في إعلام الصين .. الإيجور والهان عائلة بلا مشاكل
سعداء بلا مشاكل!
عبدول، أحد أبناء الإيجور وصاحب متجر بمدينة هوتان (جنوب تركستان الشرقية)، أشار إلى مشهد الهان والإيجور الذين يغنون ويضحكون معا في التلفزيون قائلا بصوت خافت خشية أن يسمعه أحد من الشرطة السرية التي نشرتها بكين خلال الأيام الماضية: "أنا لا أصدق هؤلاء الناس.. بالتأكيد حصلوا على أموال مقابل أن يقولوا مثل هذا الكلام.. 90% من أبناء الإيجور لا يصدقون هذا الهراء".بائع من الإيجور سمى نفسه حبيب قال: "أنا لا أحب الهان الصينيين"، وأعقبته جولينيسا (طالبة بالجامعة) بقولها :"أنا لا أتبع مثل هذه الدعايات.. بل إنني أكاد لا أستطيع النظر إلى التلفزيون.. ما يبثونه الآن قد يجعلني أصاب بالجنون"، في إشارة إلى المشهد التلفزيوني.
وبررت ذلك بقولها: "إننا نعاني من مشاكل كامنة في وطننا منذ سنوات طويلة، منها التمييز والقيود المفروضة علينا.. نحن متجاهلون من جانب السلطات طوال هذه السنوات.. وعندما يتذكروننا لا يتحدثون عن مشاكلنا ومعاناتنا.. بل يقدموننا على أننا أناس سعداء بلا مشاكل، ويحيون حياة طيبة مع من يظلمونهم.. إنهم (السلطات) يشوهون واقعنا".
وحذرت الطالبة الجامعية من أن استمرار بكين في هذا النهج "قد يفجر مواجهات جديدة"، فيما امتنع إيجوريون آخرون من التحدث؛ خوفا من أن تلتقطهم الشرطة السرية المنتشرة في أرجاء هوتان، كما في بقية تركستان.
وقتل 192 شخصا وجرح واعتقل المئات في اشتباكات بدأت الأحد 5 يوليو الجاري بين مسلمي الإيجور من جهة وقوات الأمن وعرقية الهان من جهة أخرى، تعد الأعنف منذ عقود، عندما خرج متظاهرون من الإيجور احتجاجا على ما يقولون إنه سوء تعامل الحكومة مع حادثة مقتل عاملين منهم عندما اشتبكا مع عمال من عرقية الهان في أحد مصانع جنوب البلاد أواخر الشهر الماضي.
واتهمت بكين قيادات إيجورية في المنفى بأنها المحرضة على هذه المواجهات، وهو ما نفته هذه القيادات التي أكدت أن هذه المواجهات ما هي إلا تفريغ بسيط لغضب مكبوت منذ سنوات طويلة بسبب معاناة الإيجور من "التمييز" ضدهم سياسيا واقتصاديا ودينيا.
الشرور الثلاثة في الصين
في الأيام الأولى من اندلاع أعمال العنف في تركستان الشرقية بث التلفزيون الحكومي تقارير غزيرة عن قيام أشخاص من الإيجور بمهاجمة الهان بوحشية، بينما بث تقارير قليلة عن أعمال العنف التي ارتكبها الهان ضد الإيجور.وسارعت الحكومة إلى التعليق على هجمات الإيجور واصفة إياها بأنها نوع من الإرهاب حرض عليه مجموعة من "الأوغاد"، في إشارة إلى قيادات الإيجور المنفية في الخارج، وعلى رأسهم ربيعة قدير التي نفت مثل هذا الاتهام.
وبينما كانت قوات الأمن تنتشر بكثافة في أنحاء تركستان الشرقية، بثت السلطات تنويهات في وسائل الإعلام، ونشرت لافتات حمراء في الشوارع تحذر من الشرور الثلاثة (الإرهاب والانفصال والتطرف)، وهي نفس التحذيرات التي أطلقها موظفون تابعون لها عبر مكبرات صوت من فوق مركبات تجوب بهم شوارع الإقليم.
وهذه "الشرور الثلاثة" تقول بكين إنها خطوط حمراء لا تتسامح بأي حال من الأحوال مع من يقترب منها، وعلى هذا الأساس تبرر قبضتها الأمنية والسياسية والاقتصادية على تركستان الشرقية؛ حيث تدعي حمايتها من دعاة الانفصال والإرهاب.
وبعد أيام من بث هذه التقارير التي زادت من حدة غضب الإيجور، سعت الحملة الإعلامية الحكومية إلى إظهار "الانسجام والتواد" الذي يعيش فيه أبناء الأقليات في تركستان الشرقية، ومن ذلك الأغنية المشتركة بين أبناء الهان والإيجور التي ينشدون فيها: "نحن أبناء عائلة واحدة".
وضمت الصين تركستان الشرقية إلى أراضيها بشكل رسمي في عام 1949 بعد أن كانت دولة إسلامية مستقلة ضمن دول آسيا الوسطى، وأطلقت عليها اسم (شينجيانج)، أي الأرض الجديدة، وشجعت على انتقال الصينيين من عرقية الهان على نطاق واسع إليها لتحويلها للنمط الشيوعي الصيني خلافا للطابع الإسلامي السائد، ولتصبح لهم اليد العليا في السيطرة على ثرواتها العديدة.
