التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كان اتِّخاذ القسطنطينيَّة عاصمةً للدولة العثمانيَّة خطوةً كبيرةً حقَّقت عددًا من المصالح دفعةً واحدة.
بعد استقرار الأوضاع، وهدوء المنطقة، واستتباب الأمن في القسطنطينية وضواحيها، وتغيير اسم القسطنطينيَّة إلى إسطنبول، وعودة السلطان محمد الفاتح إلى أدرنة، قرَّر السلطان إعلان إسطنبول عاصمةً للدولة قائلًا: «من الآن ستكون إسطنبول عاصمتي»[1]. كان هذا الإعلان مبكِّرًا جدًّا؛ أي في سنة 1453م نفسها[2]، ومع ذلك فقد تطلَّب الانتقال الفعلي إليها كعاصمةٍ عدَّة سنوات، وهذا التأخير في الانتقال كان بغرض الإعداد الكامل للمدينة لتكون مناسبةً لعاصمة الدولة العثمانية، ولعلَّه -أيضًا- للاطمئنان على أنَّه ليست هناك ردود فعلٍ عنيفةٍ من أوروبَّا يُمكن أن تُؤثِّر على الأمن في القسطنطينيَّة.
كان اتِّخاذ القسطنطينيَّة عاصمةً للدولة العثمانيَّة خطوةً كبيرةً حقَّقت عددًا من المصالح دفعةً واحدة.
فعلى المستوى العسكري صارت عاصمة الدولة العثمانيَّة هي أحصن مدينةٍ في العالم آنذاك، ولا يوجد جيشٌ على المستوى العالمي في هذا التوقيت يستطيع اختراق أسوارها وتحصيناتها، وإذا كنَّا قد رأينا أنَّ سبعة آلاف مقاتلٍ قد استطاعوا مقاومة الجيش العثماني الضخم لمدَّة أربعةٍ وخمسين يومًا متَّصلة، فكيف إذا وفَّر العثمانيُّون جيشًا من عشرات الآلاف من الجنود لحماية العاصمة؟ إنَّ اختراقها حينئذٍ يُصبح ضربًا من الخيال، خاصَّةً أنَّ جيوش العالم آنذاك لا تملك المدفعيَّة التي يمتلكها الجيش العثماني.
وعلى المستوى الاستراتيجي فإنَّ كون القسطنطينيَّة عاصمة الدولة سيجعل القوَّات العسكريَّة، سواءٌ البرِّيَّة أم البحريَّة، تتخذها قاعدةً أساسيَّةً من قواعدها، بل ستكون هي أهمُّ القواعد مطلقًا، وهذا سيُوفِّر حمايةً مطلقةً للمضايق البحريَّة: الدردنيل والبوسفور، وهذا بدوره يُعطي تحكُّمًا كاملًا في البحر الأسود، وسيتبع هذا استراتيجيًّا عدَّة فوائد، منها سهولة الانطلاق إلى شبه جزيرة القرم شمال البحر الأسود، والتعامل العسكري مع مستعمرات چنوة هناك، وكذلك يُعطي إمكانيَّة التوسُّع شمالًا في روسيا وأوكرانيا، وسهولة الوصول إلى بولندا وليتوانيا، وهم أعداءٌ قدماءٌ من أيَّام موقعة ڤارنا، وكذلك يُعطي الفرصة للوصول إلى مملكة طرابزون البيزنطيَّة في شمال الأناضول؛ لأنَّ الوصول إليها برًّا عسيرٌ لكونها محاطة بالجبال، وأيضًا يُمكن من البحر الأسود الوصول إلي چورچيا وقفقاسيا ومناطق غرب آسيا، فهذه كلُّها مصالح استراتيجيَّة لا تُقدَّر بثمن.
وعلى المستوى الدبلوماسي فإنَّ اتِّخاذ القسطنطينيَّة عاصمةً للدولة العثمانيَّة يُعطي أُبَّهةً وفخامةً قلَّ أن يوجد مثلها في العالم؛ فالزخم التاريخي للمدينة معروف، والقصور والأبنية والتحصينات فيها باهرة، وما أعظم أن يتجوَّل السفراء في شوارعها الواسعة، ومروجها الفسيحة، وهم في طريقهم إلى القصر الحاكم لمقابلة السلطان!
وعلى المستوى النفسي فإنَّ كون القسطنطينيَّة عاصمة الدولة سيُضْعِف من همَّة الراغبين في الانقلاب عليها، ولا أعني بذلك اليونانيِّين أو البيزنطيِّين فقط، بل كل النصارى في البلقان الواسع؛ فإنَّ هيبة السيطرة على هذه المدينة الحصينة بكلِّ إمكاناتها وتحويلها إلى عاصمةٍ للدولة سيجعل ما دونها يرضخ للأمر الواقع.
وعلى المستوى الاقتصادي سيَحدُث انتعاشٌ ملحوظٌ في المدينة الكبيرة؛ لأنَّ تحويلها إلى عاصمةٍ سيجذب إليها الشركات والهيئات التجاريَّة الكبرى في العالم، وستعود إلى المدينة أهميَّتها كوسيطٍ بين الشرق والغرب، وهذا كلُّه سيعود بالنفع الاقتصادي على الدولة.
وعلى المستوى الاجتماعي هناك فائدةٌ كبرى ستتحقَّق، وهي فائدة تغيُّر ديموجرافيَّة السكان في المدينة لصالح المسلمين، فجُّل سكان المدينة الآن من اليونانيِّين الأرثوذكس، وتحويل المدينة إلى عاصمةٍ للدولة العثمانيَّة سينقل إليها بالتبعيَّة دواليب الحكومة المختلفة، وستأتي العائلات الكبرى والموظفون بأعدادٍ غفيرةٍ إلى المدينة، وكذلك ستجذب المدينةُ التجارَ، والزرَّاع، والصنَّاع، وكلَّ المهن والحرف التي تتعامل مع الجهاز الحكومي الكبير، فضلًا عن الجند الكثيف وعائلاتهم. كلُّ هذا سيُؤدِّي إلى أسلمة المدينة بشكلٍ طبيعيٍّ وسريع، وهذه الأسلمة هي أفضل وسائل تأمين المدينة، فزيادة نسبة السكان النصارى في المدينة عن نسبة المسلمين سيجعلها عُرْضَةً على الدوام للقلاقل والاضطرابات، أو حتى للضياع من يد الدولة العثمانيَّة، أمَّا الاستيطان الإسلامي في المدينة فهو الضامن الأكبر لبقاء المدينة في حوزة الدولة العثمانيَّة.
