التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كانت شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان بأنه رجل من أهل الجنة نبوءة عجيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم له.
كانت شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ل عثمان بن عفان – عثمان بن عفان رجل من أهل الجنة – عثمان بن عفان شهيد من أهل الجنة – نبوءة عجيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان.
مَنْ مِنْ منتقدي عثمان يعرف مصيره؟
لا يعرف الناس قدر عثمان بن عفان رضي الله عنه عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الجهل يدفعهم للجرأة عليه وانتقاده. والسؤال: مَنْ مِنْ الذين ينتقدوه يعرف مصيره الأخروي؟ ومَنْ يعرف محصِّلة حسناته وسيئاته، وما يحدث له من فتن في المستقبل؟
أما عثمان فخاتمته ومصيره معروفان!
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ»[1]. وورد الحديث ذاته عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.
وله تبشيرات خاصة بدخول الجنة على أعمال معينة عملها:
وكلها أعمال تعود بالخير على الأمة، وليست أعمالًا فردية تعود عليه هو بالنفع، ولعل هذا يجعل مَنْ يتعدَّى عليه يستحي من ذلك! عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، وَلاَ أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ»؟ فَحَفَرْتُهَا، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ»؟ فَجَهَّزْتُهُمْ، قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ»[2].
إثبات الشهادة له:
وأثبت له الشهادة، والشهادة لا تكون إلا للصالحين المخلصين، وهي اصطفاء من الله تعالى. قال الله: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران: 140]. عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ[3] بِهِمْ، فَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ»[4]، وفي رواية أخرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ»[5].
بل يرى عدد من الصحابة أن عثمان لن يدخل الجنة فقط إنما سيُدْخِل معه عددًا كبيرًا من المسلمين بشفاعته:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي مِثْلُ أَحَدِ الْحَيَّيْنِ رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرَ» قَالَ: "فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه"[6]. ويرى آخرون أن هذا الرجل شخص آخر، مثل أويس القرني، ولا يبعد التكرار.
ويلفت النظر حديث يبشِّر عثمان بالجنة على بلوى تصيبه: عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَفَتَحْتُ لَهُ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»، فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: «افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ»، فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ المُسْتَعَانُ[7]. وفي رواية قال عثمان رضي الله عنه: "اللهُمَّ صَبْرًا".
وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس على حافة البئر، وجلس أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وجلس عثمان في مواجهته منفردًا. قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: فَتَأَوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمُ، اجْتَمَعَتْ هَاهُنَا وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ[8].
في هذا الحديث استنباطات مهمة كثيرة:
أولًا: فيه فضيلة هؤلاء الثلاثة عن غيرهم من المسلمين.
ثانيًا: فيه إثبات أن الثلاثة يستمرون على الهدى.
ثالثًا: فيه إشارة لترتيب الثلاثة في الخلافة، وهو متكرِّر في أحاديث أخرى مما يؤكِّده.
رابعًا: فِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِخْبَارِهِ بقصة عثمان.
خامسًا: الجنة ليست على البلوى، ولكن الجنة مكفولة له بأعمال كثيرة عملها منذ إسلامه، ولكن من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم إخبار الناس بمعلومة زائدة يكون فيها خيرٌ للمسلمين.
يقول الطيبي: قوله: (على بلوى تصيبه): على هاهنا بمعنى مع، أي بشره بالجنة مع بلوى تصيبه، فالْبِشَارَةُ مُقَارَنَةً بِالْإِنْذَارِ، ويؤيده قوله: (الله المستعان) أي على ما أنذر به صلى الله عليه وسلم[9].
سادسًا: ليست البلوى هي الاستشهاد، فإن الاستشهاد فضيلة، ولم يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم استشهاد عمر بلوى، ولكن البلوى هي الفتنة وفرقة المسلمين، فقد استُشهد عمر والمسلمون جميعٌ، اما استشهاد عثمان فكان في فرقة، وقاد إلى فرقة، وهذه هي البلوى، وكان هو أول الدافعين لحياته فيها، فهو أول المصابين بها على حدِّ تعبير النبي صلى الله عليه وسلم.
سابعًا: أظهر عثمان الاستسلام الكامل لله تعالى، ولم يشغل نفسه بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن طبيعة هذه البلوى، وفي هذا يقين عجيب، ورضا تامُّ الكمال!
ثامنًا: هذا هو أحد الأسباب التي من أجلها لم يدافع عثمان عن نفسه عند الحصار ليقينه من حدوث البلوى له، فلا داعي لتكلفة المسلمين ضحايا كثيرة والنتيجة محتومة.
تاسعًا: كان هذا الخبر مؤثِّرًا على عثمان في حياته كلها، وكذا في فترة خلافته، فعاش حياة الصابرين على البلوى حتى قبل أن تقع، وورد في الموطأ بسند صحيح أن الْفَرَافِصَةَ بْنَ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيَّ (تابعي ثقة) قال: «مَا أَخَذْتُ سُورَةَ يُوسُفَ إِلَّا مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِيَّاهَا فِي الصُّبْحِ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا لَنَا»، ويقول الزرقاني في شرح الموطأ: "يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ لِحَدِيثِ ايذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، وَسُورَةُ يُوسُفَ فِيهَا الْبَلْوَى[10].[11].
[1] الترمذي: كتاب المناقب، باب مناقب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، (3747)، والنسائي: السنن الكبرى (8194)، وأحمد (1675)، وقال الأرناءوط: إسناده قوي على شرط مسلم.
[2] البخاري: كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين، (2626).
[3] رجف: اضطرب واهتزَّ.
[4] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا»، (3472)، واللفظ له، وأبو داود (4651)، والترمذي (3697)، والنسائي: السنن الكبرى (8135)، وأحمد (12127).
[5] مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما، (2417)، والنسائي: السنن الكبرى (8207)، وابن ماجه (134)، وأحمد (9420).
[6] الآجري: الشريعة، 4/ 2011، وقال عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي: إسناده حسن. وقال عاطف عبد الوهاب: الأثر إسناده حسن. انظر: جامع الآثار القولية والفعلية الصحيحة للخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ص66.
[7] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه، (3490).
[8] البخاري: كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر، (6684)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه، (2403).
[9] شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (12/ 3880).
[10] شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 315).
[11] لمشاهدة الحلقة على يوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك