في مناطق نفوذها، وقد صارت هي اللغة الرسمية في الحكومة، كما انتعشت الترجمة من اللغة العربية إلى الفارسية، ومنها ترجمة القرآن الكريم، التي ساهمت بشكل ملموس في إسلام عدد كبير من الفرس كانوا على مجوسيتهم رغم مرور عقود طويلة على معايشتهم للمسلمين.
من الجدير بالذكر التأكيد على أن هذه الروح الفارسية عند السامانيين لم تكن متعصِّبة، ولم تدفع الحكومة إلى اضطهاد العرب أو غيرهم من العرقيات، كما لم تؤثِّر على العاطفة الإسلامية الجياشة التي تميَّز بها السامانيون.
تبقى المشكلة الأكبر عند السامانيين هي كثرة الخلافات الداخلية في البيت الساماني، فقد كان الصراع دومًا على أشدِّه بين الأخوة، وكذلك مع الأعمام وأبناء الأعمام، وهذا أضعف الدولة كثيرًا، ومكَّن أعداءها من النفاذ إلى سياستهم الداخلية مُحْدِثين الفتن والاضطرابات الكثيرة، وأحسب أنه لولا هذه الفتن الداخلية لكان للسامانيين شأن أكبر بكثير من ذلك الذي حازوه، ولعاشوا أضعاف الفترة التي قضوها في صدارة المشهد السياسي في وسط آسيا.
سيستمر وجود الدولة السامانية مائة وثمانية وعشرين عامًا هجرية، من 261 إلى 389 هجرية، حَكَمَ فيها عشرة من الأمراء السامانيين، وهم جميعًا جيِّدون بشكل عام، ويلفت النظر أن الدولة ظلَّت متماسكة وقوية، على الرغم من الصراعات الداخلية، إلى قبيل سقوطها بعامين فقط، وهذا يرجع إلى التكامل الذي كانت عليه الدولة، فهي لم تكن متفوَّقة في الجانب العسكري فقط، كالصفاريين مثلًا، إنما كانت دولة حضارية نابهة في معظم مجالات الحياة، مما أعطى وجودها استقرارًا، وأورث حالة من الرضى عند شعبها، وكذلك عند خلفاء الدولة العباسية.
أحمد بن إسماعيل بن أسد بن سامان:
كان أحمد بن إسماعيل من الأمراء الأجلَّاء. قال الذهبي: «حسن السّيرة عظيم الحُرمة»[1]. كان متَّصفًا بالعدل بشكل لافت: ويقول عنه النرشخي: "كان يسير سيرة أبيه ويعدل وينصف الرعية غاية الإنصاف، وكان الرعايا في راحة ودعة"[2].
قال عنه العتبي أيضًا: "كان مقتديًا بأبيه في إيثار النصفة"[3].
على المستوى العلمي كان أحمد بن إسماعيل من محبي العلم وأهله، وكان العلماء هم أكثر جلسائه، وكان هذا يُغْضِب رجال الجيش ومحبي الحرب، أيضًا أورثته مجالس العلم حبَّ اللغة العربية فنقل المعاملات الحكومية من اللغة الفارسية التي رسَّخها آل سامان منذ ولايتهم أيام الطاهريين إلى اللغة العربية، وكانت اللغة الفارسية توافق هوى رجال الجيش والشعب المنتمي للإمبراطورية الفارسية قديمًا فأثار هذا غضب الناس عليه.
على المستوى السياسي حقَّق أحمد بن إسماعيل إنجازًا مهمًّا إذ أنهى الوجود الصفاري باجتياحه لإقليم سجستان عام 298هجرية، وبذلك سقطت الدولة الصفارية للأبد، وضُمَّت سجستان إلى الدولة السامانية، فصارت من أكبر الدول في هذه الحقبة التاريخية.
على الرغم من هذا التفوُّق العسكري والعلمي إلا أن رجال الجيش لم يرغبوا في ولاية الأمير أحمد، غالبًا بسبب ميوله العربية، وعصبيَّتهم الفارسية، فأغروا بعض غلمانه بقتله، فقُتِل مظلومًا في عام 301 هجرية بعد ست سنوات فقط من حكمه. يُعْرَف هذا الأمير العالـِم الشَّاب في التاريخ الساماني بالأمير الشهيد.
غالب الأمر أنه قُتِل قبل الثلاثين لأن ابنه نصر صعد على الحكم بعده وكان عمره ثمانية أعوام فقط.
أهمية اللغة العربية:
اختارها الله تعالى لكتابه المعجز الذي تكفَّل بحفظه
وهي لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم
ومدحها الله في كتابه مرارًا:
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: 27، 28]
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3]
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: 37]، حُكْماً عَرَبِيًّا قال ابن عباس: يريد ما فيه من الفرائض. وقال أبو عبيدة: ديناً عربيّاً[4].
وقال أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ كَمَا تَعَلَّمُونَ حِفْظَ الْقُرْآنِ»[5].
قال الشاطبي: «فَعَلَى النَّاظِرِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْمُتَكَلِّمِ فِيهَا أُصُولًا وَفُرُوعًا أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ عَرَبِيًّا أَوْ كَالْعَرَبِيِّ فِي كَوْنِهِ عَارِفًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ، بَالِغًا فِيهِ مَبَالِغَ الْعَرَبِ»[6].
التطبيق العملي:
الاهتمام باللغة العربية
النفس والأبناء
ابدأ بمعرفة المعاني للقرآن والسُّنَّة
شجَّع الأبناء على دراسة العربية ومعانيها ومرادفاتها
على الخطباء والعلماء أن يحرصوا على إتقان اللغة العربية[7].
[1] الذهبي: تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، 6/304.
[2] النرشخي: تاريخ بخارى، ص 131.
[3] العتبي، أبو نصر محمد بن عبد الجبار: اليميني = تاريخ العتبي، تحقيق: إحسان ذنون الثامري، دار الطليعة، بيروت، 2004م، ص198.
[4] زاد المسير في علم التفسير (2/ 499).
[5] وقال الشثري: رجاله ثقات، أخرجه ابن عدي 1/ 209، والبيهقي في الشعب (2301).
[6] «الاعتصام للشاطبي ت الهلالي» (2/ 809).
[7] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: أحمد بن إسماعيل الساماني وحب اللغة العربية
التعليقات
إرسال تعليقك