وأخيرًا فإنَّ هناك فوائد قصوى على المستوى الأيديولوچي، وعلى مستوى الرؤية المستقبليَّة للدولة العثمانيَّة، ويُمكن هنا أن نذكر ثلاث فوائد أيديولوچيَّة كبيرة؛ أمَّا الأولى فهي أنَّ من يمتلك القسطنطينيَّة يحقُّ له -على الأقل من الناحية النظريَّة- أن يُطالب بكلِّ أملاك الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، ومن الناحية التاريخيَّة فهذه أملاكٌ واسعةٌ جدُّا تصل إلى إيطاليا غربًا، وإلى الشام شرقًا، بل تشمل شمال إفريقيا، وهذا الفهم لم يكن مستغربًا في هذا التوقيت؛ بل إنَّ أحد الفلاسفة البيزنطيِّين المعاصرين للسلطان محمد الفاتح -وهو چورچ طرابيزونتيوس George Trapezuntios- في هذا التوقيت خاطبه بقوله: «لا يشَكَّ أحدٌ في أنَّك إمبراطور الرومان. إنَّ الذي يحكم عاصمة الإمبراطوريَّة هو الإمبراطور، والقسطنطينيَّة هي عاصمة الإمبراطوريَّة الرومانيَّة»[3]! وسنأتي لاحقًا في الباب القادم إلى تحليلٍ أكبر لهذه المقولة، ولكن الشاهد هنا أنَّ الفيلسوف البيزنطي ربط مطالبة السلطان الفاتح بأملاك الإمبراطوريَّة الرومانيَّة بكونه حاكمًا لعاصمة هذه الإمبراطوريَّة، وهذا الأمر استفاد منه الفاتح أفضل استفادة. هذه هي الفائدة الأيديولوچيَّة الأولى، أمَّا الفائدة الثانية فهي لا تقلُّ أهميَّةً عن الأولى، وهي أنَّ قدرة العثمانيِّين على فتح القسطنطينيَّة وتحويلها إلى عاصمةٍ لهم جعلهم الوحيدين على مرِّ التاريخ الذين حقَّقوا الحلم الإسلامي القديم، الذي ينتظره المسلمون مع هذه المدينة على وجه التحديد؛ لكون الرسول ﷺ بشَّر بذلك، ولم يكن تكرار المحاولات لفتح المدينة الحصينة إلَّا انطلاقًا من هذه البشرى العظيمة؛ فالكلُّ يُحاول أن ينال شرف تحقيقها، والآن بعد تمكُّن العثمانيِّين من ذلك سيكون لهم شأنٌ مختلفٌ في الأمَّة الإسلاميَّة، ومن المفترض أن يكونوا روَّادًا أو قادةً في هذا الوضع الجديد، وتكون حركتهم وتعاملاتهم من هذا المنطلق، وسنرى في الفصل القادم أنَّ الفاتح في خطاباته للأمَّة الإسلاميَّة بعد فتح القسطنطينيَّة يلفت النظر إلى هذه النقطة بشكلٍ غير مباشر؛ وذلك تمهيدًا لأن يتحدَّث بها اللاحقون له بشكلٍ مباشرٍ وصريح. أمَّا الفائدة الأيديولوچيَّة الثالثة فهي ظهور بدايات تحويل الكيان العثماني من «دولةٍ» إلى «إمبراطوريَّة»، وسنُفرد مساحةً كبيرةً للحديث عن هذه النقطة في باب قادم بإذن الله، لكن في هذه العجالة نذكر أنَّ الدولة العثمانيَّة قبل فتح القسطنطينيَّة كانت دولةً غير مستقرَّةٍ تعيش على الجهاد اللحظي في الاتِّجاه الذي تفرضه الظروف السياسيَّة في العالم، وكانت دومًا تجعل عاصمتها على حدودها الملتهبة؛ وذلك لأنَّ هذه الحدود تشهد كثافةً عسكريَّةً كبيرةً لجنودها، فكانت عاصمتها في البداية بورصا في أقصى حدودها الغربيَّة، ولمـَّا توسَّعت غربًا بشكلٍ أكبر جعلت عاصمتها أدرنة، وهي المدينة الموجودة في أقصى حدودها الغربيَّة، ولو ظلَّت على الفكر نفسه لكان من المتوقَّع أن تنقل العاصمة مستقبلًا إلى نقطة حدوديَّة غربيَّة تُساعدها على استمرار التوسُّع غربًا، لكن نظام الإمبراطوريَّة يختلف عن نظام الدولة؛ فالإمبراطوريَّة كبيرة وواسعة ومستقرَّة، ولها مستقبلٌ عريضٌ لا يرتبط بالتوسُّع الحربي المستمر، وبالتالي تكون عاصمتها في المعتاد في وسط الدولة وليس على حدودها، وستكون لها جيوشٌ كبرى تُقاتل في الشرق والغرب على حدٍّ سواء دون الحاجة إلى تكثيف الجند في مكانٍ دون آخر. هذا التغيُّر الأيديولوچي له تطبيقاته الكثيرة، ولقد كان واضحًا منذ الخطوات الأولى للفاتح أنَّ هذه الأمور لم تكن عشوائيَّةً في حياته، بل كانت كلُّها مقصودة، وهو يسعى إلى تطبيق هذه الرؤية الإمبراطوريَّة بشكلٍ حاسمٍ وواضح، وهذا هو الذي أدَّى إلى نجاحه الكبير؛ فوضوح الهدف هو أوَّل متطلبات النجاح.
إذا كانت هذه هي الفوائد الكبرى لتحويل القسطنطينيَّة إلى عاصمةٍ للدولة العثمانيَّة فلا ينبغي أن يكون هذا التحوُّل ضعيفًا أو فاشلًا، بمعنى أنَّ هناك إجراءات كثيرة لا بُدَّ أن تُتَّخذ لكي تُصبح المدينة قادرةً على أداء هذه المهامِّ الضخمة، وكان السلطان الفاتح جادًّا في متابعة هذه الإجراءات لكي تنتهي على الوجه الأكمل، ويُمكن الحديث عن هذه الإجراءات من خلال النقاط التالية:
أوَّلاً: تأمين المدينة:
ذكرنا قبل ذلك أنَّ السلطان ترك فرقةً من الإنكشارية لحماية المدينة، ولكن هذا لم يكن كافيًّا في ظلِّ التصدُّع الكبير الذي عانت منه تحصينات المدينة أثناء الحصار، ولذلك أمر السلطان الفاتح واليه الجديد سليمان بسرعة إصلاح الأسوار والأبراج التي تهدَّمت[4].
كان هذا العمل فوريًّا، لكنَّه في رأي الفاتح لم يكن كافيًا لتأمين المدينة، ولذلك فقد وضع خطَّةً لزيادة التأمين عن طريق بناء ثلاث قلاعٍ مهمَّة، فكانت الأولى هي قلعة الأبراج السبعة على بحر مرمرة في الناحية الجنوبيَّة الغربيَّة من المدينة، وهي في الواقع إعادة إعمار، وبناء، وزيادة، لقلعةٍ بيزنطيَّةٍ قديمةٍ في المنطقة، وقد تمَّ ذلك في عام 1457م[5]، أمَّا الثانية والثالثة فهما أهمُّ بكثيرٍ من هذه القلعة، وهما قلعتا جنق قلعة Canakkale على البر الآسيوي من مضيق الدردنيل، وكِليد البحر Kilitbahir؛ أي قفل البحر Lock of the sea، على البرِّ الأوروبِّي من المضيق نفسه، وقد انتهى بناؤهما في عام 1463م، ليقوما بذلك بالسيطرة التامَّة على مضيق الدردنيل[6]، وهما يقومان بالدور نفسه الذي تقوم به قلعتا روملي حصار وأناضولو حصار على مضيق البوسفور، وبهذا يكون تأمين الطرق البحريَّة المؤدِّية إلى القسطنطينيَّة -سواءٌ من البحر الأسود، أم من بحر إيجة- قد اكتمل بنجاح.
ثانيًا: إعادة إعمار المدينة بالسكان:
خلال القرن العاشر الميلادي -أي قبل الفتح بخمسة قرون- كان تعداد سكان القسطنطينيَّة يبلغ نصف مليون نسمة[7]، وقد هبط هذا الرقم قبيل الفتح إلى حوالي خمسين ألف مواطن فقط؛ وذلك لأسباب كثيرة، ومعنى هذا أنَّ المدينة صارت خاوية؛ فالمدينة التي كانت تستوعب نصف مليون بشكلٍ طبيعيٍّ غير متكدِّسٍ صارت لا تحوي إلَّا عشرة بالمائة فقط من هذا التعداد، بما يعني أنَّ تسعين بالمائة من إمكانات المدينة صارت معطَّلة، وكان الفاتح يُريد لهذه العاصمة الجديدة أن تكون من أكبر مدن أوروبَّا والعالم من ناحية المساحة وعدد السكان، خاصَّةً إذا كان هؤلاء السكان منتجين، فعندها تكون العاصمة قويَّة بحق.
