التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
حقَّقت الدولة العثمانية نصرًا باهرًا بفتحها للبوسنة، وقد أحدثت هذه الانتصارات زلزالًا في أوروبا.
حقَّقت الدولة العثمانية نصرًا باهرًا بفتحها للبوسنة، ومن قبلها حقَّقت نصرًا على البندقيَّة في أرجوس اليونانيَّة، وقد أحدثت هذه الانتصارات زلزالًا في أوروبا، بل في العالم بشكلٍ عامٍّ؛ فنموُّ الدولة العثمانية صار بارزًا للجميع، ولو تُرِك الأمر على حاله لصار ابتلاع وسط أوروبا، أو حتى غربها، أمرًا واقعًا في غضون سنوات، لذلك تحرَّك الغرب بقوَّةٍ بعد فتح البوسنة، بل تواصل مع أعداء الدولة العثمانية من مسلمي الشرق؛ لكي يقفوا جميعًا وقفةً واحدةً ضدَّ هذه الدولة القويَّة.
لقد عاشت الدولة مشكلاتٍ كثيرةً منذ نشأتها، وتفاقمت المشكلات التي تواجهها بعد هذا التوسُّع اللافت الذي حدث في عهد السلطان الفاتح، فالمشكلات التي نحن بصدد تحليلها الآن ليست جديدة، بل هي قديمةٌ قِدَم الدولة العثمانية نفسها، ولكن فتح البوسنة أدَّى إلى تبلور هذه المشكلات بشكلٍ واضح، وكان لزامًا على الفاتح أن يتعامل مع كلِّ هذه الملفَّات في آنٍ واحد، وهذه نتائج طبيعيَّة لحركة الفتح الكبرى التي قادها رحمه الله، ويُمكن تلخيص أهمِّ هذه المشكلات تحت ستَّة عناوين:
المشكلة الأولى: الوضع العسكري المعقَّد في بحر إيجة:
كان بحر إيجة تحت سيطرةٍ نصرانيَّة شبه خالصة، وهو بحرٌ مليءٌ بالجزر الصغيرة الكثيرة جدًّا، وهو ما يُعطي الشكل الجغرافي المعروف بالأرخبيل، ويكون القتال البحريُّ فيه معتمدًا على مهارةٍ عاليةٍ جدًّا عند البحَّارة، بالإضافة إلى توفُّر الإمكانات العسكريَّة القويَّة من أساطيل ومدافع، وكذلك من حصونٍ قويَّةٍ مبنيَّةٍ فوق هذه الجزر، أو في المدن المطلَّة على البحر؛ سواء في الأناضول أو اليونان؛ بل إنَّ مجرَّد الحركة بين الجزر تحتاج إلى بحَّارةٍ متقنين يعرفون الطرق والممرَّات ويحفظونها عن ظهر قلب، وإلَّا وقعت الأساطيل في كمائن لا حصر لها.
ولعلَّه من المناسب أن نُشارك محمد الفاتح نظرته إلى بحر إيجة في ذلك الوقت، وقد توزَّعت فيه الجزر والمضايق على القوى الغربيَّة المختلفة على نحوٍ يُمثِّل خطورةً كبيرةً على الدولة العثمانيَّة، ويكفي أن نعرف أنَّ عدد الجزر في بحر إيجة يتراوح بين 1,200 و10,000 جزيرة حسب تعريف الجزيرة[1]، وكانت هذه الجزر موزَّعة في ذلك الوقت بين أربع قوى نصرانية رئيسة، بينما يتبقَّى جزءٌ ضئيلٌ جدًّا منها تحت السيطرة العثمانيَّة، ويُمكن النظر إلى هذه الجزر لسهولة دراستها على النحو التالي: يُمكن تصوُّر هذه الجزر على أنَّها تُشكِّل صورة نجمةٍ رباعيَّة، فهذه النجمة لها مركز، ويخرج من المركز أربعة أضلاع؛ ضلعٌ شمالي شرقي، وآخر شمالي غربي، وثالثٌ جنوبي شرقي، أمَّا الرابع فهو جنوبي غربي، فيُصبح عندنا خمس مجموعات: المجموعة المركزية، وأربعة مجموعات إضافيَّة في كلِّ اتِّجاهٍ من الاتِّجاهات الأربعة المذكورة، وبالإضافة إلى هذه المجموعة فهناك الجزر الموجودة في أقصى شمال بحر إيجة، وكانت تابعة للدولة العثمانية، وتعرف بجزر تراقيا Thracian Islands.
أمَّا المجموعة المركزيَّة في بحر إيجة فهي مجموعة «الدائرة»، أو سَيْكلادس (Cyclades)، وهي مجموعةٌ كبيرةٌ من الجزر تصل إلى 2200 جزيرة[2]، كلُّها يُكوِّن دائرةً حول جزيرة ديلوس Delos المقدَّسة عند اليونانيِّين القدماء، ومن هنا جاء اسم المجموعة، وكانت هذه الجزر بكاملها تحت سيطرة عائلةٍ من عائلات البندقية، وهي عائلة كرسبو Crispo، ومن قبلها كانت تحت حكم عائلةٍ أخرى هي عائلة سانودو Sanudo، وهذا الحكم البندقي بدأ في عام 1207م، ولكن هذه المجموعة من الجزر كانت شبه منفصلة عن حكومة جمهوريَّة البندقية، وكانت تُكوِّن ما عُرِف بدوقيَّة ناكسوس «Naxos»، وقد أخذت هذا الاسم من اسم أكبر جزيرةٍ في هذه المجموعة، وكانت هذه الدوقيَّة على توافقٍ مع حكَّام البندقية منذ عام 1418م[3].
يأتي بعد هذه المجموعة المركزيَّة الأولى مجموعة ثانية؛ وهي المجموعة الموجودة عند الضلع الشمالي الشرقي بالنسبة إلى المجموعة المركزيَّة، وأهمُّ هذه الجزر جزيرتا ليسبوس وخيوس، وكانت هذه المجموعة من الجزر تابعةً لحكومة چنوة الإيطاليَّة، وكانت تدفع الجزية للدولة العثمانيَّة منذ عام 1455م[4]، ومرَّت بنا المشكلات التي أحدثها قائد جزيرة ليسبوس في عامي 1461م، و1462م، مما أدَّى إلى قيام الفاتح بغزوها وضمِّها إلى الدولة العثمانية في سبتمر 1462م، وبقيت جزيرة خيوس تدفع الجزية للعثمانيين، وهي، وإن كانت بهذه الصورة السياسيَّة تُعَدُّ تابعةً لهم، إلَّا أنَّها غير مأمونةٍ مطلقًا، خاصَّةً أنَّ مصالح چنوة قد تأثَّرت كثيرًا بسيطرة الدولة العثمانيَّة على مضيقي الدردنيل والبوسفور؛ لأنَّها فُصِلَت بذلك بين أملاكها في بحر إيجة وأملاكها في البحر الأسود، وكان لهذا الفصل تأثيرٌ سلبيٌّ كبيرٌ على اقتصادها وقوَّتها.
أمَّا المجموعة الثالثة من الجزر؛ فهي الجزر الواقعة في اتِّجاه الضلع الشمالي الغربي من المجموعة المركزيَّة، وهذه المجموعة يُمكن تقسيمها بدورها إلى ثلاث مجموعات أصغر؛ هي من الشمال إلى الجنوب على النحو الآتي[5]:
1. مجموعة الجزر المتفرِّقة سبورادِس (Sporades).
