ملخص المقال
أكّد الدكتور السديس أنّ الكَلِمَةُ الطَّيِّبة مَطِيَّةُ الهِدَاية والدَّعْوَة والإصلاح وزِنَادُ الفِكر والفلاح، بِهَا الإسلام عَمَّ وسَاد، وجعلهاقصة الإسلام – وكالات أكّد إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس، أنّ الكَلِمَةُ الطَّيِّبة مَطِيَّةُ الهِدَاية والدَّعْوَة والإصلاح وزِنَادُ الفِكر والفلاح، بِهَا الإسلام عَمَّ وسَاد، وجعلها مَنَارَةُ توجيه وإرْشاد ورَافِدُ تعليم وبِنَاءٍ وإعْدَاد، فهي تَنْسَرِبُ في النّفوس فَتُرَقِّيها. وقال فضيلته في خطبة الجمعة الّتي ألقاها بالمسجد الحرام: إنّ "الشرع الحنيف حذّر من سَقطاتِ الألسُنِ وحَصَائدها ولَغْوهَا وأوابِدِها، وكما ورد في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ العبد لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَة مِن رِضوان الله لا يُلْقي لها بَالاً يَرْفعه الله بها دَرَجَاتٍ وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سُخْطِ الله لا يُلْقي لَهَا بالاً يَهوي بها في جَهنّم)، ولِخطورتِها وأهمِّيّتِها تَرَتّبت عليها العقوبات والحدود في الإسلام، والتعازير والآثامَ على مُجرَّد الكلاَم، ومن ذلكم كلمة التوحيد وإبطال كلمة الكفر والتنديد ولفظة النكاح أو الطلاق أو العِتاق". وأضاف الشيخ السديس: "لذلك ورد منهجنا القرآني الفريد بحفظ الكلمة عن مسلك النُّبُوِّ والتجريح، واقتعد بها ميدان السُّمُو والصِّدق الفسيح قال سبحانه وتعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، ولِجَلال الكَلِمَة ومسؤولِيِّتِها، لم يَكُن مُزاحُه صلى الله عليه وسلم إلاَّ حقًّا وصِدْقا، يقول الإمَام الغزالي: "(فَمَن أطلَق عَذَبَة اللِّسَان وأهْمَلَهُ مَرْخِيَّ العِنَان سَلَك به الشيطان في كُلِّ مَيْدَان وسَاقهُ إلى شَفَا جُرْفٍ هَار إلاَّ مَن قيَّدَه بِلِجَام الشرْع وكفّه عن كُلِّ ما يَخْشى غائلته في عاجله وآجله)". وذكر فضيلته أن الكَلِمَة الرَّبَّانِيّة الغَدِقة والمفردة المُخْلِصَةِ العَبِقة لَتَبْعَثُ النُّفوس مِن أوْحال الخُمول والجَهَالَة ومَواقع الزّيغ والضّلالة وتُنْجِيهَا مِنْ سِبَاع شهَواتِها المُغْتَالَة، وتُعْتِقها مِن الأفكار والمَفَاهيم القتالة والكلمة المسئولة الندية الصادقة الوردية تهفو بالأرواح إلى جلائل الأمور بِهِمَّةٍ وأَمَلٍ لا يتخَلَّلهُمَا إثِّقال ولا فُتور، وتلك هِي الدَّعوة النَّافعة والحِكمة المَاتِعة التي تُسِيم الأمّة الإسلاميّة في مَرَابِع العمل الصَّالح المَبْرُور وتؤكِّد بين أبنائها آصِرَة التَّآخِي والحبور. ولِغَزير العِبَر المُنيفَة، واللَّطائف الشريفة في رسالة الكلمة قال عَزَّ مِن قَائل: (وقولوا للناس حُسْنا)، وقال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقال تعالى: {فقل لهم قولاً ميسُورَا}، وفي ذلك أسْوَة وأيّ أسوة للعلماء والدعاة والمخاطِبين والكتّاب والإعْلاَمِيِّين. وأشار إلى أن مِن مُقْتضَيَاتِ القول الثَّمين النَّقْد البَاني الأمين عَبْر وسَائل الإعلام التي زاحمت