يقول كريتوبولوس: «إنَّ السلطان محمدًا الفاتح جعل المهمَّة الأعظم لوالي المدينة سليمان بك هي إعادة إعمار المدينة بالسكان، وأوصاه أن يكون في غاية الحماسة لهذا العمل»[8]، ولم يكتفِ السلطان بذلك؛ إنَّما أرسل أوامر سلطانيَّة إلى مختلف أجزاء الدولة يحضُّ فيها الولاة على توجيه أكبر عددٍ من المواطنين للسكنى في القسطنطينيَّة، ولا يُشترط في هؤلاء السكان دينٌ معيَّن؛ بل يجب تشجيع المسلمين، والنصارى، واليهود جميعًا دون تفرقة[9]، وكان الفاتح يتعامل مع كلِّ المواطنين بلا أيِّ نوعٍ من الحساسية، لدرجة أنَّه لم يكن يُمانع من أن يأتي اليونانيُّون أنفسهم ليسكنوا في القسطنطينيَّة، ولا يخشى من كونهم قد يُمثِّلون ضررًا مستقبلًا لشعورهم بأنَّ المدينة مدينتهم في الأصل. لقد كان واثقًا من نفسه وإدارته، وكان لا يكتفي بدعوة اليونانيِّين إلى السكن في القسطنطينيَّة، بل يَعِدُ بإعطائهم أراضٍ على ساحل البحر، ويعفيهم من الضرائب لمددٍ معيَّنة[10]. نتيجة هذه الجهود نجحت الحكومة العثمانيَّة في نقل حوالي خمسة آلاف أسرة من كافَّة أرجاء الدولة العثمانيَّة إلى القسطنطينيَّة قبل شهر سبتمبر من سنة الفتح نفسها 1453م[11]، وكان الفاتح مشغولًا جدًّا بهذه المسألة؛ حتى إنَّه عاد إلى إسطنبول في خريف هذه السنة ليطمئنَّ بنفسه على إجراءات إعادة إعمار المدينة[12]. ولم تكن هذه السياسة خاصَّةً بهذه المرحلة فقط؛ بل استمرَّت طيلة عهد الفاتح رحمه الله، وكانت النتيجة أن ارتفع عدد السكان في العاصمة إلى أكثر من مائة ألف مواطنٍ عام 1478م[13]؛ أي بعد الفتح بخمسةٍ وعشرين عامًا، وهذا معدَّلٌ كبيرٌ من معدلات الزيادة السكانيَّة ممَّا يُشير إلى نجاح السياسات التي استخدمها الفاتح في هذا الشأن، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ عددًا كبيرًا من أهل إسطنبول ماتوا في طاعون أصاب المدينة عام 1467م[14]. وينبغي أن نُلاحظ -أيضًا- أنَّ «أسلمة» المدينة كانت تسير بشكلٍ ناجحٍ كذلك؛ فنسبة المسلمين في المدينة في إحصاء 1478م هي 58%، ونسبة النصارى 32%، بينما بلغت نسبة اليهود 10%[15]، وهذه الإحصائيَّات تردُّ على مَنْ يدَّعي أنَّ الفاتح أرغم بعض النصارى على السكن في إسطنبول؛ لأنَّه من الواضح أنَّ معظم المهاجرين إليها كانوا من المسلمين، وهذا ما رفع نسبة تواجدهم في المدينة من لا شيء في عام 1453م إلى 58% في عام 1478م.
ليس هذا فقط، بل قام السلطان محمد الفاتح بتخطيط أعدادٍ كبيرةٍ من القرى المجاورة لمدينة القسطنطينيَّة لتوفير مناطق زراعيَّة كبيرة يُمكن أن تخدم المدينة، وتُوفِّر لها وللدولة الخضروات والفواكة والحبوب اللازمة، وقد جرى تسكين أفواجٍ من المماليك، والسجناء، والأسرى، بالإضافة إلى الفلاحين الراغبين في ذلك في هذه القرى[16]، ومن الجدير بالذكر هنا أن نُشير إلى أنَّ الفاتح قد دفع الأسرى للعمل في هذه القرى، وكذلك في القسطنطينيَّة، في مقابل أجرٍ مادِّي، وهذا الأجر المادِّي كان يُستخدم في دفع الفدية لهم لفكِّ أَسْرِهم[17]، فكان بذلك يُحقِّق المصلحة المشتركة للطرفين: فالدولة تستفيد بعمل الأسير، والأسير ينال حريَّته!
ثالثًا: السعي إلى استقرار الأرثوذكس:
كان غالب سكان مدينة القسطنطينيَّة بعد استقرار الأوضاع بعد فتحها من الأرثوذكس، ولم يكن المسلمون قد هاجروا إلى المدينة بعد، ومِنْ ثَمَّ كانت إحدى أهم الوسائل في استقرار المدينة أمنيًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا هو السعي لاستقرار السكان الأرثوذكس أنفسهم، كما أنَّ الشريعة الإسلاميَّة تقضي بأن يترك الحاكم المسلم شأنَ الأمور الدينيَّة والاجتماعيَّة لغير المسلمين إلى قيادتهم الدينيَّة، فيتحاكمون إلى شريعتهم وأعرافهم دون الحاجة إلى التقيُّد بأحكام الإسلام، ومن هنا كان سعي الفاتح لاستقرار منظومة الأرثوذكس في المدينة تحت قيادةٍ دينيَّةٍ يرتضونها.
كان كرسي البطريركيَّة الأرثوذكسي شاغرًا في القسطنطينيَّة منذ عام 1451م[18]، وذلك منذ أيَّام الخلاف الكبير الذي ظهر في المدينة بين قياداتها الدينيَّة والسياسيَّة بسبب فكرة دمج الكنيسة الأرثوذكسيَّة مع نظيرتها الكاثوليكيَّة تحت رعاية بابا الڤاتيكان، وذلك في مقابل تقديم الكاثوليك للدعم العسكري والمالي للقسطنطينيَّة ضدَّ العثمانيِّين، وكان الإمبراطور قُسطنطين الحادي عشر داعمًا لهذا الاتِّجاه بقوَّة، ممَّا أدَّى إلى عزوف القيادات الدينيَّة الأرثوذكسيَّة عن المشاركة في الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة، وبالتالي خلا كرسي البطريركيَّة في القسطنطينيَّة من القيادة[19]. أمَّا الشعب البيزنطيي اليوناني فكان مع قيادته الدينيَّة قلبًا وقالبًا، وكانوا يكرهون بابا الڤاتيكان الكاثوليكي كراهيةً شديدة، وكانوا يعدُّونه أكبر أعداء الصليب، وبل كانوا يُكْثِرون من إطلاق اسمه على كلابهم لزيادة تحقيره[20]!
إذا كان الوضع كذلك فإن أفضل ما يُمكن أن يضمن استقرار الأرثوذكس هو تولية كرسي البطريركيَّة لأحد المعارضين لفكرة دمج الكنيستين. سأل الفاتح عن أقوى الرموز المعارضة لفكرة الدمج فعرف أنَّه القس چورچ سكولاريوس George Scholarius، وكان قد أُسِر دون أن يعرف أحدٌ هويَّته، وهو حاليًّا في حوزة أحد التجَّار في أدرنة.