2. جزيرة إيوبويا، أو وابية (Euboea)، وتعرف أيضا باسم نيجروبونتي Negroponte، وهي ثاني أكبر جزيرة في بحر إيجة بعد جزيرة كريت، وهي جزيرة مهمَّة للغاية من الناحية الاستراتيجيَّة والعسكريَّة، وكانت معروفة في التاريخ التركي باسم أكريبوز؛ نسبةً إلى اسم المضيق الذي يفصلها عن الأرض الأساسيَّة لليونان (Euripus strait).
3. مجموعة سارونيك (Saronic)، وهي مجموعةٌ من الجزر واقعة في خليج سارونيك بالقرب من الأرض الأساسيَّة لليونان.
هذه المجموعة بكاملها تقع تحت السيطرة الكاملة لجمهوريَّة البندقية، وتُعَدُّ جزيرة نيجروبونتي أهمَّ جزيرةٍ في بحر إيجة بالنسبة إلى البنادقة؛ حيث جعلوها مركزهم الرئيس الذي يُسيطر على بقيَّة الممتلكات في المنطقة، بما فيها الممتلكات الموجودة في الأرض الأساسيَّة لليونان، سواءٌ في شبه جزيرة المورة أم غيرها[6].
وهناك بعد ذلك المجموعة الرابعة من الجزر؛ وهي الواقعة في اتِّجاه الضلع الجنوبي الغربي من المجموعة المركزيَّة، ويُمكن اعتبار هذه المجموعة مكوَّنة من جزيرةٍ واحدةٍ هي جزيرة كريت Crete؛ حيث إنَّ الجزر التي حولها صغيرةٌ للغاية، وكانت هذه الجزيرة تحت الاحتلال البندقي منذ عام 1205م، وقد أسَّس فيها البنادقة عدَّة قلاعٍ في غاية الحصانة، حتى صارت المدن الكريتيَّة من المدن صعبة المنال على أيِّ جيشٍ غازٍ، ومن الجدير بالذكر الإشارةُ إلى أنَّ شعب كريت من اليونانيِّين الأرثوذكس كان يُعاني بشدَّةٍ من الاحتلال البندقي، وقد قام بعدَّة ثورات على مدار القرون للخروج من سيطرة البنادقة دون نجاح[7]، وظلَّت كريت بمدنها الكبيرة -مثل: كانديا Candia المعروفة الآن بهيراكليون Heraklion، وريثيمنو Rethymno، وخانية Chania- من أهمِّ مراكز الجيش والتجارة البندقية.
يتَّضح من هذا أنَّ البندقية كانت تُسيطر تمامًا على الجانب الغربي من بحر إيجة؛ حيث كانت تُسيطر -كما وضَّحنا- على الجزر الموجودة في الشمال الغربي، وأهمها جزيرة نيجروبونتي، وكذلك الجزر في الجنوب الغربي، وأهمها كريت، ومن المهمِّ أن نعلم أنَّ هذا الجانب الغربي من بحر إيجة كان متَّصلًا مع جزر البحر الأيوني إلى الغرب منه، وكانت بعض جزر البحر الأيوني تحت سيطرة البندقية، وكذلك كل جزر البحر الأدرياتيكي، إلى الشمال من البحر الأيوني، وهذا يعني اتِّصال السيطرة البندقية على مساحاتٍ شاسعةٍ متواصلةٍ من البحار، وهذا بلا شك كان يُعطيهم قدرةً فائقةً على المناورة والرجوع إلى نقاطٍ بَحَرِيَّةٍ ثابتة، كما كان يضمن لهم توفير المدد والمؤن في وقتٍ قصير، بعكس الأساطيل الأخرى التي تدخل هذه المنطقة دون تواصلٍ مع مراكزهم البعيدة.
يبقى لنا في بحر إيجة المجموعة الخامسة من الجزر؛ وهي المجموعة الموجودة في اتِّجاه الضلع الجنوبي الشرقي، وهي مجموعة جزر الدوديكانيس Dodecanese، وهي مجموعةٌ مكوَّنةٌ من 15 جزيرةً كبيرة، وحوالي 93 جزيرةً صغيرة، وأهمُّ الجزر الكبرى جزيرة رودس Rhodes، وهي جزيرةٌ مؤثِّرةٌ للغاية من الناحية العسكريَّة والاقتصاديَّة، وكانت هذه الجزر كلُّها تحت سيطرة فرسان القديس يوحنا منذ عام 1309م، وهؤلاء هم تنظيمٌ عسكريٌّ كاثوليكيٌّ في غاية القوَّة والجرأة، وقد استقرُّوا في رودس بعد أن طردهم الأشرف خليل المملوكي من عكا الفلسطينيَّة، في ختام الحروب الصليبية عام 1291م[8][9]، وفي رودس أسَّس فرسان القديس يوحنا -والمعروفون أيضًا بفرسان المعبد- حصونًا في غاية المناعة جعلت استقرارهم مطمئنًا إلى حدٍّ كبير، ولم تنجح جهود الغازين، سواءٌ من المماليك أم البنادقة في غزو هذه الجزر الحصينة.
يظهر لنا من خلال العرض السابق مدى التحكُّم النصراني في بحر إيجة، ويُمكن تلخيصه في أربع قوًى رئيسة: الأولى: قوَّة البنادقة، وكانت تُسيطر على الجانب الغربي من بحر إيجة، وأهمُّ مراكزها جزيرتي نيجروبونتي، وكريت. والثانية: قوة چنوة، وكانت تُسيطر على الجانب الشمالي الشرقي، وتحديدًا جزيرة خيوس. والثالثة: قوَّة دوقيَّة ناكسوس، وهي شبه تابعةٍ للبندقيَّة، وكانت تُسيطر على وسط بحر إيجة. والرابعة والأخيرة: هي قوَّة فرسان القديس يوحنا، وكانت تُسيطر على الجنوب الشرقي من بحر إيجة، وخاصَّةً جزيرة رودس.
وفي ظلِّ هذا التحكُّم النصراني الكبير في بحر إيجة لم يكن للدولة العثمانية في كل هذه الجزر إلا مجموعة ضئيلة كلها يقع في أقصى الشمال، وهي جزيرة ليسبوس التي فتحها العثمانيون في العام الماضي، أي في عام 1462م، وكانت تدار بشكل مباشر من الدولة العثمانية، بالإضافة إلى جزر ليمنوس، وإمبروس، وساموتراس، وثاسوس، والتي كان يديرها جميعًا الأمير البيزنطي ديمتريوس كتابع للدولة العثمانية، بعد أن أعطاه إياها السلطان الفاتح عام 1460م.
وبالإضافة إلى هذا الوضع العسكري المعقَّد فإنَّنا يجب أن نلفت الانتباه إلى أنَّ البحريَّة العثمانيَّة كانت لا تزال في بداياتها، ولم يكن لها القدرات الفائقة التي تميَّزت بها أساطيل البندقية، أو ناكسوس، أو چنوة، أو فرسان القديس يوحنا.
ويزيد من هذا التعقيد أنَّ جزيرة قبرص، وهي من جزر البحر المتوسط الشرقيَّة، وتقع جنوب الأناضول، كانت تُحْكَم بأمراء بيت المقدس الصليبيين؛ وذلك منذ سنة 1191م[10]، وهذا يعني أنَّ شمال شرق البحر الأبيض المتوسط -حيث تقع الدولة العثمانيَّة- واقعٌ بأكمله تحت السيطرة الصليبيَّة بشتَّى أنواعها.
