التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
في الحرب الروسية العثمانية، تفوق الجيش الروسي تفوقًا كاملًا على الجيش العثماني، فكانت أسوأ هزائم الدولة العثمانية بل كانت بداية النهاية لتلك
بفعل ظروف دينيَّة وجغرافيَّة واقتصاديَّة أوصى القيصر الروسي بطرس الأكبر (1672- 1725م) في وصيَّته على ضرورة الصراع الحضاري ضدَّ العثمانيِّين إلى أن تنتهي الدولة العثمانية من الوجود تمامًا، لذلك أخذت روسيا في إثارة الحروب المتعدِّدة ضدَّ الدولة العثمانية، وأخذت تلتهم أجزاءً من أراضيها قطعةً بعد قطعة، أمَّا في الأماكن التي لم تستطع روسيا الاستيلاء عليها عملت على قيام دول مستقلَّة فيها مثل: رومانيا، وبلغاريا، والصرب.
وتنفيذًا لهذه السياسة الروسيَّة الهادفة إلى استنزاف الدولة العثمانية وإجهادها أعلنت الحرب عليها في عهد السلطان عبد الحميد الثاني والتي عُرفت في التاريخ بالحرب العثمانية الروسية، أو حرب 93.
ما قبل الحرب العثمانية الروسية
في سنة (1293ه= 1876م) جلس السلطان عبد الحميد الثاني على عرش الدولة العثمانية، ومنذ اليوم الأوَّل الذي ارتقى فيه على العرش كانت الدولة محفوفةً بالارتباكات الشديدة، والاضطرابات العديدة، والثورات الكثيرة المنتشرة بولاياتها في الصرب، والجبل الأسود، والبوسنة والهرسك، وبلغاريا.
ولذا أرسل السلطان عبد الحميد جنوده لإخماد هذه الثورات، وهو الأمر الذي جعل أمير الصرب بعد الهزيمة يطلب من الدول الأوروبِّيَّة التدخل والتوسُّط في الصلح.
اتَّفقت الدول الأوروبِّيَّة على التضييق على الدولة العثمانيَّة وإجبارها سياسيًّا على قبول مهادنة الصرب، وكان ذلك مرَّةً بالنصائح المؤلمة وتارةً بالتهديد، وبالفعل وافق السلطان عبد الحميد على عقد هدنة ولكن بشروط، منها:
خضوع أمير الصرب للدولة العثمانية ودفعه غرامة حربيَّة، الأمر الذي أدَّى إلى التدخُّل من القيصر الروسي منفردًا طالبًا من السلطان عبد الحميد ضرورة عقد هدنةٍ لمدَّة شهرين دون شروط، فوافق السلطان على ذلك.
استاءت إنجلترا من تصرُّف القيصر الروسي، لذلك وجَّه وزير خارجيَّتها اللورد دربي دعوةً للدول الأوروبِّيَّة الكبرى لعقد مؤتمر في إسطنبول، ووضعت عدَّة ثوابت، منها: وقف الحرب مع الصرب، واستقلال سيادة الدولة العثمانية.
ووافقت الدول الأوروبية على هذه الثوابت، إلَّا أنَّ القيصر الروسي بعد اضطراره للموافقة حذَّر بأنَّه سيلجأ إلى القوَّة إذا فشل المؤتمر، ولكن سبقت المؤتمر اجتماعات جانبيَّة عُقِدت في دار السفارة الروسيَّة من دون دعوة الوفد العثماني، ووُضِعَت خلال هذه الاجتماعات عدَّة اقتراحات لعرضها على المؤتمر [1]، فوصفت الدولة العثمانيَّة هذه الاقتراحات بأنَّها تمسُّ سيادتها وحقوقها، وبالتالي رفضتها رسميًّا.
أسباب الحرب العثمانية الروسية
انفضَّ مؤتمر إسطنبول دون أن يُنجز شيئًا، لكن انفضاضه على هذا الشكل أدَّى إلى قطع العلاقات بين الدولة العثمانية والدول الأوروبِّيَّة، وراحت كلُّ دولةٍ تتصرَّف وَفقًا لمصلحتها، وبخاصَّةٍ روسيا التي رأت أنَّ الحرب هي الحلُّ المتبقِّي لتأمين مصالحها، ومِنْ ثَمَّ أخذت تستعدُّ للحرب دبلوماسيًّا وعسكريًّا.
فعقدت معاهدةً مع النمسا تضمن لها حيادها في الحرب، ومعاهدةً أخرى مع رومانيا نصَّت على مشاركتها لها في الحرب، و-أيضًا- أرسلت روسيا مندوبها أجناتيف إلى الدول الأوروبِّيَّة فعقد بينهم ما عُرِف باسم بروتوكول لندن، حدَّدوا فيه بعض المطالب [2] وأرسلوها إلى السلطان عبد الحميد الثاني، الذي عرضها بدوره على مجلس المبعوثان فرفضها المجلس، ومِنْ ثَمَّ أبلغ السلطان العثماني قرار الرفض إلى الدول الأوروبِّيَّة.
أحداث الحرب العثمانية الروسية
لم يسع القيصر الروسي إسكندر الثاني بعد هذا الرفض العثماني وعدم الانصياع الكامل إلى طلبات الدول الأوروبِّيَّة إلَّا إعلان الحرب على الدولة العثمانية، وأمر قوَّاته بالتحرُّك في (10 ربيع الآخر 1294ه= 24 أبريل 1877م)، فعبرت القوَّات الروسيَّة الأراضيَ الرومانية في طريقها على نهر الدانوب لعبوره واكتساح الأراضي العثمانيَّة، وأعلنت رومانيا اشتراكها في الحرب إلى جانب القوَّات الروسيَّة، واستطاعت القوَّات المتحالفة عبور نهر الدانوب في (15 جمادى 1294ه= 27 مايو 1877م).
