جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
حوار شامل مع الدكتور ناصر العمر حول عدة قضايا مهمة تتعلق بالواقع الفكري والدعوي والسياسي، فما هو رأيه في هذه القضايا؟
حوارمع الدكتور ناصر العمر حول عدة قضايا إسلامية مهمة تتعلق بالواقع الفكري والسياسيوالدعوي للمسلمين في واقعنا اليوم، ويبدأ الحوار بالحديث عن واقع السودان وينصحالجماعات السنية بالاتحاد فيما بينها، ولمحات عن الشيعة والتعامل معهم، وقضاياأخرى مهمة حول العلماء والمجاهدين
-أنصح الجماعات الإسلاميَّة في السودان بالبعد عن الحزبيَّة الضيقة.
-لا يوجد فصام بين المجاهدين والعلماء، ومن أطلق هذه الدعوى فهو مخطئ.
-أفضل وسيلة للتعامل مع المنافقين والخونة هي فضحهم.
-ادِّعاء أنَّ الرافضة إخواننا من التضليل وتلبيس الحق بالباطل.
-علينا أن نبيِّن للغربيِّين أنَّ الإسلام دين رحمة، لا كما يردده زعماؤهم بأنَّهدين العنف.
-المدَّعون لمنهج السلف كثر لا كثَّرهم الله، وهم من أكبر معوقي انتشار المنهجالسلفي.
**في بداية هذا الحوار نرحب بالشيخ ناصر بن سليمان العمر المشرف العام على شبكة المسلم بالإنترنت.
فضيلةالشيخ سيكون حوارنا حول قضايا مختلفة، نود أن نعرف رأيكم الكريم فيها، وهي متعلقةبالواقع الفكري والدعوي والسياسي.
-الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،وبعد.. أشكرك وأشكر الإخوة في جريدة المحرر السودانية الذين أكرموني بهذه الفرصةللحديث مع قراء الجريدة، وأسأل الله -جل وعلا- أن يوفق وأن يسدد.
السودان وحلقات الصراع
**يرى كثير من الناس أنَّ الحرب القادمة ستكون على السودان؛ فما رؤيتك حيال هذهالقضيَّة؟ وما توجيهك للجماعات الإسلاميَّة في السودان تجاه الخطر الأمريكيالقادم؟
- السودان -أعان الله المسلمين في السودان- لم تتوقف الحرب فيها منسنوات طويلة؛ فمن حرب إلى حرب؛ فبعد حرب الجنوب التي أهلكتالأخضر واليابس, وأهلكت الحرث والنسل بتجمع القوى الكافرة من يهودية ونصرانيةووثنية ضد السودان حتى قَبِل بالاتفاقية بين الجنوب والشمال، مع ما فيها من إجحافعلى أهل الشمال وعلى المسلمين؛ أملاً في أن يقف استنزاف الحرب. فإذا بهم يفتعلونمعركة أخرى في دارفور، والأمريجري فيها على ما نرى, وفوق ذلك كله لدى الأعداء مناطق ساخنة في السودان.
فأقول:إن الحرب في السودان لم تتوقف حتى نقول: إن الحرب القادمة ستكون في السودان! فالسودانمستهدَف منذ أكثر من عشرين أو ثلاثين سنة. ولذا فإني أرى أن على أهل السنة بالذات،وعلى المسلمين عمومًا في السودان، أن يقفوا صفًّا واحدًا، وأن يهيئوا أنفسهملمعارك مستمرة مع أعداء الله؛ فالسودان باب للإسلام مطل على إفريقيا لموقعهاالاستراتيجي العظيم، ولما عُرف عن أهل السودان من تدين بالجملة، كل هذا يوجب علىأهل السودان أن يستعدوا لحروب قادمة ومتواصلة لم يدخلوها باختيارهم, ولكنه مكرالليل والنهار، وأسأل الله أن يعينهم وأن يثبتهم وأن ينصرهم على أعدائهم.