والأمر الوحيد الذي كان يُخفِّف من وطأة هذه القوى الصليبيَّة الكثيرة أنَّها كانت قوى متصارعة، وليست متعاونةً أو متفاهمة؛ فالبنادقة أعداء الچنويِّين، وهم كذلك على خلافٍ شديدٍ مع فرسان القديس يوحنا، الذين يختلفون بدورهم مع بقيَّة القوى الموجودة في المنطقة؛ بحكم أنَّهم كانوا قراصنةً يعيشون على سلب السفن التجاريَّة المارَّة في البحر الأبيض المتوسط.
هذه هي المشكلة الأولى التي تُواجه السلطان محمدًا الفاتح في هذا التوقيت الحرج من تاريخ الدولة العثمانيَّة.
المشكلة الثانية: التنامي المطَّرد لقوة ماتياس ملك المجر!
كان ماتياس من أقوى حكَّام أوروبا في ذلك الزمن، وكان يحكم مساحاتٍ شاسعةً من الأرض؛ حيث كانت مملكته تضمُّ كامل دولة المجر، وكذلك كامل دولة التشيك، وسلوڤاكيا، وسلوڤينيا، بالإضافة إلى معظم كرواتيا، وأيضًا شمال صربيا شاملًا بلجراد، وجنوب بولندا، وغرب أوكرانيا، وشمال غرب رومانيا، بل سيتوسع بعد ذلك في النمسا وشرق ألمانيا، وأيضًا في البوسنة[11].
لقد كانت مملكة قويَّة للغاية، ولم يكن ماتياس قائدًا تقليديًّا؛ إنَّما كان متطوِّرًا ومبتكرًا، وهو الذي كوَّن «الجيش الأسود» Black Army of Hungary[12] للمجر، وقد تسمَّى بذلك نسبةً إلى لون دروعه السوداء[13]، وهو من الجيوش النظاميَّة النادرة في أوروبا في ذلك التوقيت، وكان يتكوَّن من عددٍ كبيرٍ من المرتزقة (حوالي 28 ألف)[14] الذين انقطعوا تمامًا لحياة العسكريَّة، وكان يدفع إليهم رواتب مجزية جدًّا للتفرُّغ للقتال، وذلك عكس بقيَّة الجيوش التي كانت تعتمد على الجمع المؤقَّت للمقاتلين وقت الحروب، وهذا الجيش وإن كان باهظًا جدًّا، إلَّا أنَّه حقَّق انتصارات ضخمة لدولة المجر عوَّضت المبالغ الكبرى التي كانت تُدفع إلى أفراده، وقد أنفق ماتياس كذلك على تسليح الجيش، فكان من الجيوش القليلة في أوروبا التي يحمل أفرادها البنادق الناريَّة، وذلك على الرغم من ارتفاع سعر البارود في ذلك الزمن[15]، وجمع ماتياس أفراد هذا الجيش الاحترافي من: التشيك، وصربيا، وكرواتيا، والنمسا، وألمانيا، وسويسرا، وبولندا، بالإضافة إلى المجر. ولم يكن هناك جيشٌ في أوروبا متفرِّغٌ للقتال مثل هذا الجيش إلَّا جيش الملك لويس الحادي عشر Louis XI ملك فرنسا[16]، هذا إذا ما استثنينا جيش الإنكشاريَّة العثماني، الذي كان متفرِّغًا للقتال كذلك.
ولم تكن قوَّة ماتياس تكمن في إدارته وجيشه فقط؛ بل كانت تكمن كذلك في علاقاته المتعدِّدة بملوك أوروبا، وكذلك بالبابا[17][18]، وكانت هذه العلاقات تدعم قوَّته، وتزيد من سطوته، وإن كان كذلك على خلافٍ مع بعض الملوك الآخرين، مثل ملك النمسا[19]، وملك بولندا[20]، وأمير البغدان (والتي تضم دولة مولدوڤا الآن)[21].
ولا ننسى أنَّ ملك المجر كان يمسك في قبضته ڤلاد الثالث (دراكولا الثالث)، وهو أمير الإفلاق الذي هرب أمام الجيوش العثمانيَّة عام (866هـ= 1462م)، ولا شَكَّ أنَّه قادرٌ على إطلاقه من جديدٍ لحرب أخيه رادو التابع للدولة العثمانيَّة، وهذا يُمكن أن يُعيد القلاقل لإمارة الإفلاق.
فوق كل هذا فماتياس يملك تاريخ تفوُّق حديث على الدولة العثمانيَّة، وهو تاريخ معركة بلجراد التي حقَّق فيها والده چون هونيادي النصر على جيش السلطان محمد الفاتح، ولا شَكَّ أنَّ هذا النصر كان يدعم نفسيَّات الجيش المجري، وفي الوقت نفسه يُؤثِّر سلبًا في جيوش الدولة العثمانيَّة.
كان فتح البوسنة -ولاشك- سببًا في إثارة هذا الملك القوي وجيشه، ولا بُدَّ أن يتوقع الفاتح ردَّ فعل كبير منه إزاء عملية الفتح الأخيرة.
المشكلة الثالثة: استمرار التمرد الألباني:
تمرد ألبانيا مشكلة قديمة نسبيًّا؛ بدأها إسكندر بك عام (847هـ= 1443م) أيَّام مراد الثاني والد محمد الفاتح[22]، وكانت البداية بارتداده عن الإسلام[23][24]، وتجميع الألبان حوله لإخراج ألبانيا من قبضة العثمانيِّين[25]، وكانت ألبانيا قد دخلت تحت الحكم العثماني زمن مراد الأول، وتحديدًا في عام 1385م[26]؛ أي أنَّ هذا التمرُّد بدأ بعد 58 سنة من التبعيَّة للعثمانيِّين، وقد بدأه إسكندر بك مستغلًّا هزيمة العثمانيِّين من المجريِّين في العام نفسه (1443)[27].
والواقع أنَّه على الرغم من صغر حجم جيش إسكندر بك نسبيًّا بالمقارنة بجيش الدولة العثمانيَّة؛ حيث كان يُقدَّر بعشرة آلاف جندي[28]، وعلى الرغم كذلك من ضعف إمكانات التسليح بالقياس إلى تسليح الجيش العثماني، فإنَّ إسكندر بك نجح حتى هذه اللحظة في الانتصار على العثمانيِّين في معظم المعارك التي نشبت بين الطرفين! ومنها على سبيل المثال موقعة تورڤيول Torvioll عام 1444م[29][30]، وموقعة موكرا الأولى Mokra عام 1445م[31][32]، وموقعة كرويه Kruje الأولى عام 1450م[33]، وكانت كلُّ هذه المعارك في زمن مراد الثاني والد محمد الفاتح، ولم ينجح مراد الثاني في الانتصار على إسكندر بك إلَّا في موقعةٍ واحدةٍ هي موقعة سڤيتيجراد Svetigrad عام 1448م[34]، وفي زمن محمد الفاتح حدثت عدَّة مواجهات كذلك بين الجيش العثماني وقوَّات إسكندر بك، وكانت الغلبة فيها حتى هذه اللحظة في معظمها للجيش الألباني؛ حيث لم يُحقِّق العثمانيُّون النصر إلَّا في موقعة واحدة هي موقعة بيرات Berat عام 1455م[35]، بينما هزموا في عدة معارك، مثل موقعة مودريتش Modrič عام 1452م[36]، وموقعة ميچاد الأولى Meçad عام 1452م[37]، وموقعة بولوج Polog عام 1453م[38]، وموقعة ألبيولينا Albulena عام 1457م[39]، وموقعة موكرا الثانية عام 1462م، وموقعة ليڤاد Livad عام 1462م[40].