أرسل السلطان الفاتح فورًا مبعوثيه إلى بيت التاجر، وافتدى القس الأرثوذكسي بالمال، وعادوا به إلى القسطنطينيَّة في غضون أيَّامٍ قلائل[21][22].
كان الفاتح يُحقِّق أهدافًا عدَّة بهذه الخطوة؛ فهو أوَّلًا يُحقِّق مضمون الشريعة بتوفير قيادة دينيَّة تتولَّى شئون الرعايا غير المسلمين في الدولة، وثانيًا هو يكسب ودَّ الشعب البيزنطي الذي تعود إليه قيادته الدينيَّة المحبَّبة، وثالثًا هو يُنهي بذلك الوجود الأوروبِّي الغربي في القسطنطينيَّة، فلن يجد البابا الكاثوليكي عونًا له في القسطنطينيَّة بعد هذه الخطوة.
لم يُرِد الفاتح أن يفرض رأيه على الكنيسة النصرانيَّة، فترك لرجال الإكليروس (Clergy) اختيار البطريرك الذي يُريدونه عن طريق الانتخاب، وبالمراسم نفسها التي ينتهجونها في تاريخهم، وفي ظلِّ وجود چورچ سكولاريوس بينهم اختير بصفته أكبر المعارضين لفكرة اندماج الكنيستين، وتسمَّى البطريرك بعد ولايته باسم چناديوس Gennadius[23].
هذا الذي فعله السلطان الفاتح ليس غريبًا على التاريخ الإسلامي، بل فعله الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما فتح مصر عام (640م= 19هـ) في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد بحث عن بطريرك الأرثوذكس المصري المختفي عن أعين الرومان، وهو القسُّ بنيامين Pope Benjamin I، ومِنْ ثَمَّ أعاده إلى مركزه في قيادة الكنيسة المصريَّة[24].
أراد الفاتح أن يستغلَّ الحدث في إبراز تعاطفه مع الشعب البيزنطي، وتقديره لقيادته، فقام بإهداء چيناديوس حصانًا أبيض من حظيرة السلطان، وطاف البطريرك في شوارع القسطنطينيَّة بهذا الحصان الملكي، ونُصِّب رسميًّا في يناير 1454م بالمراسم التقليديَّة نفسها التي اعتاد عليها الأرثوذكس[25]. حضر السلطان الفاتح هذه المراسم، وقام بوضع التاج على رأس البطريرك بنفسه، وسلَّمه عصا البطاركة، وقال له أمام الحضور: «كن بطريركًا لأمَّتك، وليحفظك المولى، ويجب عليك في جميع الأحوال أن تتأكَّد من محبَّتي، وخلوص طويَّتي إليك، وتتمتَّع بالمزايا التي كان يتمتَّع بها أسلافك من قبل»[26].
لم يكن هذا الاحتفال السلطاني شكليًّا فقط؛ إنَّما صاحبته تطبيقاتٌ عمليَّةٌ مهمَّةٌ جعلت هذا المنصب ذا قيمة، كما وفَّرت عوامل الأمان والسكينة في المجتمع الأرثوذكسي بشكلٍ خاص، وفي مجتمع القسطنطينيَّة بشكلٍ عامٍّ، بل في المجتمع العثماني كلِّه بشكلٍ أعمَّ وأوسع. كان من هذه التطبيقات رعاية كلِّ الشئون الدينيَّة والاجتماعيَّة الخاصَّة بالأرثوذكس في المدينة وفقًا لشريعتهم[27]، وكان منها الحقُّ في الحكم في القضايا المدنيَّة، بل الجنائيَّة، بين النصارى طالما أنَّ المسلمين ليسوا طرفًا في القضيَّة، فإن كان فيها مسلمٌ كان النظر عند المحاكم الشرعيَّة العثمانيَّة[28][29]، وكان منها إعطاء الكنيسة الحقَّ في فرض ضرائب على النصارى لدعم خدمات الكنيسة والمدارس النصرانيَّة[30]، وكان منها إعفاء رجال الدين المسيحي كلِّهم من الضرائب كلِّها[31]، بل كان منها توفير سجنٍ خاصٍّ للبطريركيَّة في إسطنبول تستخدمه في تنفيذ الأحكام التي تراها مناسبةً على رعاياها النصارى[32]. لقد علَّق المؤرِّخ الأميركي چاستين مكارثي Justin Mccarthy على هذه المزايا بقوله: «يُمكن القول: إنَّ الكنيسة حازت من قِبَل السلطان محمد الفاتح على سلطاتٍ أكبر ممَّا سُمِح به من قِبَل الأباطرة البيزنطيِّين من خلال النظام الإمبراطوري قبل فتح القسطنطينيَّة»[33]!
نتيجة هذه الإجراءات المتسامحة، والمعاملة التي فاقت تصوُّرات النصارى أنفسهم، عاد عددٌ كبيرٌ من الأرثوذكس الذين تركوا القسطنطينيَّة قبل ذلك، وهذا لم يُسهم فقط في إعمار المدينة؛ إنَّما أسهم بقوَّةٍ في زيادة عوامل الأمن فيها[34].
اتَّخذ چيناديوس مقرَّ البطريركيَّة في كنيسة الرُّسل المقدَّسة Holy Apostles، وهي أعظم الكنائس عندهم بعد آيا صُوفيا، وظلَّ فيها عدَّة أشهر، ثم طلب أن تُغيَّر البطريركيَّة إلى كنيسةٍ أخرى في حيِّ الفنار Phanar؛ وذلك لوجودٍ مجتمعٍ يونانيٍّ كبيرٍ في هذا الحي، فيكون هذا أيسر له في إدارة شئونهم، وقد استُجيب لطلبه[35].
والحقُّ أنَّ هناك تفصيلاتٍ أخرى كثيرةً قام بها السلطان الفاتح لزيادة استقرار النصارى، وخاصَّةً الأرثوذكس، وسوف نتعرَّض لها في الأبواب القادمة.
رابعًا: تحويل القسطنطينيَّة إلى أحد أكبر مراكز السلاح في أوروبَّا:
كان السلطان الفاتح يعلم أنَّه بعد إسقاط القسطنطينيَّة ستتجمَّع عليه أوروبَّا بكلِّ جيوشها ودولها، وكان يعلم أنَّ القسطنطينيَّة على وجه التحديد ستكون وجهةً محتملةً جدًّا لهجومهم، لذلك حرص على أن يُحوِّل المدينة إلى ترسانةٍ عسكريَّةٍ قويَّة، وأن يهتمَّ بتوفير السلاح فيها، وكان من أهمِّ الأسلحة التي اهتمَّ بها السلطان سلاح المدافع، ولذلك أنشأ مصنعًا كبيرًا لتصنيع السلاح في الحيِّ المعروف الآن باسم «طوبخانه» أي معمل المدافع[36]، واستقدم الفاتح عددًا من الخبراء الألمان والمجريِّين لتعليم العثمانيّين دقائق هذه الصناعة[37]، ولم يكتفِ الفاتح بمجرَّد التصنيع، بل قام بزيادة أفراد سلاح المدفعيَّة، وعمل على تحسين الهيكل التنظيمي لهم[38].
وكما اهتمَّ الفاتح بالمدفعيَّة والقوَّات البرِّيَّة، اهتمَّ كذلك بالأسطول البحري فأنشأ ترسانةً بحريَّةً ضخمةً على شاطئ القرن الذهبي بالقرب من جالاتا[39].
