الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
الوفاء خلق حميد من اخلاق الإسلام، فما هي فضائله؟ وخصائصه؟ وأهميته؟
الأخلاق تقرب من بعضها في كثير من معانيها، على الرغم أنَّ كل خُلُقٍ بمعنًى يدلُّ عليه، والوفاء في ذاته يعني الصدق في الوعد، كما أنه يعني الأمانة.
كذلك فمن الإيمان أن يكون المرء عند كلمته التي قالها؛ فالوفاء بالعهد يحتاج إلى عنصرين، إذا اكتملا في النفس سهُل عليها أن تُنْجِزَ ما التزمتْ به، وهما في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]، فضَعْفُ الذاكرة وضعف العزيمة عائقان في طريق الوفاء بالواجب.
والعهود التي يرتبط المسلم بها درجات؛ فأعلاها مكانةً وأقدسها العهدُ الأعظم الذي بينه وبين الله ربِّ العالمين، ووفاءُ الإنسان بهذا العهد أساس كرامته وسعادته في الدنيا والآخرة، ومن الأمثلة العظيمة الدالَّة على الوفاء وفاء الأنصار مع رسول الله؛ فقد جنَّدوا أنفسهم وأموالهم لحماية الدعوة وحراسة الرسالة؛ حتى يُبَلِّغَها للناس جميعًا، وضربوا في ذلك أعظم الأمثلة في الوفاء، رضي الله عنهم جميعًا.
كما أن من الوفاء أن يذكر الرجل ماضيه الذاهب لينتفع به في حاضره ومستقبله، دون أن يشعر بحرجٍ في ذلك، ولا يدَّعي كذبًا خُلُوَّ ماضيه من الفقر أو المرض، وما أشهر قصَّة الأبرص والأقرع والأعمى التي وردت في حديث رسول الله[1].
والوفاء بالحقِّ واجب مع المؤمن بالإسلام ومع الكافر به، والفضيلة لا تتجزأ، فيكون المرء خسيسًا مع قوم، كريمًا مع آخرين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول: "لَوْ دُعِيتُ بِهِ فِي الإسْلامِ لأَجَبْتُ"[2]. وفي الحديث أيضًا: "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ"[3].
كما تتابعت آيات القرآن تحضُّ على الوفاء، وتخوِّف من الغدر، قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء: 34], {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91]، وكثير غيرها.
ومن الشئون التي اهتمَّ الإسلام بها، ونوَّه بقيمة الوفاء فيها: الديون؛ فإن سدادها من آكد الحقوق عند الله، بل إن الإسلام حرم الاستدانة إلاَّ للضرورة، وحذَّر بشدَّة من المماطلة أو التأخير في سدادها، قال: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ"[4]. وفي الحديث: "يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلاَّ الدَّيْنَ"[5].
إنَّ الله يحب الأوفياء من عِباده، وما أهلك القرى الظالمة إلاَّ بعد أن قال في أهلها: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102].
[1] البخاري: كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3277)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق (2964).
[2] مسند البزار (1024) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، والبيهقي: السنن الكبرى 6/367.
[3] البخاري: كتاب الإجارة، باب أجر السمسرة 2/794، والبيهقي: السنن الكبرى 6/79، والحاكم (2310)، والدارقطني (98).
[4] البخاري: كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها (2257)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وابن ماجه (2411)، وأحمد (8718).
[5] مسلم: كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين (1886)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، والحاكم (2554).
التعليقات
إرسال تعليقك