نعم لم يقم السلطان محمد الفاتح بقيادة أيِّ جيشٍ من هذه الجيوش التي هُزمت أمام إسكندر بك، لكنَّها في النهاية هزائم للجيش العثماني، وهذا تدريجيًّا يُعطي الجيش والحكومة انطباعًا نفسيًّا بصعوبة -أو استحالة- النصر على الجيش الألباني. هذا واقعٌ مرٌّ عاشه العثمانيُّون مع هذا التمرد الألباني الشرس، وكانت المساعدات التي تأتي الألبان من إيطاليا أو من أوروبا قليلة، فكيف سيكون الحال لو دعمهم البابا بقوة أو تعاون معهم البنادقة، أو المجريون، أو غيرهم؟
إنَّها مشكلة بالغة التعقيد، وقد يُتوقَّع أن تتفاقم في الأيَّام القادمة وقد لا يكتفي إسكندر بك بالتمرُّد في ألبانيا، ولكن قد يحاول التمدد في مقدونيا، أو اليونان، وهذا سيُصعِّب الأمور كثيرًا، خاصَّةً أن تفسير الانتصارات الألبانيَّة المتكررة على الجيوش العثمانية غير واضح تمامًا؛ لأنَّ الجيوش العثمانيَّة كانت دومًا أكثر عددًا، وأقوى عدَّة، من الجيش الألباني، فلماذا إذن كانت الهزائم تتكرَّر؟!
هل يرجع هذا إلى الروح الألبانية القتالية التي يتميز بها الشعب هناك بصفةٍ عامة؟ وهذه الروح جعلت المؤرخ الإنجليزي چيبون Gibbon يُصنِّف الشعب الألباني كشعب عسكريٍّ Martial race[41]؛ وذلك حسب التصنيف الذي يُقسِّم شعوب العالم إلى قسمين: أحدهما عسكريٌّ والآخر غير عسكريٍّ؛ حيث تكون الشعوب العسكريَّة ذات روح قتاليَّة، وكذلك بنية جسديَّة تسمح لهم بذلك، وتكون الشعوب الأخرى شعوب غير عسكريَّة، أو مسالمة، وهي ترغب في الحياة الهادئة غير المتوترة.
أم ترجع هذه الانتصارات الألبانية إلى تمتُّع العرق كلِّه في الرغبة في الوحدة تحت إمرة ملكٍ واحدٍ من عرقهم؟ وهذه خاصيَّة تُميِّز العرق الألباني عن عرق شعب الجبل الأسود مثلًا؛ فالجبل الأسود -كما ذكرنا قبل ذلك- عشائر منفصلة تعيش كلُّ عشيرةٍ كوحدة منفصلةٍ عن غيرها، بينما لا يعرف الشعب الألباني هذه الانفصاليَّة؛ بل يعيش ككتلة واحدة، وهذا ما جعلهم عند بداية التمرُّد يجتمعون في إبيروس وينتخبون إسكندر بك عام 1444م كزعيمٍ ينضوي تحت رايته كلُّ النبلاء بعائلاتهم وفرقهم العسكريَّة[42]، ومِنْ ثَمَّ لم تشهد ألبانيا طوال المحاولات العثمانيَّة لردع التمرُّد أيًّا من الانقسامات الداخليَّة، على عكس ما شهدناه على سبيل المثال في البوسنة والهرسك.
أم ترجع الانتصارات الألبانية المتكرِّرة إلى صبغ الأمر بصبغةٍ دينيَّة؟ حيث إنَّ ارتداد إسكندر بك إلى النصرانية بعد أن كان مسلمًا، وأمره لأتباعه المباشرين بالارتداد أو الموت، جعل الحرب بينه والدولة العثمانيَّة تأخذ شكلًا دينيًّا بحتًا، ومن المعروف أنَّ حروب العقيدة هي أشدُّ الحروب عنفًا، وأكثرها استمراريَّة[43]، وهذه علامةٌ فارقةٌ بين الحرب في ألبانيا، وغيرها من البلدان البلقانية الأخرى؛ حيث كانت الحروب تأخذ شكلًا سياسيًّا بحتًا، ولم تكن الحكومات تُحرِّك جنودها بالدوافع الدينيَّة، خاصَّةً أنَّ معظم الشعوب البلقانية كانت تُحْكَم بإمبراطوريات توسُّعيَّة لا تضع الدين في حساباتها، على الرغم من انتمائها بشكلٍ عامٍّ إلى الأرثوذكسية، على عكس شعوب وسط وغرب أوروبا، وهي شعوبٌ كاثوليكيَّةٌ كانت تستخدم الدين بقوَّةٍ في حروبها الصليبيَّة المعروفة.
يُمكن القول: إنَّ إسكندر بك قاد حربًا صليبيَّةً ضدَّ الدولة العثمانيَّة، ولذا وعلى الرغم من أرثوذكسيَّة شعبه، فإنَّه تلقَّى الوعود بالدعم من أمراء البندقية الكاثوليك، وكذلك من البابا الكاثوليكي؛ أملًا في ردع التقدُّم العثماني المخيف في أوروبا.
أم ترجع الانتصارات الألبانيَّة على الجيوش العثمانيَّة إلى الطبيعة الجغرافيَّة الصعبة للغاية التي تكوِّن منطقة ألبانيا بكاملها؟ فالجبال الوعرة العالية تُغطِّي 70% من الأراضي الألبانيَّة، وتقع معظم هذه الجبال في المنطقة الشرقيَّة والشماليَّة من البلاد، ممَّا يجعلها حدًّا فاصلًا بينها وبقيَّة البلقان المحكوم بالدولة العثمانيَّة[44]، وليس هذا فقط، ولكن هناك أيضًا الغابات الكثيفة التي تنتشر في ألبانيا، حيث تغطي أكثر من ثلث مساحة البلد[45]، وهذا يعني أنَّ الجيوش العثمانية لا بُدَّ أن تخترق هذه الجبال والغابات حتى تدخل في مواجهةٍ مباشرةٍ مع التمرُّد، وهذا لا شَكَّ صعبٌ للغاية، خاصَّةً إذا كنت تتعامل مع جيشٍ ألبانيٍّ يعرف الدروب والطرق والطبيعة عن ظهر قلب، وبالتالي يُمكن أن يُجهِّز الكمائن، ويضع العراقيل، ويبثَّ العيون والمخابرات، وغير ذلك من آليَّات تُعيق حركة أيِّ جيش.
أم ترجع الانتصارات الألبانيَّة إلى بعد المسافة بين الأراضي الألبانيَّة ومركز الدولة العثمانيَّة في أدرنة؟ فألبانيا تقع في أقصى غرب الدولة العثمانية آنذاك، والمسافة بين كرويه (عاصمة ألبانيا آنذاك) وأدرنة -وهي المركز العسكري الرئيس للدولة العثمانيَّة في أوروبا- تزيد على خمسمائة كيلو متر، وكانت المواقع العسكرية العثمانية المتقدِّمة تشهد اضطرابًا وعدم ثبات في هذه الفترة، وخاصَّةً المواقع في صربيا، والبوسنة، ومقدونيا، ممَّا جعل وصول الإمدادات للجيوش العثمانيَّة أمرًا صعبًا جدًّا، وكانت خسارة جيش من جيوشها يعني الانسحاب إلى مسافات طويلة وعرة، ممَّا كان يُرهق الجيوش ويُصعِّب عليها المهمَّة، ولعلَّ اهتمام الفاتح بتثبيت الأقدام في مناطق صربيا والبوسنة، وعمليَّة تتريك أو أسلمة البوسنة، كان يهدف إلى وضع قواعد عسكريَّة قويَّة متقدِّمة في هذه المناطق تُجنِّب الدولة العثمانيَّة مثل هذه المشكلات العويصة التي رأيناها في ألبانيا.