انضمَّت قوَّات الصرب والجبل الأسود هي الأخرى إلى القوَّات الروسيَّة والرومانيَّة، وبذلك أصبحت الدولة العثمانيَّة وحيدةً تواجه تكتُّلًا دُوَليًّا، وقد اتَّخذ هذا الصراع الحربي سمةً صليبيَّةً منذ اليوم الأوَّل لاندلاع القتال؛ إذ ركَّز الحلفاء على قصف الأحياء المسلمة في المدن التي اقتحموها وقاتلوا سكَّانها، ممَّا دفع شيخ الإسلام إلى إصدار فتوى تضمَّنت فرض القتال على كلِّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ قادر.
أحرزت الجيوش الروسيَّة انتصارات سريعة؛ فاستولت على مدينة ترنوفو، ونيقوبولي، ومضائق البلقان، ثم واصلت تقدُّمها إلى مدينة بلفنة، وعند هذه المدينة نجح القائد العثماني عثمان باشا في وقف التقدُّم الروسي قرابة خمسة أشهر على الرغم من الحصار الشديد الذي فرضه القائد الروسي تودلبن على المدينة، ولكن بعد سقوط بلفنة وجَّهت روسيا جيوشها إلى ما وراء جبال البلقان للإغارة على بلغاريا، ثم بمساعدة ثوار الجبل الأسود احتلَّت مدينة صوفيا، واندفعت بعد ذلك إلى إسطنبول دون أن تجد مقاومةً تُذكر.
في الوقت نفسه شقَّ "سكوبليف" -أبرع القادة الروس- طريقه إلى أدرنة، واستولى عليها وسط تقهقر الجيوش العثمانيَّة وانسحابها من كلِّ مكان، كما استولى الصربيُّون والرومانيُّون على بعض المدن، مثل مدينة نيش وفيدين، في الوقت الذي سيطر فيه اليونانيُّون على تساليا من دون إعلان حرب، هذا وقد انتصر الروس على طول خطِّ الجبهة في آسيا؛ فسقطت بعض الحصون في أيديهم، مثل: قارص، وأردهان، وأرضوم، حتى أنَّ أرمينيا بكاملها سقطت في أيديهم.
نتائج الحرب العثمانية الروسية
في شهر (المحرم 1295هـ= يناير 1877م) اقتربت القوَّات الروسيَّة من مشارف إسطنبول، وشاهد الجنود الروس مآذن ومساجد العاصمة، وأمام هذه الكارثة طلب السلطان عبد الحميد الثاني من روسيا وقف إطلاق النار وإبرام هدنة، وبدأت روسيا بالفعل بإجراء مفاوضات الصلح في أدرنة مع الحكومة العثمانيَّة، ثم نُقِلت هذه المفاوضات إلى سان ستيفانو [3]، وتمخَّض عنها معاهدة سان ستيفانو في (28 صفر 1295ه= 3 مارس 1877م)، وهي أكثر المعاهدات ضررًا بالدولة العثمانية، أملتها دولة منتصرة على دولة منهزمة، وعلى قدر حجم الهزيمة كان حجم الخسائر السياسيَّة والمادِّيَّة [4].
[1] الاقتراحات هي: 1- تقسيم بلاد بلغاريا إلى ولايتين، ويُعيَّن على كلٍّ منها حاكمٌ نصراني، أجنبي أومن رعايا الدولة العثمانية. 2- تشكيل قوَّة من النصارى لحفظ الأمن على أن يكون ضبَّاطها منهم ومن المسلمين تُعيِّنهم الدولة العثمانية. 3- توحيد ولايتي البوسنة والهرسك على أن يُعيَّن عليها حاكمٌ من قِبَل الدولة العثمانية، وتُوافق عليه الدول الأوروبِّيَّة، ويُطبَّق عليها ما يُطبَّق على بلاد البلغار. 4- تتنازل الدولة العثمانية بعد عقد الصلح مع الصرب والجبل الأسود لهما عن بعض الأراضي. 5- إذا لم تقبل الدولة العثمانية هذه الاقتراحات فسوف ينسحب الأعضاء من إسطنبول ويقطعون علاقة دولهم بها.
[2] البرتوكول: هو عبارة عن إنذار من الجماعة الدولية للسلطان العثماني يُطالب بوضع ترتيبات مناسبة تتعلَّق بتحسين أوضاع النصارى في الأراضي العثمانية، وإجراء إصلاحات في البوسنة والهرسك وبلغاريا، وعقد صلح مع الجبل الأسود على أساس منح الإقليم إضافات إقليمية يُطالب بها، مع تأكيد الصلح الذي عقده السلطان العثماني مع الصرب، وإجراء إصلاحات في هذين الإقليمين لتطمئنَّ نفوس سكانهما، وتخفيض عدد القوات العثمانية فيهما، على أن تُراقب الدول الأوروبية تنفيذ هذه الإجراءات بواسطة سفرائها.
[3] سان ستيفانو: هي قرية صغيرة على بحر مرمرة، تبعد عشر أميال عن العاصمة إسطنبول.
[4] محمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، دار النفائس، الطبعة الثالثة، 1434هـ= 2013م، ص423- 435، وانظر: محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1401هـ= 1981م، ص 587- 647، وإسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، مطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ، 1/ 728- 738، وعلى حسون: تاريخ الدولة العثمانية، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1415= 1994م، ص229- 235، ومحمد حرب: السلطان عبد الحميد الثاني، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1410ه= 1990م،ص140- 146.
التعليقات
إرسال تعليقك