المسلمون الجدد
قصة هداية ورشاد
قصص المسلمين الجدد مثيرة للغاية وتبعث على التأمل والتفكر، وتؤكد هذه القصص بما لا يدع مجالًا للشك أن الدين عند الله الإسلام، وأن الإسلام هو الحق وهو دين الفطرة، ومهما حاول أعداء الإسلام إطفاء نوره فلن يستطيعوا؛ إذ الله متم نوره ولو كره الكافرون، وقصص المسلمين الجدد أكبر شاهد على ذلك، وهذه البوابة ترصد المسلمين حديثي الدخول في الدين من الديانات والملل الأخرى، سواء كانوا مشاهير من سايسيين الرياضيين أو فنانين أو علماء أو مفكرين أو شخصيات عامة، تعرض قصة إسلامهم، كيف تعرفوا على الإسلام؟ ولم اعتنقوه؟ وما العوائق التي قابلتهم في رحلة الهداية.
ملخص المقال
ڤلاد الثالث المخوزِق أو دراكولا، الرجل الذي أُشيع عنه أنَّه اعتاد على شرب دماء ضحاياه! وبسببه بدأت كتابة قصص مصَّاصي الدماء.
لكي نفهم قصة ڤلاد الثالث المعروف بالمخوزِق الكبير أو دراكولا، لا بد لنا من خلفية تاريخية سريعة عن الأحداث التي ظهر خلالها هذا الرجل.
في عهد السلطان مراد الثاني (والد محمد الفاتح) وتحديدًا في سنة 1431م ظهر على مسرح الأحداث السياسية في تاريخ الدولة العثمانية ڤلاد الثاني وهو أحد النبلاء الرومانيين الطامحين في حكم الإفلاق، وإقليم الإفلاق حاليًا هو النصف الجنوبي تقريبًا من جمهورية رومانيا، وقد دخلت إمارة الإفلاق تحت الحماية العثمانية في زمن بايزيد الأول سنة 1391م، وقبلت أن تدفع الجزية للدولة العثمانية في مقابل الحماية العسكرية.
في عام 1436م تمكن ڤلاد الثاني من غزو الإفلاق، وحكمها تحت رعاية ملك المجر، ورفض دفع الجزية للدولة العثمانية، فاعتقلته الدولة العثمانية هو وأولاده، ثم أُطلق صراحه بعد عام واحد من حبسه ليحكم الإفلاق مرة أخرى، ولكن بشرط أن يترك ولدين من أولاده رهينة لدى الدولة العثمانية لضمان ولائه لها، والولدين هم: رادو وڤلاد الثالث الذي نحن بصدد الحديث عنه.
بعد وفاة ڤلاد الثاني أطلق العثمانيون سراح ڤلاد الثالث ابن ڤلاد الثاني ليحكم الإفلاق باسمهم، وكان هذا في سنة 1448م، وتلقَّب ڤلاد الثالث بلقب «ابن التنين»؛ أي «دراكولا»، ومع شدته وقوة بأسه إلا أنه لم يستطع أن يلبث في الحكم كثيرًا؛ حيث انقلب عليه نبلاء رومانيا وخلعوه، ولم يرغب ڤلاد الثالث في طلب العون من العثمانيين وهرب إلى الحاكم المجري هونيادي.
بعد هزيمة العثمانيِّين بقيادة السلطان محمد الفاتح أمام حاكم المجر هونيادي في بلجراد عام 1456م وجد ڤلاد الثالث (دراكولا) الفرصة سانحة للعودة إلى الإفلاق وتولى حكمها، ومارس ترتيب الأوضاع هناك بمنتهى القسوة والشدة، وبدأ بقتل النبلاء الذين خلعوه من قبل، كما وضع قوانين صارمة لمقاومة اللصوص والمجرمين والمتمرِّدين على حكمه، وكانت طريقة إعدامه المفضَّلة هي الإعدام بالخازوق؛ ولذلك عُرِفَ في التاريخ باسم ڤلاد الثالث المخوزِق، ونتيجة لقسوته الشديدة إشيعت عنه القصص المرعبة في الأشعار والأدبيات، حتى أشاعوا أنَّه اعتاد على شرب دماء ضحاياه! وبدأت كتابة قصص مصَّاصي الدماء منذ ذلك الحين..
لم يقطع ڤلاد الثالث الجزية التي كانت تُدفع إلى الدولة العثمانية إلا بعد مدة خمس سنوات من حكمه، حيث انقطع عن دفعها سنة 1461م، ومن ناحية أخرى وردت أنباء لمحمد الفاتح أن ڤلاد الثالث قام بعلاقات سياسية سرية مع ملك المجر ضد الدولة العثمانية، وحينذاك استدعى الفاتح ڤلاد الثالث إلى إسطنبول لمناقشة هذه الأزمة؛ ولكنه رفض الإذعان لطلبه، وأرسل خطابًا لمحمد الفاتح في سنة 1461م يُخبره فيه بعدم قدرته على دفع الجزية، وكذلك عدم إمكانيَّة حضوره لإسطنبول خوفًا من هجوم ملك المجر على بلاده.