أم ترجع هزائم العثمانيِّين إلى ثقتهم الزائدة، واستهانتهم بالتمرد الألباني وعدم إعطائهم إياه القدر المناسب من الاهتمام؟ إنَّ هذا أمرٌ واردٌ في الحقيقة؛ فالجيوش العثمانيَّة التي حقَّقت النصر على ملوك صربيا، وبلغاريا، ومقدونيا، والبوسنة، بل أسقطت الدولة البيزنطيَّة، كانت تنظر إلى تمرد ألبانيا على أنَّه زوبعةٌ في فنجان لن تلبث أن تنتهي؛ فجيشها صغير، وعدَّتهم بسيطة، وعلاقاتهم بأوروبا الغربيَّة غير وثيقة لاختلاف المذاهب الدينيَّة، وهذا ما جعل الدولة تُرسل إليهم فرقًا عسكريَّةً ثانويَّةً إلى حدٍّ ما؛ حيث لم يتحرك لهم الفاتح بنفسه حتى هذه اللحظة، بل لم يُرسل إليهم صدرًا أعظم كما فعل مع صربيا، أو البوسنة، أو اليونان، وهذه الثقة الزائدة عرَّضت الدولة العثمانيَّة لخسائر كثيرة، ولن تنضبط الأمور إلا بعد أن يُدرَس الموضوع بشكلٍ أعمق، ومِنْ ثَمَّ يُمكن تقدير القوَّة اللازمة لإتمام المهمَّة بنجاح.
أم ترجع الهزائم العثمانيَّة أخيرًا إلى شدَّة انشغال الجيوش العثمانيَّة في أكثر من ناحيةٍ في حروبٍ هي أشدُّ خطورةٍ من مسألة تمرد ألبانيا؟
لقد تمرد إسكندر بك على الدولة العثمانيَّة في وقتٍ حرجٍ من أوقاتها؛ فبداية التمرُّد كانت عقب هزيمة الجيوش العثمانيَّة من جيوش المجر في صربيا في نيش ثم صوفِيا، وذلك في سنة (847هـ= 1443م)[46]، ثم شُغِلت الدولة بشدَّة في مواجهة التحالف الصليبي الكبير الذي رغب في إخراج العثمانيِّين كُلِّيًّا من البلقان، الذي كان من نتيجته موقعة ڤارنا عام (848هـ= 1444م)، ولكن كتب الله النصر للعثمانيِّين[47]، ولكن البلاد لم تسترد عافيتها بشكلٍ كاملٍ لشدَّة الاضطرابات التي عمَّتها نتيجة الحملة الصليبيَّة، وعندما تولَّى السلطان محمد الفاتح الأمر عام (855هـ= 1451م) انشغل بشدَّة في مسألة فتح القسطنطينية، وعندما فُتِحَت عام (857هـ= 1453م) ظهرت مشاكل كثيرة شرقًا وغربًا في دولته، وكلُّها كانت مهمَّةً وعاجلة، ولا يستطيع بحالٍ أن يُؤجِّلها، وتحتاج إلى أعدادٍ كبيرةٍ من الجنود، كما تحتاج إلى تفريغ الجهد والذهن والعمل لها، على غرار مسألة حصار بلجراد عام (860هـ= 1456م)، ومشكلة تمرُّد صربيا، ومحاولة السيطرة على البلد عامي (862هـ= 1458م) و(863هـ= 1459م)، ومشكلة بقايا الدولة البيزنطيَّة ومملكة طرابزون عام (865هـ= 1461م)، ومشكلة تمرُّد الإفلاق وظهور دراكولا الثالث ومقاتلته عام (866هـ= 1462م)، ثم مشكلة البوسنة وتمرُّد زعيمها استيفين توماسيڤيتش، واضطرار الفاتح إلى توجيه كلِّ طاقته لإعادة فتح البوسنة، وتأمين الجبهة المقابلة لدولة المجر؛ حتى لا ينفتح المجال لهذه الدولة المعادية أن تنساح في الأراضي العثمانيَّة، فكانت معارك البوسنة في سنة (867هـ= 1463م).
إنَّها حياةٌ مشغولةٌ تمامًا بأزماتٍ متتاليةٍ كلِّها يُصَنَّف تحت عنوان «مهمٌّ وعاجل»! في ظلِّ هذه الأحداث الساخنة كانت مسألة ألبانيا -على خطورتها- أقلَّ أهميَّةً من كلِّ هذه الاضطرابات؛ لأنَّ ألبانيا تقع أقصى غرب الدولة، وتمرُّدها لن يُؤثِّر بشكلٍ مباشرٍ في الكيان الشامل للدولة، بينما تُؤثِّر مشكلات صربيا، واليونان، والإفلاق، والأناضول، والبوسنة، على الدولة كلِّها، ويُمكن لهذه المشكلات أن تُقوِّض أركان الحكم بسهولة، ولهذا كانت هذه الأزمات تأخذ اهتمام الدولة الأكبر، ويتبقَّى جزءٌ ضئيلٌ من الطاقة يُتوجَّه إلى ألبانيا، فتكون النتيجة باستمرار الانتصار الألباني والهزيمة العثمانيَّة، ويبدو أنَّ العثمانيِّين كانوا قانعين في هذه الفترة بالاكتفاء بتحجيم قوَّة إسكندر بك، والحدِّ من طموحاته في التوسُّع في مقدونيا أو اليونان، أمَّا القضاء عليه قضاءً مبرمًا فلم يكن من الأهداف الكبرى للدولة في هذه المرحلة.
أمَّا الآن فالوضع مختلف!
سبب الاختلاف هو أن فتح البوسنة قد يدفع إسكندر بك إلى نقض المعاهدة مع الدولة العثمانية، والانضمام بقوته إلى البابا، والمجر، والبندقية، وهذا قد يُعطي الألبان قوَّةً أكبر تُمكِّنهم من الخروج إلى الحدود المجاورة (أي مقدونيا واليونان)، وليس الاكتفاء فقط بالاستقلال بألبانيا، ومن هنا صارت هذه المشكلة من المشكلات الضاغطة، التي تحتاج إلى رؤيةٍ جديدةٍ تُناسب هذا التطوُّر الأخير.
المشكلة الرابعة: تنشيط البابا لفكرة الحرب الصليبية:
ذكرنا أن البابا يسعى منذ ولايته عام 1458م إلى تحريك حرب صليبية كبيرة ضد الدولة العثمانية، لكنه لم يفلح في ذلك حتى هذه اللحظة، أما الآن، وبعد فتح البوسنة، وإسقاط بلد هو محسوب على الكاثوليك، وحدوده ملاصقة لكرواتيا والمجر الكاثوليكيتين، وقد أصبح الجيش العثماني على مقربة من البحر الأدرياتيكي الفاصل بين البلقان وإيطاليا، بعد كل هذة التطوُّرات يُتوقع أن يتمكن البابا من تحريك الزعماء الأوروبيين للقيام بحملة صليبية كبيرة؛ لأن الخطر صار يتهددهم بشكل مباشر.
هذه مشكلة كبرى قد تواجه الدولة العثمانية في القريب العاجل، ولكن المشكلة الأكبر أن وجهة هذه الحملة المرتقبة غير معروفة!