الأقطار وغَزَتِ الأفكار، فالنَّقد المَسْطور أو المسموع لابُدَّ وأنْ يكون من ذِي مُكْنَةٍ واقْتِدَار، فلا يُطلَق الكلام في المُجْتَمعات والمؤسَّسَاتِ والهَيْئات حِمَمًا حَارِقة ونِصالاً خارقة، وألاَّ يُذَاع في الأُمّة من الكلام إلاَّ مَا هَذَّبَتْه بَصائر الأفكار وألاَّ يُنشَر إلاَّ مَا نَقَّحَتْهُ عُقول النُّظَّار لِيَكون مَدْرَجَةً للرُّقِيِّ والكمال، وأبلغ من ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)، وإنّ أكيس الناس من تكلّم بعلم أو سكت بحِلْم، ولا غرو فكم كانت الكَلِمَة مَجْلَبَةً للأحقاد ومَثَارًا للتّنافُر والعِناد. وخاطب فضيلته فرسان الأقلام ورجال الإعلام قائلا: "فيَا أَحِبَّتنا الكِرام فُرْسَان الأقلام، وصَيَاقِلَة النِّثار والنِّظام، ورجال الإعلام: إنَّ الكَلِمَة المطبوعَة والمَسْموعة غَدَت في عَصْرِنا مُعْترك النِّزَال فاتقوا الله فيمَا تَخُطّه اليَمين لِتوجيه الجيل مِنَ البَنَاتِ والبنين واحْذَروا الشَّطط والجنف وتَلَّ الهوى للجَبين واقدُروا للقول دلالاته واعتبِروا مآلاته التي تُزكّي الأخلاق والأذواق وتجْمَع العقول على التَّصَافي والوِفاق، فالكلام المُشْرِق في مَعْنَاه السّاطع في مَبْناه هو المِرْآة العاكسة لِرُوح المُتحَدِّثِ وجَنَانِه ونَقَاء فِكْرِه ووجْدَانه وربَّ حرب استعرت بألفاظ ومودَّات غُرست بألحاظ. حذارِ من استغلال الكلام في تصفية الحسابات أو الطعون في الذوات والكفاءات سخِّروا البيان لخدمة الدين ولنصرة قضايا المسلمين وجمع شمل الأمة ووحدة صفها وتوحيد كلمتها وخدمة مصالح البلاد والعباد". وبيَّن فضيلته أن التّحقّق بِمسْؤوليّة الكَلِمَة المَأمونَة الصَّادِقةِ الموزونة مِلاك العالم لِتحقيق السَّوَاء في السَّلام والإنصاف والأمن والائتلاف ونَبْذ الصِّرَاع والإرجاف. وإنَّها لِلْعُرْوة الوُثْقَى لأمَّتِنا أمّة الكَلِم والثَّمين القرآن المُبين كي تسْتأنِفَ شأوَها المرموق فِي العالمين بما يَملأ الصّدُور مَهَابةً وتقدِيرًا ويَبْهَرُ العُيون رِفْعَةً وعِزَّةً وتوقيرًا وما ذلك على الله بِعزيز. قال تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ). واختتم فضيلته خطبته بالقول: "إنّ مِن سوَائر الأمثال مَقْتل الرَّجل بين فَكَّيه، وكما اسْتعَاذ الصَّالحون مِنَ العِيِّ والحَصَرْ استعاذُوا مِنَ البذاءة والهَذَر فَعَلَى المُسْلم الأريب العَاقِل وَزْنُ الكَلام حتى لا يَقع في مَغَبَّةِ الكِلام ورُبَّ قائِل مَا شاء لَقِي مَا سَاء، وإن للحِفاظ على شَرف الكلِمَةِ مَعْنى ومَبْنَى، دُونَ السَّمْسَرَةِ والابْتذال والقَرْصَنة والاستِغلال لَزِم تَمكين أسَلاتِ الأقلام ومَخَاطم الكلام الأكْفِيَاء الأُمَنَاء ذوي الأصالة والصِّدْق والابتِكار والنُّبْل والاستبصار ويَا بُشْرى الذين يُصْعِدُون بِكَلِمة الأمَّة وأمَّة الكَلَمة ثقافِيّا وإعلامِيَّا فكريًّا واجتمَاعِيًّا شطْر علياء الكمال ومَطاوي المجْد والجلال ذلك الرَّجاء والأمل وبالمولى نسْتعين على سديد القول وصالح العمل".
التعليقات
إرسال تعليقك