التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
خلافة الموفق طلحة وثورة صاحب الزنج، قيام الدولة الطولونية بمصر على يد أحمد بن طولون، خلافة المعتضد بالله،
خلافة أحمد المعتمد على الله
(من رجب 256هـ حتى رجب 279هـ)
كان من مطالب الأتراك أن يتولى أمر الجيش أحد إخوة أمير المؤمنين المعتمد على الله، ولا يرأسهم واحد منهم لما كان بينهم من الخلاف والمنافسة، فولَّى المعتمد أمرهم إلى أخيه أبي أحمد طلحة بن المتوكل، فولاه أمر الجيش والولايات.
فصار السلطان الحقيقي لأبي أحمد لا للخليفة، وصارت كلمة أبي أحمد هي العليا، على الأتراك وقوادهم فحسَّن ذلك الأحوال بعض التحسين ولكن المعتمد نفسه ساءت أحواله؛ لأنه لم يترك له شيء من التصرف حتى إنه احتاج في بعض الأحيان إلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها، والمعتمد هو أول خليفة انتقل بعاصمة الخلافة من سامراء إلى بغداد ثانية منذ عهد المعتصم.
صفات أبي أحمد طلحة
كان أبو أحمد غزير العقل حسن التدبير، يجلس للمظالم وعنده القضاة، فينصف المظلوم، وكان عالمًا بالأدب والفقه وسياسة الملك، وله محاسن ومآثر كثيرة لقبه أخوه بالموفق بالله، ولما هزم صاحب الزنج لقبه الناس الناصر لدين الله.
ثورة صاحب الزنج
في رمضان سنة 255هـ قام دعي في آل علي لا يعرف له نسبٌ ولا رحمٌ، زعم أن اسمه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فادعى أنه عباسي، ودعا الناس إلى طاعته
ظهرت فتنته أولاً بالبحرين، ثم تحول عنهم إلى البادية، ثم إلى البصرة سنة 254هـ.
ثم مضى الدعيُّ ومن اتبعه حتى وصل بغداد، فأقام بها عامًا يستميل الناس سرًّا، ثم شخص إلى البصرة، ونزلوا بقصر قريب منها يعرف بقصر القرشي، وهناك استعان بالعبيد الذين كانوا يعملون بتلك النواحي في حمل السباخ وغيره لأهل البصرة، وهم كثيرو العدد يهمهم أن ينالوا الحرية ويخرجوا مما هم فيه فكيف لو وُعِدوا مع الحرية بالسيادة على مالكي رقابهم؟
فأخذ هذا الدعيُّ منهم غلامًا اسمه ريحان بن صالح ووعده أن يكون قائدًا، وأمره أن يحتال للعبيد الذين يعرفهم حتى يجيبوه إلى نحلته، ويتركوا سادتهم وأعمالهم فاجتمع إليه كثير منهم فخطب فيهم ومناهم، ووعدهم وحلف لهم الأيمان الغلاظ ألا يغدر بهم، والتفت الزنوج حوله وراقتهم دعوته.
وكان كل جيش يبعث من قبل الخليفة يهزمه، ومضى يعيث في الأرض فسادًا يحرق وينهب، واستفحل أمره، وعظم شره وخيف على الدولة منه فلم ير أبو أحمد الموفق إلا أن يحشد إليه الجموع ويتولى هو قيادتها بنفسه، واصطحب معه ابنه أبا العباس، وكان نائبه، وتطوع الناس لحرب هذا الدعي.
وقد كانت لأبي أحمد معه وقائع مذهلة وخطوب جسام استمرت أعوامًا، استعان فيها الموفق بربه ودعاه وناداه وتحمل الشدائد حتى أنه أصيب بسهم، فمرض منه أيامًا، واضطرب الناس أثناء فترة مرضه، ولكنه كان يحثهم على المواصلة حتى شفاه الله فأتم له النصر على عدوِّه، وحملت إليه رأس الخبيث فلما تيقن منها خرَّ لله ساجدًا، وفرح المسلمون بذلك في المشارق والمغارب، وكان ذلك في صفر سنة 270هـ، فكانت أيام هذا الدعي من لحظة خروجه إلى مماته أربع عشرة سنة.
وفي هذا العهد
قامت الدولة الطولونية بمصر سنة 258هـ واستمرت حتى سنة 292هـ، ومؤسسها أحمد بن طولون كان مملوكًا تركيًّا، وسيأتي لها مزيد تفصيل.
كما قامت في هذا العهد الدولة السامانية سنة 261هـ ببلاد ما وراء النهر واستمرت حتى سنة 389هـ، أي دامت قرابة مائة وسبعين سنة، وقامت على أيدي آل سبكتكين من جهة، والترك الخاقانية من جهة أخرى، وسيأتي مزيد من بيان ذلك.
وفي عهده ظهر القرامطة بثلاثة مواضع بالبحرين والعراق والشام، وكذلك كان يشتغل دعاة الفاطميين باليمن وإفريقية، فكأن الدعوة الإسماعيلية رتبت أن يكون ظهورها في آن واحد بجميع الجهات الإسلامية حتى لا يكون لبني العباس قِبَل بملاقاة شرها وكذلك كان. ثم توفي المعتمد في 9 من رجب 279هـ.
خلافة المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق طلحة
(من رجب 279هـ حتى ربيع آخر 289هـ)
كان من خيار خلفاء بني العباس ورجالهم، وكان شهمًا جلدًا، موصوفًا بالرجولة، وقد لقي الحروب، وعرف فضله، فقام بالأمر أحسن قيام، وهابه الناس، وكانت أيامه طيبة، كثيرة الأمن والرخاء، وقد أسقط المكوس، ونشر العدل، وكان يسمي "السفاح الثاني"؛ لأنه جدد ملك بني العباسي، وكان قد خَلقَ وضعف، وكاد يزول، وكان في اضطراب منذ قُتل المتوكل.
ومنع الوراقين من بيع كتب الفلاسفة، وما شاكلها، ومنع القصاص والمنجمين من القعود في الطريق، وكان يمسك عن صرف الأموال في غير وجهها؛ فلهذا كان يبخله بعض الناس.
وفي أيام المعتضد بالله زاد الغزو في بلاد الروم، سواء أكان عن طريق الثغور الشامية وخاصة طرسوس التي غالبًا ما كانت بأيدي الطولونيين أم عن طريق ثغور الجزيرة. وكذلك فقد كان غزو بلاد الترك التي بعد ما وراء النهر حيث كان يقوم السامانيون بالغزو، وقد سار إسماعيل بن أحمد بن أسد الساماني عام 280هـ إلى بلاد الترك، وأسر ملكهم وزوجته خاتون، وجرى تبادل الأسرى بين المسلمين والروم عام 283هـ، وكان عدد الأسرى من المسلمين أربعة وخمسمائة وألفين.
توفي ليلة الاثنين لثمانٍ بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وعهد بالولاية لابنه المكتفي.
التعليقات
إرسال تعليقك