هكذا وضع الفاتح أقدام القسطنطينيَّة على أول طريق المنافسة مع المدن الأوروبية الكبرى في مسألة السلاح، وهذا بالطبع أهَّلها لتكون عاصمةً قويَّةً يرغب المواطنون العثمانيُّون بشكلٍ عامٍّ -سواءٌ من المسلمين أم من غير المسلمين- في السكنى فيها.
خامسًا: البناء العمراني للمدينة:
لم يكن خافيًا على السلطان الفاتح الحالة المتردِّية التي وصلت إليها القسطنطينيَّة في العقود الأخيرة من عمرها، ولذلك حرص الفاتح على الاهتمام بالحركة العمرانيَّة، وهذه بالطبع عمليَّةٌ طويلة المدى ستأخذ سنوات عديدة، ولكنَّه وضع الرؤية المستقبليَّة بوضوح، فلم يكن البناء عشوائيًّا؛ إنَّما خطَّط بعنايةٍ لأماكن البناء المنتظرة، فحدَّد مكان السوق، واختار مكانًا لقصر الحكم المنتظر على التلِّ الثالث من تلال المدينة، مع أنَّه لم يكن قادرًا على بناء هذا القصر في عام الفتح نفسه؛ إنَّما أخَّره لعام 1454م[40]، بل حدَّد مكانًا على التلِّ الرابع ليكون مكانًا مستقبليًّا لمجمع كبير يُبْنَى لاحقًا يشمل مسجدًا وعدَّة كلِّيَّات، ومدارس، ومستشفى، وغير ذلك[41].
ولم تكن الرؤية المستقبليَّة في تحديد الأماكن فقط، بل في تحديد نوعيَّة الأبنية، وكذلك في هيئتها وشكلها! يذكر كريتوبولوس أنَّ السلطان الفاتح أمر أثرياء الدولة أن يُشاركوا في عمليَّة البناء العمراني للمدينة، ووضع لهم رؤية هذا البناء، فأمرهم أن تكون الأبنية عظيمة قدر الإمكان، وألَّا يكتفوا ببناء الديار والقصور، بل يهتمُّوا ببناء المجمَّعات التي تشمل الحمَّامات، والفنادق، والأسواق، والمحَّلات الجميلة جدًّا، كذلك المساجد، وأمرهم ألَّا يدَّخروا وسعًا في إبراز الفخامة في هذه الأبنية[42].
كانت هذه الرؤية عظيمة من الفاتح؛ إذ إنَّ هذه الأبنية المجمِّعة شكَّلت نواةً يُمكن للسكان العاديِّين من غير الأثرياء أن يتجمَّعوا حولها، وبذلك بدأت تتكوَّن معالم العاصمة الجديدة[43].
ومن أعظم إنجازات الفاتح في هذا المجال بناء السوق المغطَّى على التلِّ الثالث في القسطنطينيَّة(صورة رقم 5). وقد بُنِي هذا السوق في عام 1456م، ويشهد المؤرِّخ الأميركي چون فريلي أنَّ هذا السوق كان أكبر سوق في العالم من هذا النوع[44]! ممَّا يدلُّ على فخامة البناء، وعظمة الاقتصاد.
سادسًا: الصبغة الإسلاميَّة للمدينة:
كان من أهمِّ الأهداف لدى السلطان الفاتح في هذه المرحلة إعطاء الصبغة الإسلاميَّة للمدينة التي ظلَّت عاصمةً لأكبر إمبراطوريَّةٍ نصرانيَّةٍ منذ ألف سنة. بدأ هذا التغيير من أوَّل أيَّام الفتح بتحويل كنيسة آيا صُوفيا إلى مسجد، ولكن هذا لم يكن كافيًا؛ إنَّما سعى الفاتح لبناء المساجد الكثيرة هنا وهناك[45]، وهذا مع الوقت أعطى المدينة شكلًا إسلاميًّا واضحًا.
لكن الأهم والأعمق في إعطاء المدينة صبغة إسلاميَّة لم يكن في الأبنية والمعمار؛ إنَّما كان في اهتمام الفاتح بشأن العلماء، وإعطائهم مكانةً مهمَّةً في المدينة بشكلٍ خاص، وفي الدولة بشكلٍ عامٍّ، والحقُّ أنَّ الفاتح كان معظِّمًا لشأن العلماء منذ نعومة أظافره؛ فتربيته كانت على هذا النهج، وارتباطه بالعلماء كان وثيقًا، ومع ذلك فقد زاد هذا التعظيم بشدَّة بعد فتح القسطنطينيَّة؛ وهذا قد يكون راجعًا لدور العلماء الكبير في عمليَّة الفتح، ليس فقط في تحميس الجنود وتشجيعهم على الجهاد، ولكن بآراءهم السديدة في الاجتماعات الكبرى التي ناقشت خطوات الفتح، وكذلك في ملاحظتهم لأحوال الجيش والدولة، وسرعة تفاعلهم مع الفاتح في هذه الأمور، ويُضاف إلى هذا شيءٌ عجيب، وهو ظهور كرامات حقيقيَّة لبعض العلماء، وتحديدًا آق شمس الدين -أثناء عملية الفتح- جعلت الفاتح على قناعةٍ تامَّةٍ بأهميَّة الالتزام بآراء وصحبة هؤلاء العلماء! خاصَّةً مع الخلفيَّة الصوفيَّة التي نشأ عليها السلطان، ويُمكن أن نذكر مثالين لتلك الكرامات في هذه العجالة.
أمَّا الكرامة الأولى فكانت في يوم الفتح، وكان الشيخ آق شمس الدين قد أخبر السلطان بأنَّه رأى وقت الفتح، وحدَّده له، ولكن اقترب هذا التوقيت ولم يكن واضحًا أنَّ الجيش الإسلامي سيدخل المدينة، فأرسل السلطان الفاتح إلى الشيخ أحد وزراءه، وهو أحمد باشا ولي الدين، فوجد الوزير أنَّ الشيخ قد وضع بعض خدمه على باب الخيمة ليمنع الناس من الدخول عليه، فانظر إلى الوزير أحمد باشا وهو يحكي ما شاهده!
يقول الوزير: «رفعت أطناب الخيمة ونظرت، فإذا هو ساجدٌ على التراب، ورأسه مكشوفٌ، وهو يتضرَّع ويبكي، فما رفعت رأسي إلَّا قام على رجله وكبَّر، وقال: الحمد لله، منحنا الله تعالى فتح القلعة، فنظرت إلى جانب القلعة، فإذا العسكر قد دخلوا بأجمعهم، ففتح الله تعالى ببركة دعائه، وكانت دعوته تخترق السبع الطباق، ثم تفرق، وتملأ بركاتها الآفاق»! ليس هذا فقط ولكن كان الشيخ آق شمس الدين قد أخبر هذا الوزير أنَّه سيكون إلى جوار السلطان عندما يدخل المدينة؛ أي أنَّه يرى صورةً معيَّنةً واضحةً لأمر الفتح، يعلم فيها مكان السلطان، ومكان مَنْ يقف إلى جواره، ويُكْمِل الرواية بأنَّه عندما دخل السلطان القلعة نظر إلى جانبه فإذا الوزير أحمد باشا إلى جواره، فقال الوزير: هذا ما أخبر به الشيخ! ففرح السلطان فرحًا شديدًا وقال: «ما فرحت بهذا الفتح وإنَّما فرحي من وجود مثل هذا الرجل في زماني»[46]!
وأمَّا الكرامة الثانية فهي اكتشاف مكان قبر أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه!