المهمألا يختلفوا، وأن تتحد قلوبهم، وأن يدرّبوا شبابهم على الجهاد في سبيل الله، وأنيعلموا أن المعركة الفاصلة الكبرى مع العدو قريبة بإذن الله في مناطق عديدة وليسفي السودان فقط، فعليهم أن يتفاءلوا ويحسنوا الظن بالله جل وعلا.
أماما يتعلق ببقية هذا السؤال حول توجيه الجماعات الإسلامية في السودان؛ فقد زرتالسودان والتقيت عددًا من زعماء الجماعات الإسلامية السنية، ونصحتهم بأن تكونكلمتهم واحدة، وأن الاختلاف يجب أن يكون من اختلاف التنوع لا من اختلاف التضاد. ومعذلك فعليهم أن يتعاملوا مع الجماعات الأخرى بحكمة وبُعد نظر ومراعاة للمصالحوالمفاسد، ونسأل الله أن يوفقهم. وأنصحهم أيضًا بالبعد عن الحزبية؛ فقد شعرت أنالحزبية منتشرة بين بعض دعاة وشباب السودان, حتى إن ولاء بعضهم يكون للحزبوللجماعة والحركة، وهذا خطأ كبير..
فالجماعاتوالحركات وسائل وليست غايات؛ فإذا أصبحت الجماعة غاية يكون التفرق والاختلاف {
**نرى أحداثًا متلاحقة، وأخبارًا متسارعة في الأخبار والأحداث وخصوصًا عقِبَ أحداثالحادي عشر من سبتمبر، فما رؤيتكم للتعامل مع هذه الأحداث؟
-أرى أن تُنشأ مراكز دراسات، وأن يكون تعاملهم مع الأحداث ليس تعامل ردود أفعال؛ فمعكل الأسف! أكثر التعامل الآن ردود أفعال؛ إذا وقع الحدث بدأنا بردود الأفعال ثمنخبو بعد أمد، وهذا أثره محدود, ولا بد من خطط استراتيجية بعيدة المدى. ولا يمكنأن تُبنى الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى إلا على الدراسات، فإذا أوجدنا مراكزالدراسات العلمية المتخصصة استطعنا أن نتعامل مع الأحداث؛ كل حدث بما يناسبه. وقدتبدو الأحداث ومحاولات أعداء الله متفرقة، ولكنها في الحقيقة قد تنتظم في سياقواحد لا بد أن يخضع للدراسات، وتوضع الخطط الطويلة الضمينة بنهضة الأمة.. فهذاالذي أنصح به.
الشيعة.. وذر الرماد في العيون
**الكثير من الناس منخدع بحزب الله، فماالوسيلة التي تحبِّذها لإقناع الناس بخطورة أفكار هذا الحزب؟
-الذي أراه أن أفضل وسيلة هي فضح هذا الحزب؛ لأنه خدع الناس وموّه على العامة. وفضحهيكون بما يلي:
أولاً: إعادةالحزب إلى أصوله الشيعية الرافضية المنحرفة، وتبيين عقائده.
ثانيًا: بيان تاريخالشيعة على مدارالتاريخ، وأنهم لم يقاتلوا في سبيل الله يومًا واحدًا، ومن زعم ذلك فقد كذب. قديقاتلون حمية، قد يقاتلون من أجل الأرض التي دهمها عدوهم, قد يقاتلون لدنيا...،لكنهم لا يستقلون بقتال أعداء الله لأجل نشر دين الله ونصرة المستضعفين منالمسلمين في أرض فلسطين، بل التاريخ مليء بقتال الرافضة مع أعداء الله جل وعلا.
وإذانظرت في واحدة من أعظم النكبات التي حلت بالأمة في ماضيها (سقوط الخلافة العباسية)إبَّان سقوط بغداد عام 656هـ على أيدي التتار وجدت ذلكبتحالفٍ من عدو الله الطوسي, وهذا واحد من الشواهد على ما ذكرت. وقد بيّن شيخالإسلام أنه إذا قامت لليهود دولة في العراق فسوف يكون أقوى أعوانهم هم الرافضة. وهذاهو الواقع الآن؛ لمَّا جاءت أمريكا لاحتلال العراق كانالرافضة أقوى أعوانهم، وقد ذكر زعماء إيران أنهم هم الذينساعدوا على سقوط طالبان بالتحالف مع أمريكا, وأيضًا فإن شارون كشف وبيّن علاقةالشيعة الوثيقة باليهود.