هنا قرَّر الفاتح أن يُرسل فرقة من ألف فارس عثماني إلى ڤلاد الثالث لإجباره على تنفيذ مطالب السلطان؛ ولكن للأسف قام ڤلاد الثالث بإعدام الفرقة العثمانية كلها بالخوازيق، ولم يكتفِ بهذا؛ إنَّما اجتاحت جنوده بعض القرى التي تتبع العثمانيين، وقتلوا ما يقرب من 25 ألف مسلم، كانت كارثةً بكلِّ المقاييس، فأرسل السلطان محمد الفاتح جيشًا أخر تعداده 18 ألف مقاتل، إلَّا أنَّ ڤلاد الثالث انتصر على هذا الجيش أيضًا، فلم يجد السلطان محمد الفاتح حلًّا إلَّا أن يتحرَّك بنفسه إلى لقاء ڤلاد الثالث دراكولا المرعب، وبالفعل بدأ الفاتح في حشد جيش كبير وصل عدده إلى 150 مقاتل.
اصطحب السلطان محمد الفاتح معه في حملته هذه رادو العادل وهو الأخ الأصغر للأمير ڤلاد الثالث، الذي كان أسيرًا عند الدولة العثمانية، وتختلف المصادر في إسلامه من عدمه؛ لكنَّهم يتَّفقون على سموِّ أخلاقه، وحسن تربيته وثقافته، ودرايته بالقرآن، وقد كان صديقًا مقربًا من الفاتح، وأراد الفاتح أن يضعه على إمارة الإفلاق بعد أن يُزيح عنها دراكولا.
تحرَّك الجيش في سنة 1462م، وتوجه مباشرة إلى الإفلاق مركز حكم ڤلاد الثالث الذي بدوره اتَّبع في مواجهة جيش الفاتح سياسة الأرض المحروقة؛ حيث كان يَحرِق كلَّ المزروعات في طريق الجيش العثماني حتى لا يتوفَّر له طعامٌ يكفي لغذائه، كما سمَّم المياه، وخَلَق المستنقعات التي تعوق حركة الجيش عن طريق تحويل مجاري المياه والأنهار الصغيرة، بالإضافة إلى ذلك كان يقوم بحرب العصابات ضدَّ الجيش العثماني.
وعلى الرغم من هذه الإجراءات لم يتوقَّف الجيش العثماني عن الزحف، ودارت موقعة كبيرة بين الطرفين في أثناء الليل، واستمر القتال لعدَّة ساعات؛ ولكن دون خسائر كبرى في الطرفين، أكمل الفاتح طريقه ثم دخل عاصمة الإفلاق فوجدها خالية من سكانها؛ ولكن وجد فيها مفاجأة قاسية؛ إذ صُدِمَ برؤية غابة كثيفة من الخوازيق تُشَكِّل ممرًّا طويلًا به أكثر من 20 ألف مسلم تخترقهم هذه الخوازيق المرعبة، وكانت الطيور الجارحة تنهش في أجساد الموتى في منظرٍ بشعٍ لم يرَ العثمانيُّون مثله قبل ذلك!
لم يحتمل السلطان محمد الفاتح المنظر الرهيب، فأمر جنوده بالانسحاب من المدينة على الفور، وعسكر خارج المدينة، ثم في الصباح قرَّر أن يستكمل رحلته في تتبُّع ڤلاد الثالث، الذي لم يكن يُريد الصدام المباشر؛ بل كان ينتقل داخل الإفلاق بسرعةٍ من موقعٍ إلى آخر، بدأت الأوضاع تسير إلى الأفضل، وفي نهاية يونيو 1462م اضطرَّ السلطان محمد الفاتح إلى ترك الإفلاق والعودة إلى أدرنة وترك فرقة كبيرة من جيشه مع رادو العادل، وقد دارت عدَّة معارك بين رادو وأخيه ڤلاد الثالث بعد رحيل محمد الفاتح، وبعد انتصارات وهزائم استقرَّت الأمور لرادو بعد شهر ونصف من رحيل الفاتح، وتولى رادو حكم الإفلاق تحت الحماية العثمانية.
أما ڤلاد الثالث فقد هرب إلى المجر، ولجأ إلى ملكها وحاول الحصول على دعمه للعودة إلى حكم الإفلاق، لكنَّ ملك المجر لم يكن يرغب في الصدام مع الدولة العثمانية، فزجُّ بڤلاد الثالث في السجن! واستمر ڤلاد الثالث في سجنه؛ مدَّة ثلاثة عشر عامًا كاملة، حيث لم يخرج منه إلَّا في عام 1475م[1]، ولم يعش كثير، حيث قيل إنه قتل في معركة ضد العثمانيين في أواخر سنة 1476م أو سنة 1477م.
[1] انظر: دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441هـ= 2019م.
التعليقات
إرسال تعليقك