كان أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه مجاهدًا من أعظم المجاهدين، وقد جاهد أيَّام رسول الله ﷺ، وكذلك في أيَّام الخلافة الراشدة، ومع ذلك لم يكن هذا يكفيه! فجاهد في أيَّام الدولة الأمويَّة وقد بلغ من الكبر عتيًّا، وكانت آخر حملاته الجهاديَّة محاولة فتح القسطنطينيَّة عام (672م= 52هـ)، وفيها مات المجاهد العظيم، وكان قد أوصى أن يُدْفَن في أقرب نقطةٍ من العدو، فحُمِل نعشه إلى أسوار القسطنطينيَّة، فكأنَّه يُجاهد حيًّا وميِّتًا!
ثم دُفِن في مكانٍ ما هناك[47][48]. وفي روايةٍ أنَّ الروم البيزنطيِّين سألوا عن عمليَّة الدفن التي تمَّت حول السور، فقال المسلمون: «مات رجلٌ من أكابر أصحاب نبيِّنا، والله لئن نُبِشَ، لا ضُرِبَ بناقوس في بلاد العرب»[49]! والمعنى أنَّه لو تجرَّأ الروم النصارى على نبش قبر أبي أيوب الأنصاري فإنَّ المسلمين سيمنعون وجود الكنائس في كلِّ بلاد العرب، ويبدو أنَّ الروم خافوا من هذا التهديد فحفظوا قبره، بل أكثر من ذلك، ذكر ابن سعد في طبقاته أنَّ الروم كانوا يهتمُّون برعاية قبره، وكانوا يستسقون به إذا قحطوا[50]! ومع ذلك فقد اختفى القبر مع مرور الزمن، ويبدو أنَّ هذا الاختفاء حدث مؤخَّرًا بعد القرن الثاني عشر الميلادي= السادس الهجري لوجود روايات تشهد بوجود القبر حتى هذه اللحظة[51]. معنى هذا أنَّ القبر مُخْتَفٍ منذ ثلاثة قرون أو أقل عند فتح القسطنطينيَّة.
كان الأتراك يُعظِّمون جدًّا من شأن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ لأنَّه عندهم يُمثِّل قمَّة الجهاد، فقد استقبل رسول الله ﷺ في بيته عند أوَّل الهجرة، وجاهد طوال حياته، ومات في أرض الجهاد، وفي دولةٍ جهاديَّةٍ كالدولة العثمانيَّة قامت على الغزوات والمعارك يكون لمثل هذا الرمز شأنٌ كبير، وقد كان الأتراك يُعظِّمون هذا الصحابي تحديدًا إلى درجة أن أطلقوا عليه «السلطان أيوب»[52]!
لكلِّ هذه الخلفيَّة، ولأجل الشحن المعنوي الإيجابي للجيش العثماني، طلب السلطان محمد الفاتح من الشيخ آق شمس الدين محاولة البحث عن قبر أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه[53]، وكان يعلم أنَّ اكتشافه سيرفع من معنويَّات الجيش بشكلٍ كبير، بل معنويَّات الشعب العثماني كلِّه، كما أنَّ اكتشاف هذا القبر سيُعطي صبغةً إسلاميَّةً واضحةً للمدينة، كما أنَّه سيُعطي شرفًا للدولة العثمانيَّة لكونها ترعى قبر صاحب رسول الله ﷺ.
ذهب السلطان الفاتح بنفسه إلى خيمة الشيخ آق شمس الدين بعد الفتح بيوم ليطلب منه البحث عن هذا القبر المهم، ولنقرأ معًا رواية طاشكبري زاده، التي تحكي هذا الموقف العجيب!
يقول طاشكبري زاده: «ثم إنَّه دخل معه الخيمة (أي دخل السلطان مع الشيخ الخيمة)، فصاحب معه حتى طلع الفجر، وأذن للصلاة، وصلَّى السلطان خلفه، ثم قرأ الشيخ الأوراد والسلطان جالسٌ أمامه على ركبتيه يستمع الأوراد، فلمَّا أتمَّها التمس منه أن يُعَيِّن موضع قبر أبي أيوب الأنصاري رحمه الله تعالى، وكان يُرْوَى في كتب التواريخ أنَّ قبره بموضعٍ قريبٍ من سور القسطنطينيَّة، ثم إنَّ الشيخ جاء (أي في وقتٍ لاحق) وقال: إنِّي أُشاهد في هذا الموضع نورًا لعلَّ قبره ههنا، فجاء إليه، وتوجَّه زمانًا، ثم قال: التقت روحي مع روحه! قال: وهنَّأني بهذا الفتح، وقال: شكر الله سعيكم حتى خلصتموني من ظلمة الكفر، فأخبر السلطان محمد خان بذلك، وجاء إلى هذا الموضع، فقال للشيخ: إنِّي أُصدِّقك، ولكن ألتمس منك أن تُعيِّن لي علامةً أراها بعيني، ويطمئنَّ بذلك قلبي، فتوجَّه الشيخ ساعة، ثم قال: احفروا هذا الموضع من جانب الرأس من القبر مقدار ذراعين، يظهر رخام عليه خط عبراني، تفسير هذا، وذكر كلامًا! فلمَّا حُفِر مقدار ذراعين ظهر رخام عليه خط، فقرأه من يعرفه وفسَّره، فإذا هو ما قرَّره الشيخ، فتحيَّر السلطان وغلب عليه الحال، حتى كاد أن يسقط لولا أن أخذوه»[54]! ويذكر الدكتور حسين مجيب المصري، نقلًا عن الرحَّالة العثماني أوليا چلبي Evliya Çelebi، أنَّ الكتابة كانت بخط كوفي وليس عبرانيًّا[55]، كما ذكر چون فريلي نقلًا عن نفس الرحالة أنَّ المكتوب على اللوحة الرخاميَّة كانت عبارة: «هذا قبر أبي أيوب»[56]! وأنا أرى أن الأوقع فعلًا أن اللوحة كانت مكتوبة بخط كوفي كما ذكر أوليا چلبي، لأن هذا كان هو الخط المستخدم في هذه المرحلة التاريخية وليس الخط العبراني.
إنَّها كرامة عجيبة، والكرامات للأولياء ثابتة في السُّنَّة، وفي تاريخ الأمَّة، ويُؤيِّدها الفقهاء من كافَّة المذاهب[57]، ويقول الشيخ ابن باز: «الكرامات للأولياء ثابتة عند أهل السنة والجماعة، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بكرامات الأولياء وأنها حق، وهي خوارق العادات التي يخرقها الله لبعض أوليائه، إمَّا لحاجةٍ به، أو لإقامة حجة على أعداء الله»[58].
في ظلِّ هذه الكرامات، وفي ظلِّ التربية الإسلاميَّة الواضحة للسلطان، كان هناك تعظيم وتقدير لشأن العلماء، بل كان للعلماء ارتفاعٌ فوق مقام السلطان، وانظر إلى هذا الموقف يُبيِّن لنا حقيقة العلاقة بين السلطان الفاتح وشيخه آق شمس الدين! يقول طاشكبري زاده: «جاء السلطان محمد خان إلى خيمة الشيخ وهو مضطجع، فلم يَقُمْ له! فقبَّل السلطان محمد خان يده، وقال: جئتك لحاجةٍ عندك. قال: ما هي؟ قال السلطان: أُريد أن أدخل الخلوة عندك أيَّامًا. قال الشيخ: لا! فأبرم عليه مرارًا، وهو يقول: لا! فغضب السلطان محمد خان، وقال: إنَّ واحدًا من الأتراك يجيء إليك، وتُدْخِلَه الخلوة بكلمةٍ واحدة، قال الشيخ: إنَّك إن دخلت الخلوة تجد هناك لذَّةً تُسْقِط السلطنة من عينيك، وتختلُّ أمورها، فيمقت الله إيَّانا، والغرض من الخلوة تحصيل العدالة، فعليك أن تفعل كذا وكذا، وذكر له ما بدا له من النصائح، ثم أرسل (أي السلطان) إليه ألفي دينار، ولم يَقْبَل، فقام السلطان محمد خان وودَّعه، والشيخ مضطجعٌ كما هو مضطجع على جنبه، ولمـَّا خرج السلطان محمد خان قال لابن وليِّ الدين (الوزير): ما قام الشيخ لي! وأظهر التأثُّر من ذلك، قال ابن وليِّ الدين: إنَّ الشيخ شاهد فيكم الغرور بسبب هذا الفتح الذي لم يتيسَّر للسلاطين العظام، وإنَّ الشيخ مُرَبٍّ، فأراد بذلك أن يدفع عنكم الغرور»[59]!