وعلى هذا الأساس تنفجر المواجهات من فترة إلى أخرى بين الإيجور وقوات الأمن؛ حيث تتهم جماعات إيجورية بكين باتباع سياسة تمييز عنصري اقتصادي وديني ضد أبناء الإقليم من المسلمين (8 ملايين مسلم)، وتطالب باستقلاله عن الصين، وهو ما تعتبره الأخيرة خطا أحمر تقول إنها لن تسمح بحدوثه بأي حال.
ويتفق شيونج كونشين، أستاذ العرقيات في الجامعة المركزية للقوميات ببكين، مع وجهة نظر الحكومة في أن المواجهات الأخيرة مدفوعة بتحريض "إرهابي" خارجي، غير أنه يؤكد في ذات الوقت على أن "عوامل سياسية ودينية وثقافية تلعب دورا في إشعالها أيضا".
واستدل على ذلك بأن "بعض الحكام المحليين في شينجيانج لا يراعون الحساسية الثقافية لمسلمي الإقليم.. لقد شاهدت هذا بنفسي عندما زرت قرية في هوتان؛ حيث كانت السلطات الشيوعية في وقت سابق تجبر المزارعين المسلمين على تربية الخنازير لمجرد رغبتها في زيادة الإنتاج".
وعلى هذا الأساس حث شيونج حكومة بلاده على أن تعيد النظر في سياستها المتبعة في تركستان الشرقية، وإزاء الأقليات العرقية بشكل عام قائلا: "أنا متفائل بمستقبل الأقليات في الصين، ولكن يجب علينا ألا نغض الطرف عن جذور المشكلات والأزمات التي تعاني منها الأقليات على مدى عقود؛ لأن هذه استمرار المعاناة من هذه المشكلات بالتأكيد سينعكس على وضع الدولة ككل".
وحاليا تعد تركستان الشرقية أكبر إقليم في الصين، حيث تبلغ مساحته 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي نحو 17% من مساحة الصين الحالية، وبه ثروات نفطية وزراعية ومعادن نادرة؛ ما جعله أحد أقوى أعمدة الاقتصاد الصيني.
صورة بثها الإعلام الرسمي لعدد من الإيجوريين يرحبون بمسئول صيني خلال زيارته تركستان لمتابعة المواجهات، وعلى شاشة التلفاز يقف عدد من أبناء الهان الصينيين وأبناء مسلمي الإيجور جنبا إلى جانب، يتبادلون الابتسامات، ويرتدون زيا واحدا باللون الأصفر (اللون المميز للصين) يغنون أغنية واحدة تقول "نحن كلنا جزء من عائلة واحدة"، تاجر مسلم من الإيجور ينظر إلى المشهد الذي يبثه التلفزيون الحكومي طويلا بتعجب، ثم يقول: "أنا لا أصدق هؤلاء الناس.. بالتأكيد حصلوا على أموال لكي يقولوا هذا".
هذا المشهد التلفزيوني (الذي يجمع بين أبناء الهان ومسلمي الإيجور في أجواء ودية) هو أحد ملامح الحملة الإعلامية التي أطلقها التلفزيون الصيني فور اندلاع المواجهات العنيفة بين القوات الصينية في إقليم تركستان الشرقية (شينجيانج) بشمال غرب الصين وأفراد من عرقية الهان (العرق الغالب في الصين) من جهة، وبين الإيجور المسلمين (السكان الأصليين لتركستان الشرقية) من جهة أخرى في 5 يوليو الجاري، والتي أسفرت خلال أيام تالية عن مقتل 195 شخصا وجرح المئات، بحسب الرواية الرسمية.
وبحسب ما نقلته صحيفة "حريت ديلي نيوز" التركية عن وكالة "أسوشيتد برس" فإن بكين تريد من هذه الحملة الإعلامية أن تؤكد للرأي العام أن السبب الرئيسي وراء المواجهات ليس الاحتقان الشديد بين أبناء العرقيتين في تركستان الشرقية، ولا معاناة الإيجور مما يقولون إنه حرمانهم من التمتع بثروات وطنهم وإدارته رغم تمتعه بالحكم الذاتي، ولكن السبب هو "أقلية إرهابية مدعومة من الخارج تستهدف تشويه صورة الصين وقلقلة استقرارها".
لكن هذه الحملة يبدو أنها لم تصب هدفا بين أبناء الإيجور، حيث ما زالت صدورهم تغلي حنقا مما يقولون إنها انتهاكات يرتكبها ضدهم أبناء الهان على مدار عقود طويلة، خلال توليهم إدارة تركستان وثرواتها والمناصب الهامة بها. وما زال عدد كبير من الإيجور ينظرون إلى الهان على أنهم متطفلون قادمون إليهم من الخارج للسيطرة على بلدهم وثرواتهم، بحسب الصحيفة.
التعليقات
إرسال تعليقك