هل سيتَّجه إلى جزر بحر إيجة فيُساعد البنادقة على إسقاط اليونان، ومهاجمة الدولة العثمانية من جنوبها؟
هل سيتَّجه إلى سواحل دالماسيا الكرواتية، ثم ينتقل عن طريق البرِّ للتَّحالف مع جيش المجر في غزو الدولة العثمانيَّة من غربها من ناحية البوسنة وصربيا؟
هل سيعبر الأدرياتيكي إلى ألبانيا، فيشترك مع إسكندر بك في التوغُّل في مقدونيا أو غرب اليونان؟
أم هل سيترك كلَّ هؤلاء ويتَّجه إلى نقطةٍ جديدةٍ تُشَتِّت الدولة العثمانيَّة؛ مثل: ضرب الأناضول، أو الغزو من الشمال لاستعادة الإفلاق، أو مهاجمة إسطنبول العاصمة نفسها وإعادة الاحتلال اللاتيني الذي قام به الصليبيُّون الكاثوليك قبل ذلك بمائتين وستِّين سنة، وذلك في عام 1204م؟
إنَّها كلها احتمالات واردة.. ومن المؤكَّد أنَّ البابا بيوس الثاني سيسعى إلى إحداث جرحٍ كبيرٍ في صدر الدولة العثمانيَّة؛ لأنَّه كان -منذ ولايته عام 1458م- من أشدِّ المتحمِّسين لتوجيه حربٍ صليبيَّةٍ للدولة العثمانيَّة، وإذا كان قد فشل في ذلك في سنواته الخمس الأولى، فإنَّ الفرصة قد جاءته الآن، ولن يسمح -على الأغلب- بتضييعها!
المشكلة الخامسة: التمرد المتكرر لإمارة قرمان:
لم تكن الأزمات التي تُواجه الفاتح في هذه المرحلة التاريخيَّة الحرجة مشاكل أوروبيَّة نصرانيَّة فقط؛ بل نمى إلى علمه سعي الدول الأوروبيَّة إلى التحالف مع بعض الأعداء التقليديِّين للدولة العثمانيَّة من المسلمين! وكان الخطر الأوَّل الذي يتوقَّعه الفاتح في هذه المرحلة قادمًا من إمارة قرمان الأناضوليَّة! التي كانت تحت حكم إبراهيم بك الثاني القرماني.
كان إبراهيم بك من أكثر الشخصيَّات إزعاجًا للدولة العثمانية في كل تاريخها! لم ينسَ قط الماضي التليد لإمارة قرمان، ولا سيطرتها السابقة على الأناضول آخر أيَّام السلاجقة، ولم ينسَ أنَّ أفول نجم القرمانيِّين كان مرتبطًا بظهور العثمانيِّين على الساحة، ومِنْ ثَمَّ جعل نصب عينيه طوال حياته ضرب العثمانيِّين كلَّما سنحت الفرصة، مع أنَّه تولَّى الحكم عام 1424م بمساعدة العثمانيِّين أنفسهم، وكان ذلك في زمن مراد الثاني والد محمد الفاتح[48][49].
لم يكن إبراهيم بك دائم الانقلاب فقط على الدولة العثمانيَّة؛ إنَّما كان للأسف الشديد كثير التعاون والتحالف مع الصليبيين للإيقاع بالعثمانيِّين، وقد فعل ذلك أكثر من مرَّة أيَّام مراد الثاني، وتحالف مع المجر ضدَّ الدولة العثمانيَّة أكثر من مرَّة[50][51] مستغلًّا طبيعة التسامح والحلم التي كانت تُميِّز السلطان مراد الثاني، الذي كان يقبل منه الاعتذار بعد كلِّ خيانة، والعهد بعد كلِّ غدر! وكانت أخطر تحالفاته مع الصليبيين تلك التي فعلها عام (848هـ= 1444م) عند تحرُّك الجيوش المجريَّة بصحبة عددٍ كبيرٍ من الصليبيين من مختلف أنحاء أوروبا فيما عُرِفَ بالجيش الصليبي العظيم نحو ڤارنا[52] بنِيَّة استئصال جذور الدولة العثمانيَّة تمامًا، فتحالف إبراهيم بك معهم ليضرب الدولة العثمانيَّة في ظهرها بينما هي تتوجَّه ناحية الصليبيين، وهذا هو الذي دفع الفقيه الإسلامي الكبير ابن حجر العسقلاني للفتوى بوجوب قتل هذا الرجل إن لم يتب عن هذه الجرائم![53].
أراد مراد الثاني أن يحلَّ مشكلة قرمان بأسلوبٍ هادئٍ يُناسب المرحلة، فسعى لتزويج ابنه ووليِّ عهده محمد الفاتح من ابنة إبراهيم بك[54] آملًا أن تفعل الروابط الأسريَّة الجديدة ما لم تفعله المعاهدات السياسيَّة، وتم الزواج بالفعل، ولكن بعد الزواج بشهرٍ واحدٍ تُوفِّي مراد الثاني، وتولَّى حكم الدولة العثمانيَّة السلطان محمد الفاتح، فكان العجب العجاب! حيث انقلب إبراهيم بك مباشرةً على زوج ابنته محمد الفاتح، ممَّا دفع السلطان الجديد إلى تسيير أولى حملاته العسكريَّة إلى قرمان مرغِمًا حماه إبراهيم بك على الخضوع له والقبول بتبعيَّة قرمان للدولة العثمانيَّة![55][56].
هدأت الأمور في قرمان، خاصَّةً بعد فتح القسطنطينية وبزوغ نجم السلطان محمد الفاتح، وصار من الصعب على إبراهيم بك أن يُؤجِّج ثورةً أو تمرُّدًا على هذا الفاتح العظيم، لكن بعد مرور عشر سنوات على فتح القسطنطينية، وبعد هذا التحالف الصليبي الكبير ضدَّ محمد الفاتح، قد تكون هناك فرصةً لإعادة الكَرَّة ومحاولة الخروج من تبعيَّة الدولة العثمانيَّة، أو إسقاطها إن استطاع.
وردت الأخبار إلى محمد الفاتح أنَّ المجر والبابا والبندقية يسعون إلى التحالف مع زعيمٍ إسلاميٍّ يُهدِّد الدولة العثمانيَّة من جهة الشرق، وكان أحد المرشَّحين لذلك هو الأمير كثير التمرُّد إبراهيم بك[57]، ولكن وردت أخبار كذلك بأنَّ هناك بوادر حربٍ أهليَّةٍ في قرمان بين أبناء إبراهيم بك؛ حيث أعلن ابنه أحمد ولايته لعرش قرمان، على الرغم من أنَّ أباه قد جعل وليَّ عهده ابنه الأكبر إسحاق، ولم يستطع إبراهيم بك أن يفعل شيئًا، بل هرب إلى مدينةٍ صغيرةٍ تاركًا ابنيه إسحاق وأحمد في صدامٍ عسكريٍّ حقيقي[58][59][60]. لقد كانت مشكلةً كبيرةً تُواجه السلطان محمدًا الفاتح، فإمارة قرمان دائمة التقلُّب، وهي الآن على مفترق طرق، ومن سيتولَّى زعامتها قد يأخذ قرارًا بالتحالف مع الصليبيين ضدَّ الدولة العثمانيَّة، ومن هنا كان ينبغي له أن يتدخل في السياسة القرمانيَّة، وخاصَّةً أنَّها إحدى الإمارات التابعة للدولة العثمانيَّة. نعم هي تدار بأسلوب الحكم الذاتي، وليس بشكلٍ مباشرٍ من الدولة العثمانيَّة، لكنَّها في النهاية غير مخوَّلة لأخذ قراراتٍ سياسيَّةٍ تُؤثِّر في مسيرة الدولة العثمانية؛ بل إنَّها تدفع مبلغًا للدولة العثمانيَّة نظير الحماية والتبعيَّة، ولذا فهناك دورٌ مؤثِّرٌ ينبغي للدولة العثمانيَّة أن تؤديه في هذه الأزمة.