فانظر إلى علوِّ شأن العالم عند الأمير! الشيخ مضطجعٌ والسلطان واقف، والسلطان يُقُبِّل يد العالِم، والسلطان يرجوه مرارًا والشيخ يرفض، والسلطان يستفهم، والشيخ يشرح، والسلطان متحيِّر والشيخ لم يُكلِّف نفسه تفسير عدم احتفاله بالسلطان إلى أن فسَّر الوزير ابن ولي الدين للسلطان بأنَّ هذه تربية!
هذه هي الصبغة الإسلاميَّة الصحيحة للدولة!
ليس الأمر مرتبطًا بإنشاءات ومعمار فقط، ولكنَّه توقيرٌ حقيقيٌّ لقيمة العلم والعلماء.
ولقد وضحت هذه العلاقة بين العلماء والسلاطين في الدولة العثمانيَّة في خطبة الجمعة الأولى في القسطنطينيَّة، التي أُقيمت في اليوم الأوَّل من يونيو عام 1453م، بعد ثلاثة أيَّامٍ فقط من الفتح، في مسجد آيا صُوفيا، وكانت في مراسم هذه الجمعة بعض الإشارات التي اتُّخِذَت منهاجًا في الدولة العثمانيَّة بعد ذلك.
يشرح لنا الرحَّالة العثماني أوليا چلبي تفاصيل هذه المراسم فيقول: «في يوم الجمعة دعا المؤذِّن المؤمنين للصلاة، ثم قام المؤذِّن فقرأ الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، ثم قام الشيخ آق شمس الدين، والشيخ قرة شمس الدين، ووقفا إلى جوار السلطان الفاتح من كلِّ جانب، ووضعا أيديهما تحت إبطيه ليرفعانه ليقف بينهما معتمدًا على أيديهما، ثم وضع الشيخ آق شمس الدين عمامته الشخصيَّة فوق رأس السلطان، وكان الشيخ قد ثبَّت في عمامته ريشةً لطائر الكركي لونها أبيض في أسود (لعلَّها ترمز للعِلْم)، ثم وضع في يده سيفًا مصلَّتًا، ثم اتَّجه الشيخ آق شمس الدين إلى المنبر، وصعد إلى أعلاه، ثم قال بأعلى صوتٍ له: «الحمد لله ربِّ العالمين»، وعندها رفع المسلمون المنتصرون أيديهم إلى أعلى وهتفوا جميعًا بالتكبير في سعادة»[60]!
إِذَنْ كان شرفًا للسلطان أن يتَّكئ على أيدي العلماء، وكان شرفًا له بأن يلبس عمامة أحدهم، وكان شرفًا له أن يتقلَّد سيف الحكم منه، وكان شرفًا له أن يجلس على الأرض يستمع إلى خطبة العالِم وهو يشرح القرآن والسنة!
هذه هي العلاقة التي رسَّخها السلطان الفاتح في هذه المراسم!
ولم يكن هذا قاصرًا على عهده فقط؛ بل حرص الفاتح على أن يُعطي هذه الصبغة الإسلاميَّة الواضحة لكلِّ خلفائه. لقد قام السلطان الفاتح ببناء قبَّةٍ على قبر أبي أيوب الأنصاري، ثم في عام 1458م قام ببناء مسجدٍ كبيرٍ إلى جوار المقبرة[61][62]، وصار هذا المسجد هو المكان الذي يُنَصَّب فيه سلاطين الدولة العثمانية الحكم، على أن تتم هذه المراسم تحت إشراف العلماء، ويذكر المؤرخ التركي نعيما، وهو من مؤرخي القرن السابع عشر أن هذا التنصيب في مسجد أبي أيوب رضي الله عنه تحديدًا كان يتم طبقًا للقانون العثماني[63]، ومن المعروف أن هذا القانون كُتب في عهد الفاتح، وهكذا يربط السلطان الفاتح كلَّ شيءٍ ببعضه في هذه التقاليد؛ فيربط السلاطين بالعلماء، ويربط واقع الأمَّة بتاريخها، ويربط الشعب بالعائلة العثمانيَّة.
آخر ما نقوله في هذه النقطة: إنَّ هذه العلاقة الوثيقة بين السلطان الفاتح وعلماء الدولة لم تكن محدودةً بهذه الفترة المبكِّرة في حكمه، ولم تكن تفاعلًا حماسيًّا مع فرحة الفتح؛ إنَّما كانت علاقةً عميقةً دائمة، ظلَّت على هذا المستوى الراقي طوال سنوات حكمه، وسوف نتعرَّض في ثنايا قصَّة السلطان الفاتح إلى مواقف كثيرة تدعم هذه المعنى وتُؤيِّده، وأنا أرى أنَّ هذه العلاقة كانت من أوثق الأسباب التي أدَّت إلى ثبات أقدام السلطان الفاتح في مواجهة الصعاب الكبيرة التي واجهته طوال فترة حكمه![64].
[1] إينالچيك: تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، ترجمة: محمد الأرناءوط-بيروت، لبنان: دار المدار الإسلامي، 2002م صفحة 43.
[2] Somel Selcuk Aksin Historical Dictionary of the Ottoman Empire [Book]. - Lanham, Maryland, USA : Scarecrow Press, 2003 p. 141.
[3] Holt P. M., Lambton Ann Katherine Swynford and Lewis Bernard The Cambridge History of Islam: A. The central islamic lands from Pre-Islamic Times to the First World Wa [Book]. - [s.l.] : Cambridge University Press,., 1977, vol. 2, p. 296.
[4] Çelik Zeynep The Remaking of Istanbul: Portrait of an Ottoman City in the Nineteenth Century [Book]. - Berkeley, CA, USA : University of California Press,,1993, p. 22.
[5] Turnbull, 2012, p. 58.
[6] Turer A. Structural evaluation of Kilitbahir Castle in Canakkale, Turkey [Book Section] // Structures and Architecture: New concepts, applications And challengas / book auth. Cruz Paulo J. da Sousa. - Bca Raton, FL, USA : Paulo Cruz. CRC press, 2013, p. 584.
[7] Frassetto Michael The Early Medieval World: From the Fall of Rome to the Time of Charlemagne [Book]. - santa Barbara, CA, USA : ABC-CLIO, 2013, vol. 1, p. 216.
[8] Kritovoulos History of Mehmed the Conqueror [Book] / trans. Riggs Charles T.. - [s.l.] : Greenwood Press, Westport, Connecticut, 1954., p. 85.
[9] Kritovoulos, 1954, p. 93.
[10] Freely John The Grand Turk: Sultan Mehmet II, Conqueror of Constantinople and Master of an Empire An Empire And Lord Of Two Seas [Book]. - New York : The Overlook Press, 2009., p. 51.
