التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
معركة الخندق واحدة من أشرس وأعنف المعارك على المسلمين، ساد فيها الخلل بينهم وهزموا هزيمة شديدة، فكانت درسًا ربانيًّا قاسيًا، فماذا تعرف عن هذه المعركة؟
مرَّةً أخرى يتطور القتال بين المسلمين في الأندلس والنصارى في شمالها، فوقعت معركة الخندق التي تُعد من أخطر ما مر على الأندلس في زمن عبد الرحمن الناصر.
الأوضاع في الأندلس قبل معركة الخندق
وقعت أحداث هذه المعركة سنة (327هـ= 939م)؛ أي بعد سبعٍ وعشرين سنةً من بداية عهد عبد الرحمن الناصر الحاكم الفعلي للأندلس آنذاك [1]، وكانت هناك ثلاث ممالكٍ نصرانيَّة في شمال الأندلس؛ مملكة نافار تحت قيادة "الملكة طوطة" في أقصى الشمال، ومنطقة شمال شرق الأندلس ويحكمها الفرنسيُّون، ومملكة ليون شمال غرب الأندلس وهي أخطر هذه الممالك، وقد تربَّع على عرشها "راميرو الثاني" في عام 321ه بعد صراعٍ بين أعضاء المملكة استمرَّ سبع سنوات [2].
أسباب المعركة
كان "راميرو الثاني" هذا معروفًا بعدائه الشديد للإسلام والمسلمين [3]، كما كان صليبيًّا متطرِّفًا، لم يترك وسيلةً يُمكنه أن يضرَّ بها دولة المسلمين إلَّا استعملها؛ فكان يُغِير على الأراضي الإسلامية، ويُحَرِّض الثوَّار على عبد الرحمن الناصر، ويُعينهم على ذلك بما يستطيع، وهذا غير المعارك المباشرة التي كان يخوضها بنفسه ضدَّ المسلمين [4].
وما إن تولَّى راميرو الثاني أمرَ مملكة ليون حتى أراد إظهار قوَّته، فتوجَّه سنة (321هـ= 933م) إلى حصن وخشمة، فخرج المسلمون تاركين هذا الحصن، وانسحبت القوَّة المدافعة عنه إلى الجبال، ومِنْ ثَمَّ عزم الناصر على أن يسير لاسترداد الحصن بنفسه، إلَّا أنَّ راميرو آثر الانسحاب [5].
رأى عبد الرحمن الناصر بعد ذلك أن يُبدِّد قوَّة ليون ويُزيل خطرها، فتوجَّه في سنة 323ه لضربها وتمزيقها، لكن حدث شيءٌ غير متوقَّع، وهو أنَّ والي مدينة سرقسطة -ويُدعى محمد بن هشام التجيبي- أعلن عصيانه على عبد الرحمن الناصر، وأرسل إلى راميرو الثاني للتحالف معه، فلم ينتظر الناصر تطوُّر هذا التحالف بينهما وحاصر سرقسطة، وعيَّن أحد أقاربه أميرًا عليها ويُدعى أحمد بن إسحاق، غير أنَّ أحمد هذا كان متآمرًا، فأرسل إليه عبد الرحمن الناصر من يقبض عليه، فوصل الخبر إلى أخيه أميَّة بن إسحاق الذي بدوره أعلن عصيانه، ثم فرَّ إلى مملكة ليون يستنجد براميرو الثاني، وقد نجحت قوَّات عبد الرحمن الناصر في فتح مدينة سرقسطة [6].
الاستعداد للمعركة
بعد أن تمكَّن عبد الرحمن الناصر من إنهاء التمرُّد في سرقسطة، تابع تقدُّمه بجيشه نحو مملكة نافار، فاستسلمت له ملكتها طوطة وأعلنت له الطاعة، وبذلك لم يبقَ أمام عبد الرحمن الناصر سوى مملكة ليون بقيادة أميرها راميرو الثاني، فبدأ عبد الرحمن الناصر يستعدُّ لإجراء معركةٍ فاصلةٍ وحاسمةٍ ضدَّه [7].
بعد عامين من دخوله سرقسطة تأهَّب عبد الرحمن الناصر للقيام بأعظم غزواته ضدَّ مملكة ليون، فحشد جيشًا ضخمًا [8]، يبلغ زهاء مائة ألف [9]، وعَهَد بقيادته إلى "نجدة بن حسين الصقلبي"، وفي صيف سنة (939م= 327هـ) سار عبد الرحمن الناصر إلى ليون على رأس جيشه الضخم، وكان راميرو الثاني يُرابط على مقربةٍ من قلعة شنت منكش في مدينة سمُّورة في حشودٍ عظيمة، وزوَّده حليفه الخائن أميَّة بن إسحاق بنصائح ومعلومات ثمينة، كما انضمَّت إليه طوطة ملكة نافار ناكثةً لعهدها مع عبد الرحمن الناصر، وبذا اتَّحدتْ قوى إسبانيا النصرانيَّة لمقاتلة المسلمين مرَّةً أخرى [10].