المشكلة السادسة: التهديد الإيراني المحتمل:
لم تكن مشكلة إبراهيم بك وإمارة قرمان هي المشكلة الإسلاميَّة الوحيدة التي تُواجه السلطان محمدًا الفاتح في هذه الفترة التاريخيَّة المعقَّدة من حياة الدولة؛ بل كانت تأتيه متاعب أخرى من دولةٍ إسلاميَّةٍ مجاورةٍ أشد خطورةٍ من قرمان؛ وأعني بها دولة الخرفان البيض، أو الآق قوينلو، وهي الدولة التي تحكم إيران وأجزاء من العراق وغيرها من الأماكن المحيطة، وكان زعيمها أوزون حسن له تطلُّعات توسُّعيَّة كبيرة، وله أطماع في المناطق المجاورة بما فيها الأناضول العثماني، وقد كان حليفًا لإمبراطور طرابزون النصراني[61]، ففقد بانهيار إمبراطوريته ودخولها في الدولة العثمانيَّة نصيرًا مهمًّا له، ممَّا أوغر صدره تجاه السلطان الفاتح، وقد وردت الأخبار بأنَّ الغرب الصليبي يسعى للتَّحالف مع أوزون حسن لضرب الدولة العثمانيَّة[62]، فكانت مشكلة تحتاج إلى وقفة.
حتى هذه اللحظة في تاريخ الدولة العثمانيَّة لم يكن يأتيها تهديدٌ يُذكر من جهة إيران، اللهمَّ ما كان من الاجتياح الرهيب لتيمورلنك عام (804هـ= 1402م)، ولكن هذا الاجتياح التيموري لم يكن ناشئًا من إيران، إنما كان قادمًا من أواسط آسيا مرورًا بإيران، ولكن منذ هذه المرحلة التاريخيَّة في عمر الدولة، أعني زمن محمد الفاتح، سيبدأ الجار الإيراني في تمثيل تهديدٍ مباشرٍ مستمرٍّ للدولة العثمانيَّة، ولعلَّ هذا يرجع إلى تمدُّد الدولة العثمانيَّة شرقًا حتى صارت حدودها ملاصقةً لإيران، ممَّا سيُحدث توتُّرًا يتطوَّر إلى صراعٍ عسكريٍّ في كثيرٍ من المراحل، فضلًا عن الاختلاف المذهبيِّ العميق بين إيران والعثمانيِّين؛ حيث توطَّنت المذاهب الشيعيَّة في منطقة إيران، بينما كان العثمانيُّون سُنِّيِّين أحناف كما هو معروف.
بدايات التوتُّر كانت في عهد محمد الفاتح، وكانت على يد هذا الرجل الذي ذكرناه؛ أوزون حسن، وكان مستعدًّا للتَّعاون مع النصارى لحرب الدولة العثمانيَّة، لكنَّه كان يتحيَّن اللحظة المناسبة. وفي السنة التي نحن بصدد تحليلها -أعني سنة 1463م- أرسلت البندقية سفيرًا يُدعى لازارو كيريني Lazzaro Querini، لدعوة أوزون حسن للانضمام إلى الحلف الصليبي ضدَّ الدولة العثمانيَّة، ولكن أوزون حسن لم يكن مستعدًّا لقتال العثمانيِّين في ذلك التوقيت خشية الدخول في حربٍ غير محسوبة، فآثر أن يرى نتائج التحالف الصليبي أوَّلًا، ثم يخوض غمار حربٍ لاحقةٍ مع الدولة العثمانيَّة في ظروفٍ أفضل له، ومع ذلك فهو لم يُغلق الباب مع البندقية؛ إنَّما أرسل سفيرًا إيرانيًّا لردِّ الزيارة إلى البندقية[63]، وسيكون لهذه السفارات آثارٌ في المستقبل.
كان مجرَّد تبادل السفارة بروحٍ ودِّيَّةٍ مع دولةٍ معاديةٍ للدولة العثمانيَّة يُعَدُّ إبداءً لنوايا حربٍ مع العثمانيِّين، ومِنْ ثَمَّ كان على الفاتح أن يحسب حساباته الجديدة مبنيَّة على أساس أنَّ أوزون حسن عدوٌّ مرتقب، قد يضرب ضربته في أيِّ لحظةٍ في الفترة القادمة.
كانت هذه هي المشاكل الستَّة التي تُواجه محمدًا الفاتح في هذه المرحلة التاريخيَّة، ولعلَّه من المناسب أن نُعيد رصد هذه المشكلات بإيجازٍ حتى نستطلع عن بيِّنةٍ الخطواتِ القادمةَ في حياة السلطان الكبير.
أوَّلًا: مشكلة بحر إيجة الواقع تحت سيطرةٍ نصرانيَّة كبيرة، الذي تستخدمه البندقية للهجوم على الدولة العثمانيَّة، مع الأخذ في الاعتبار قوَّة الأسطول البندقي بالقياس إلى الأسطول العثماني.
ثانيًا: مشكلة ملك المجر ماتياس، وجيشه القوي المسمَّى بالجيش الأسود، وأطماعه التوسُّعيَّة في منطقة البوسنة.
ثالثًا: مشكلة تمرد إسكندر بك في ألبانيا، وهو الرجل صاحب الانتصارات المتكرِّرة على العثمانيِّين، وقد يغزو مقدونيا أو اليونان التابعتين للدولة العثمانيَّة.
رابعًا: مشكلة البابا بيوس الثاني الذي يُجهِّز جيشًا لا يَعرف أحدٌ إلى أين سيتَّجه.
خامسًا: مشكلة إمارة قرمان واستعداد واليها إبراهيم بك للتعاون مع الصليبيين، ثم الحرب الأهليَّة التي تدور بها بين أبنائه تنازعًا على عرش قرمان.
سادسًا: مشكلة دولة الآق قوينلو في إيران وزعيمها أوزون حسن صاحب الأطماع في الدولة العثمانيَّة، وصاحب العلاقات الدبلوماسيَّة مع البندقية.
تُرى ماذا سيكون ردُّ فعل أوروبا وأعداء الدولة العثمانية بعد فتح البوسنة؟ وهل ستتحرك جيوشها ضد العثمانيين مجتمعة أم متفرقة؟ وماذا سيفعل السلطان الفاتح إزاء ردود الفعل الغاضبة من القوى المعادية؟!
هذا ما سنعرفه في المقال القادم![64].
[1]Bowman John S. [et al.] Frommer's Greece [Book]. - Hoboken, NJ : John Wiley Sons Inc,., 2010, p. 12.
[2] Cipriani Christine Europe [Book]. - New York, USA : Fodor's Travel Publications, 1998, p.439.
[3] Stokvis Anthony Marinus Hendrik Johan Manuel d'histoire: Les états de Europe et leurs colonies [Book]. - [s.l.] : E. J. Brill, 1889, p. 480.
[4] Doumanis Nicholas A History of Greece [Book]. - [s.l.] : Macmillan, 2009, p. 152 .
[5] Midgette Anne Greek Islands [Book]. - Munich, Germany : Hunter Publishing, Inc, 1999, pp. 111-119.
[6] Setton, 1975, vol. 5, p. 422.
[7] Tiepolo Maria Francesca and Tonetti Eurigio I greci a Venezia. Istituto veneto di scienze [Book]. - [s.l.] : stituto Veneto de Scienze, Lettere ed Arti., 2002, p. 201.
[8] Giannopoulos Giannis Δωδεκάνησος, η γένεση ενός ονόματος και η αντιμετώπισή του από τους Ιταλούς» [Dodecanese, the genesis of a name and the Italian approach]. (in Greek) [Book]. - [s.l.] : Ἑῶα καὶ Ἑσπέρια, 2006, pp. 275-276.
[9] Soucek, 1954, vol. 8, p. 569.
[10] ول ديورانت: قصة الحضارة، المترجمون زكي نجيب محمود، وآخرين و تقديم: محيي الدين صابر. - بيروت لبنان : دار الجيل – بيروت لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1988م صفحة 15/40.
[11] Bak János M. [et al.] The Laws of the Medieval Kingdom of Hungary [Book]. - [s.l.] : Charles Schlacks, Jr,., 1992, vol. 3, p. 41.
[12] Engel Pál The Realm of St Stephen: A History of Medieval Hungary, 895–1526 [Book]. - London, UK : I.B. Tauris Publishers, 2001, p. 309.
[13] Rogers Clifford J The Oxford Encyclopedia of Medieval Warfare and Military Technology [Book]. - New York, USA : Oxford University Press, 2010, vol. 1, p. 306.
[14] Reid, 2010, vol. 3, p. 306.
[15] Komjáthy Anthony Tihamér and Foundation Rákóczi A thousand years of the Hungarian art of war [Book]. - Toronto, Canada : Rákóczi Foundation,., 1982, pp. 35-36.
[16] Jean Berenger C.A. Simpson A History of the Habsburg Empire 1273-1700 [Book]. - [s.l.] : Routledge., 2014, p. 108.
[17] Engel, 2001, p. 299.
[18] Kubinyi András Matthias Rex [Book] / trans. Gane Andrew T.. - Budapest : Balassi Kiadó, 2008, p. 65.
[19] Engel, 2001, p. 306.
[20] Tanner Marcus The Raven King: Matthias Corvinus and the Fate of his Lost Library [Book]. - [s.l.] : Yale University Press,, 2009, p. 70.
[21] Eagles Jonathan Stephen the Great and Balkan Nationalism: Moldova and Eastern European History [Book]. - [s.l.] : I.B. Tauris,, 2014, p. 214.
[22] محمد بك فريد تاريخ الدولة العلية العثمانية [كتاب] / المترجمون تحقيق: إحسان حقي. - بيروت، لبنان : دار النفائس، 1981م الصفحات 158-159.
[23] يلماز أوزتونا تاريخ الدولة العثمانية، المترجمون عدنان محمود سلمان و مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري. - إستانبول : مؤسسة فيصل للتمويل، 1988م صفحة 1/128.
[24] Ramet Sabrina Nihil obstat: religion, politics, and social change in East-Central Europe and Russia [Book]. - Durham : Duke University Press,, 1998, p. 209.
[25] فريد، 1981م الصفحات 158-159.
[26] Esherick Joseph W., Kayali Hasan and Young Eric Van Empire to Nation: Historical Perspectives on the Making of the Modern World [Book]. - [s.l.] : Rowman & Littlefield Publishers., 2006, p. 200.
[27] فريد، 1981م صفحة 159.
[28] Housley Norman The Later Crusades 1274-1580 [Book]. - New York, USA : Oxford University Press, 1992, p. 90.
[29] Hodgkinson Harry Scanderbeg.. From Ottoman Captive to Albanian Hero [Book]. - London, UK : Centre for Albanian Studies, 1999, p. 75.
[30] Russel Jesse and Cohn Ronald Battle of Torvioll [Book]. - [s.l.] : Book on Demand., 2013.
[31] Hodgkinson, 1999, p. 81.
[32] Franco, 1480, p. 310.
[33] Hodgkinson, 1999, pp. 101-114.
[34] Noli Fan Stilian George Castrioti Scanderbeg (1405–1468) [Book]. - New York, USA : International Universities Press, 1947, p. 199.
[35] Francione Gennaro Skënderbeu, një hero modern : (Hero multimedial) [Skanderbeg, a modern hero (Hero multimedia)] (in Albanian) [Book] / ed. Aliaj Donika and Aliaj Tasim. - Tiranë, Albania : Naim Frashëri,, 2003, p. 119.
[36] Franco, 1480, p. 316.
[37] Francione, 2003, p. 106.
[38] Francione, 2003, p. 108.
[39] Hodgkinson, 1999, pp. 148-149.
[40] Franco, 1480, p. 329.
[41] Gibbon Edward The History of the Decline and Fall of the Roman Empire (vol 2 1807, vol6 1826, 1957, vol 7 2008) [Book]. - [s.l.] : J. & J. Harper, 1807, vol. 6, p. 291.
[42] Frashëri Kristo Gjergj Kastrioti Skënderbeu: jeta dhe vepra, 1405–1468 [Book]. - [s.l.] : Botimet Toena, 2002, p. 135.
[43] راغب السرجاني المشترك الإنساني- القاهرة - مصر : مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، 2011م، صفحة 151.
[44] Koleka Shpati An Investor ́s Guide to Albania [Book]. - Norderstedt, Germany : GRIN Verlag,, 2009, p. 3.
[45] Streissguth Tom Albania in Pictures [Book]. - Minneapolis, MN, USA : Twenty-First Century Books, 2010, p. 14.
[46] فريد، 1981م الصفحات 158-159.
[47] فريد، 1981م صفحة 158.
[48] فريد، 1981م صفحة 154.
[49] İnal Halil İbrahim Osmanli Tarihi [Book]. - [s.l.] : Nokta Kitap, 2008, p. 128.
[50] إبراهيم بك حليم تاريخ الدولة العثمانية العلية (التحفة الحليمية في تاريخ الدولة العلية)- بيروت، لبنان : مؤسسة الكتب الثقافية، 1988م الصفحات 58-60.
[51] Yüce Yaşar and Sevim Ali Türkiye tarihi Cilt I [Book]. - İstanbul : AKDTYKTTK Yayınları,., 1991, p. 252.
[52] حليم، 1988م الصفحات 60-61.
[53] أوزتونا، 1988م صفحة 1/125.
[54] أوزتونا، 1988م صفحة 1/129.
[55] القرماني أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، تحقيق: الدكتور أحمد حطيط، الدكتور فهمي السعيد [كتاب]. - [مكان غير معروف] : عالم الكتب، 1992م صفحة 3/27.
[56] حليم، 1988م صفحة 64.
[57] Shaw Stanford Jay and Shaw Ezel Kural History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Empire of the Gazis - The Rise and Decline of the Ottoman Empire, 1280–1808 [Book]. - [s.l.] : Cambridge University Press., 1976, vol. 1, p. 65.
[58] فريد، 1981م صفحة 172.
[59] Iorga Nicolae Osmanlı İmparatorluğu tarihi, Vol 2: 1451–1538 (in Turkish) [Book] / trans. Epçeli Nilüfer. - [s.l.] : Yeditepe, , 2005, p. 147.
[60] Yüce, et al., 1991, pp. 256-257.
[61] Runciman Steven The Fall of Constantinople 1453 [Book]. - NewYork, USA : Cambridge University Press, 1965, p. 173.
[62] القرماني، 1992م صفحة 3/34، 35.
[63] Babinger Franz Mehmed the Conqueror and His Time [Book]. - [s.l.] : Princeton University Press, 1978, p. 305.
[64] دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441هـ= 2019م، 1/ 422- 438.
التعليقات
إرسال تعليقك