[11] أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، المترجمون عدنان محمود سلمان و مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري.إستانبول: مؤسسة فيصل للتمويل، 1988م صفحة 1/141.
[12] İnalcık Halil Mehmed the Conqueror (1432-1481) and His Time [Article] // Speculum. - Chicago, USA : The University of Chicago Press, 1960., vol. 35, no. 3, p. 411.
[13] لابيدس: تاريخ المجتمعات الإسلامية، المترجمون فاضل جكتر. بيروت لبنان: دار الكتاب العربي، 2011م صفحة 1/ 467.
[14] Varlik Nükhet Plague and Empire in the Early Modern Mediterranean World [Book]. - New York, USA : Cambridge University Press, 2015., pp. 140- 141.
[15] شو: يهود الدولة العثمانية والجمهورية التركية، المترجمون وتقديم وتعليق: إ. د/ الصفافي أحمد القطوري، مصر: دار البشير للثقافة والعلوم، 2015م صفحة 74.
[16] لابيدس، 2011م صفحة 1/ 467.
[17] شو، 2015م صفحة 73.
[18] Feldman Ruth Tenzer The Fall of Constantinople [Book]. - Minneapolis, MN, USA : Twenty-First Century Books, 2007., p. 104
[19] Necipoğlu Nevra Byzantium Between the Ottomans and the Latins [Book]. - New York, USA : Cambridge University Press, 2009, p. 219.
[20] Crowley Roger 1453: The Holy War for Constantinople and the Clash of Islam and the West [Book]. - New York : Hyperion , 2005., p. 68.
[21] Runciman Steven The Fall of Constantinople 1453 [Book]. - NewYork, USA : Cambridge University Press, 1965., p. 153.
[22] Venning Timothy A Chronology of the Byzantine Empire [Book]. - Now York, USA : palgrave Macmillan, 2006. - Introduction by Jonathan Harris., p. 727.
[23] Robertson James Craigie History of the Christian Church: A. D. 1303-1517 [Book]. - London : John Murray, 1873, vol. 4, p. 486.
[24] ابن خلدون: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر (تاريخ ابن خلدون)، تحقيق: خليل شحادة- بيروت، لبنان: دار الفكر، 1988م صفحة 2/270.
[25] Venning, 2006, p. 727.
[26] سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، مصر : مطابع الأميرية، بولاق، 1895م ، 1895م صفحة 1/511.
[27] Feldman, 2007, p. 105
[28] فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، المترجمون تحقيق: إحسان حقي- بيروت، لبنان : دار النفائس، 1981م صفحة 165.
[29] شوجر: أوروبا العثمانية 1354 – 1804، المترجمون عاصم الدسوقي، القاهرة، دار الثقافة الجديدة، 1998م صفحة 64.
[30] McCarthy Justin The Ottoman Turks: An Introductory History to 1923 [Book]. - London, UK : Longman, 1997., p. 74 .
[31] Freely, 2009, p. 52
[32] شوجر، 1998م صفحة 63.
[33] McCarthy, 1997, p. 74 .
[34] بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية، نقله إلى العربية: نبيه أمين فارس، منير البعلبكي- بيروت - لبنان : دار العلم للملايين، 1968م الصفحات 431- 432.
[35] Feldman, 2007, p. 105
[36]مباهات كوتوك أوغلي: النظام المالي عند العثمانيين، الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، نقله إلى العربية: صالح سعداوي / مؤلف الكتاب أكمل الدين إحسان أوغلي. - إستانبول : مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، 1999م صفحة 1/392.
[37] مرزوق: الفنون الزخرفيَّة الإسلاميَّة في العصر العثماني- القاهرة - مصر : الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، 1974م صفحة 37.
[38] Uyar Mesut and Erickson Edward J A Military History of the Ottomans: From Osman to Atatürk [Book]. - Santa Barbra, USA : ABC CLIO, 2009., p. 46.
[39] Freely, 2009, p. 55.
[40] لويس: إستانبول وحضارة الخلافة الإسلامية [كتاب] / المترجمون سيد رضوان علي. - السعودية : الدار السعودية للنشر والتوزيع، 1982م صفحة 95.
[41] Freely, 2009, p. 55.
[42] Kritovoulos, 1954, p. 140.
[43] Stavrides Theoharis The Sultan of vezirs : the life and times of the Ottoman Grand Vezir Mahmud Pasha Angelovic (1453-1474) [Book]. - Leiden : Brill Academic Publishers, Inc, 2001., p. 25.
[44] Freely, 2009, p. 216.
[45] Stavrides, 2001, p. 26.
[46] طاشكبري زاده: الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، بيروت، لبنان : دار الكتاب العربي، 1975م الصفحات 139- 140.
[47] البغوي: معجم الصحابة، تحقيق: محمد الأمين بن محمد الجكني الكويت: مكتبة دار البيان، 1421هـ= 2000م. الصفحات 2/ 218- 222.
[48] الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف- بيروت - لبنان: دار الغرب الإسلامي، 1422هـ= 2002م، 1/ 493- 495.
[49] الذهبي: سير أعلام النبلاء، القاهرة، مصر، دار الحديث، 1427هـ= 2006م. صفحة 4/ 58.
[50] ابن سعد، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية، 1410هـ= 1990م، صفحة 3/ 369.
[51] أرسلان: تاريخ ابن خلدون، القاهرة : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012م.الصفحات 156، 157.
[52] Criss Nur Bilge, Heper Metin and Öztürk-Tunçel Duygu Historical Dictionary of Turkey [Book]. - Lanham, MD, USA : Rowman & Littlefield, 2018, p. 180.
[53] Stavrides, 2001, p. 23.
[54] طاشكبري زاده، 1975م الصفحات 140-141.
[55] حسين مجيب المصري أبو أيوب الأنصاري عند العرب والترك، القاهرة، مصر، الدار الثقافية للنشر، 1419هـ= 1999م. - المجلد الأولى.الصفحات 74-75.
[56] Freely John A History of Ottoman Architecture [Book]. - Boston, USA : WIT Press, 2011., pp. 110-111.
[57] وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية -الكويت، 1983م الصفحات 45/ 180، 181.
[58] فتاوى نور على الدرب، قدم لهذه الفتاوى وقام بمراجعتها: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، ترتيب وإشراف: محمد بن سعد الشويعر- الرياض - السعودية : الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، إدارة مجلة البحوث الإسلامية، 1428هـ=2007م صفحة 2/193.
[59] طاشكبري زاده، 1975م صفحة 140.
[60] Çelebi Evliyà Efendí Narrative of Travels in Europe, Asia, and Africa, in the Seventeenth Century [Book] / trans. Hammer Translated from the Turkish by the Ritter Joseph Von. - London : the Oriental Translation Fund of Great Britain and Ireland, 1834., p. 45.
[61] Bonner Michael [et al.] The Islamic Scholarly Tradition [Book]. - Leiden, The netherlands : Brill, 2011., p. 142.
[62] دوسون: نظم الحكم والإدارة في الدولة العثمانية في عهد موادجه دوسون، نقله إلى العربية: فيصل شيخ الأرض، رسالة قُدمت إلى دائرة التاريخ في جامعة بيروت الأمريكية لنيل شهادة أستاذ في العلوم، الجامعة الأمريكية [كتاب]. - بيروت - لبنان : الجامعة الأمريكية، 1942م صفحة 57.
[63]نعيما مصطفى: تاريخ نعيما: إستانبول: [s.n.]، دون سنة، صفحة 2/159.
[64] دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441ه= 2019م، 1/ 295- 311.
التعليقات
إرسال تعليقك