ملخص المقال
بريطانيا هي أكثر بلدان أوربا الغربية تغريرًا بالجاليات الإسلامية حيث رفعت شعار: بلاد الحرية من قبل، فقصدها كل مسلم مضطهد في وطنه الأصلي من أجل استنشاق رائحة الحرية وممارسة التدين دون قيود كما هو الحال في معظم بلاد الإسلام، ولكن تغير وضع الجاليات المسلمة في أوربا عامة وبريطانيا خاصة بوصول اليمين المسيحي المتطرف إلى سُدَّة الحكم في الولايات المتحدة، ومؤازرة الحكومات الأوربية ومنها البريطانية المتعاقبة له في عدوانه على بعض الأقطار الإسلامية عربية وغير عربية بذرائع واهية من قبيل ملاحقة تنظيم القاعدة، أو البحث عن أسلحة الدمار الشامل، أو محاربة الشمولية... إلى غير ذلك من التبريرات الواهية المتهافتة على إثر ما سمي أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وما شابهها من أحداث في بعض الأقطار الأوربية وغير الأوربية، والتي ما زالت الشكوك تحيط بها عند بعض الملاحظين؛ نظرًا لتلاحقها في ظرف حكم اليمين المسيحي المتطرف الذي قد يكون المخطط لها بدقة على الطريقة المافيوية، لكي تؤتي أُكُلها لزمن معين قدره هذا الحكم. ولم يعرف التاريخ المعاصر استغلال قضية أكبر من استغلال قضية ما يسمى محاربة الإرهاب؛ حيث عمدت كل الأنظمة في العالم الأول وحتى الثالث إلى ملفات الحركات الإسلامية لتصفيتها تحت هذه الذريعة. وبريطانيا حذت حذوها العديد من الدول في ما يتعلق بالتضييق على الجاليات الإسلامية التضييق غير المسبوق، فخرجت بذلك بريطانيا من فترة شعار بلاد الحرية إلى فترة شعار بلاد التضييق على الحرية. لقد سنَّت بريطانيا العديد من قوانين محاربة الإرهاب، ونصبت أجهزة المراقبة في كل حدب وصوب، وكادت أن تزرع في صدور الجاليات المسلمة أجهزة التنصت على دقات قلوبهم، بل كادت أن تنازع رب العزة سبحانه في معرفة خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ولقد صادرت أموال وحاجيات العديد من الجمعيات الخيرية الإسلامية على غرار ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية؛ بذريعة محاربة الخلايا الداعمة للإرهاب، فتبين بسبب ذلك التأويل البريطاني الأمريكي لما يسمى الإرهاب حيث ألصقت التهمة مباشرة بالإسلام، وعادت النظرة القروسطية العادئية للإسلام من جديد. وما زالت بريطانيا تستصدر القوانين المضيقة على الجاليات المسلمة من قبيل إغلاق أماكن العبادة، وأماكن الثقافة بدعوى عدم مشروعيتها وفق القوانين البريطانية، وكان آخر اختراع للتضييق على الإسلام في بلاد الحرية -يا حسرتاه!- إنشاء ما يسمى مجلس الشباب المسلم لمناهضة التطرف وإعادة إدماج هذا الشباب في المجتمع البريطاني. إن بلاد الحرية التي كانت تتبجح بحماية الأقليات واحترام دياناتها وخصوصياتها الثقافية، أصبحت تتحدث عن عملية الادماج، وهي في الحقيقة عملية مسخ هويات الجاليات، بحيث يفرض النموذج الثقافي البريطاني على هذه الجاليات؛ لأن المسئولين في بريطانيا يسعون إلى ترسيخ فكرة إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام في أذهان البريطانيين، بعدما أصبح البريطانيون يُقبِلون على هذا الدين الذي استقبل ممثلوه كلاجئين فارين من اضطهاد بلدانهم الأصلية، ليجدوا المناخ المناسب في بلاد الحرية من أجل التواصل مع البريطانيين الذين وجد بعضهم ضالتهم في الدين الإسلامي بعدما تعرفوا على حقيقته من خلال الاحتكاك بالجاليات المسلمة، وهو الأمر المقلق للحكومات الأوربية التي صارت تتبنى قرارات التضييق على الإسلام، الذي فرض نفسه بديلاً عن علمانية نشأت بين أحضان مسيحيات منقسمة على نفسها، مما جعل اليميني المتطرف منها يطفو على السطح ليحول العالم إلى بركان مضطرب من الصراعات العقدية. إن مجلس الشباب المسلم المناهض للتطرف هو صيغة جديدة من صيغ التضييق على المسلمين المهاجرين إلى بريطانيا بعد التغرير بهم بشعار بلاد الحرية، ومحاولة طمس معالم هويتهم وإرغامهم على استبدال جلودهم المسلمة بجلود مسيحية بذريعة الإدماج في المجتمع، ولربما جاءتنا من أوربا نماذج مختلفة للإسلام، ومنها النموذج البريطاني إلى جانب النموذج الفرنسي والهولندي... والقاسم المشترك بين هذه النماذج هو حماية أوربا من الاكتساح الإسلامي عن طريق الجاليات التي تمارس الدعوة بالحال قبل الدعوة بالمقال. والله أعلم بكيفية تلقف الدول الإسلامية لهذه البضاعة البريطانية، فنحن لا نستبعد أن تهب هذه الدول التي كانت وراء هجرات جالياتها إلى أوربا، ومنها بريطانيا؛ بسبب العسف والظلم لإرضاء دول أوربا على حساب جالياتها وعلى حساب الدين الإسلامي، لإظهار التعاون التام مع هذه الدول في مجال محاربة ما يسمى التطرف، دون البحث الجاد في الأفعال التي كانت وراء التطرف والإرهاب كردود أفعال لها. OujdaCity 17/11/2008م
التعليقات
إرسال تعليقك