أحداث المعركة
بعد أن دخل عبد الرحمن الناصر بجيشه مدينة ليون زحف على مدينة سمُّورة، وكانت هذه المدينة في غاية المناعة[11]، وأقوى قلعةٍ لمملكة ليون[12]؛ حيث يُحيط بها سبعة أسوار، وبين الأسوار خنادق واسعة تفيض بها المياه[13]، ولها حاميةٌ قويَّةٌ، وفيها قوَّاتٌ عديدةٌ للدِّفاع عنها[14].
وفي يوم الجمعة (الحادي عشر من شوال سنة 327ه= الأول من أغسطس سنة 939م)، على باب قلعة شنت منكش [15]، تدور واحدةٌ من أشرس وأعنف المعارك على المسلمين [16]، وبدأ المسلمون بالهجوم وافتتحوا سورين من أسوار المدينة السبعة [17]، غير أنَّ النصارى احتموا داخل المدينة، ولحق الإعياء بالمسلمين وساد الاختلال بينهم، فكرَّ عليهم النصارى بشدَّةٍ وحماسة [18]، فقتلوا منهم خمسين ألفًا [19]، وهو نصف عدد جيش المسلمين، وبانتهاء المعركة فرَّ عبد الرحمن الناصر مع النصف الآخر عائدين بأكبر خسارة وأثقل هزيمة [20]، وسُمِّيت هذه الموقعة بموقعة الخندق لنشوبها على خنادق سمورة [21].
وأرجع المؤرخون سبب الهزيمة إلى أن بعض المسلمين كانوا يجدون في قلوبهم من عبد الرحمن الناصر، فقبعوا للصفوف [22]، وسارعوا في الهرب، وجرُّوا على المسلمين الهزيمة وأوبقوهم [23].
[1] راغب السرجاني: قصة الأندلس، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1432هـ= 2011م، 1/ 206.
[2] طارق سويدان: أطلس الأندلس، شركة الأبداع الفكري، الكويت، الطبعة الأولى، 1426هـ= 2005م، ص188، 189.
[3] خليل إبراهيم السامرائي- عبد الواحد ذنون طه- ناطق صالح مصلوب: تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2000م، ص167.
[4] راغب السرجاني: قصة الأندلس، 1/ 215.
[5] محمد عنان: دولة الإسلام في ألأندلس، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعةالرابعة، 1417هـ= 1997م، 1/ 401، وطارق سويدان: أطلس الأندلس، ص189.
[6] طارق سويدان: أطلس الأندلس، ص190، 191.
[7] طارق سويدان: أطلس الأندلس، ص191، 192.
[8] محمد عنان: دولة الإسلام في ألأندلس، 1/ 413
[9] المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، 1/ 184، والحميري، ابن عبد المنعم: الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق: إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت، طبع على مطابع دار السراج، الطبعة الثانية،1980م ، ص325، والمقري: نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان، 1900م، 1/ 355.
[10] محمد عنان: دولة الإسلام في ألأندلس، 1/413، 414.
[11] محمد عنان: دولة الإسلام في ألأندلس، 1/414.
[12] طارق سويدان: أطلس الأندلس، ص192.
[13] المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: أسعد داغر، دار الهجرة، قم، 1409هـ، 1/184.
[14] طارق سويدان: أطلس الأندلس، ص192.
[15] محمد عنان: دولة الإسلام في ألأندلس، 1/419.
[16] راغب السرجاني: قصة الأندلس، 1/206.
[17] المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، 1/184.
[18] محمد عنان: دولة الإسلام في ألأندلس، 1/414.
[19] المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، 1/184، والحميري، ابن عبد المنعم: الروض المعطار في خبر الأقطار، ص325، والمقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/355.
[20] راغب السرجاني: قصة الأندلس، 1/206.
[21] محمد عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 1/414.
[22] قبعوا: أي اختبئوا واستتروا، أو تخلفوا عنها. انظر: ابن منظور: لسان العرب، 8/258، وأحمد عمر هاشم ومجموعة من الباحثين: معجم اللغة العربية المعاصرة، 3/1768.
[23] راغب السرجاني: قصة الأندلس، 1/206، 207.
التعليقات
إرسال تعليقك