إذًافضحهم وبيان تاريخهم وبيان جرائمهم المعاصرة -كما بيّنت- في تحالفهم لأجل إسقاططالبان وإسقاط بغداد، بل دورهم في حماية إسرائيل في جنوب لبنان، فماذا فعل الشيعة خلال عشرينسنة أو أكثر وهم في جنوب لبنان إلا حماية الحدود اليهودية؟! وأعتقد أن ما فعلوه فيلبنان من محاولتهم إسقاط الرمز الباقي لأهل السُّنَّة هناك، والفوضى التي أحدثوهاكلها تدل على هذا الأمر. ثم مما يبين ذلك علاقة هذا الحزب بالأحزاب في العراق، كحزب(مقتدى الصدر) الذي هو حزب الغدر وتدريبه لهم، فهو مساهم رئيسي في القتال فيالعراق ضد أهل السنة. كل هذا البيان يكشف لأهل السنة خداع هذا الحزب وكذبه، واللهالمستعان.
**يرى بعض المراقبين أو المحللين الاستراتيجيين أنَّ كثرة الحديث عن الشيعة وجرائمهمفي العراق سيفتح مجالاً كبيرًا لتقوية نفوذهم في العالم العربي، وقد يستفزهمالشيطان على إثارة القلاقل والإشكاليات ونقلها لساحة الدول السنيَّة المحيطة، وقدتسرَّب من الأنباء شيء من ذلك؛ فما رأيكم في ذلك؟ وهل من الحكمة طرْق الحديث حولذلك؟
-أتعجب من هذا الرأي! بل أقول: إن بعض الإسلاميين أو بعض طلبة العلم يطرح هذاالكلام. سبحان الله! وهل أبقى الرافضة مجالاً لأن يقال: إنَّنا نستفزهم بهذهالبيانات وبالحديث عنهم؟! هم لم يتركوا وسيلة للانتقام من الأمة إلا فعلوها، لميتركوا سبيلاً للخيانات إلا سلكوها؛ فلا بد من فضح الرافضة بإذاعة الحقائق, وكثرةالحديث عنهم, وبيان خطورتهم؛ من أجل أن تستيقظ الأمة, وأن تزيل اللبس الذي عشىأبصار كثير منهم سنوات..
فهناكمن يقول: إن الرافضة هم إخواننا، والفرق بيننا وبينهم يسير. وهذا غير صحيح،الرافضة هم أعداؤنا مع اليهود والنصارى {هُمُالْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4].
نعم!الشيعة ليسوا على درجة واحدة ولا نستطيع أن نعمِّم الحكم على كل شيعي، ولكن الحكمللأغلب؛ فأغلب الشيعة -وأقصد الرافضة وبخاصة دولتهم الصفوية في إيران-تخطط لمخطط جهنمي بعيد المدى, ولا ينبغي أن نلتفت لهؤلاء الملبِّسين أو المنهزمينمع كل أسف؛ فبعض الذين يطرحون هذا الطرح إنما يقفون هذا الموقف الانهزامي هروبًامن مواجهة الحقيقة، وهروبًا من الاعتراف بها. وهذه هزيمة عليهم أن يتخلصوا منها,بل يجب أن نستمر في الحديث عن الشيعة وأن نفضحهم كما فضح الله -جل وعلا- اليهودوالمشركين والمنافقين وسائر المبطلين، وعندها إذا التحمت الأمة مع أعدائها فليس منالسهل أن تُهزم، فقد عرفت العدو من الصديق، وَمَنْ تحذر ومن تأمن.
والمسلمون-والحمد لله- أقوياء، أهل السنة أقوياء، ليسوا لقمةسائغة نخاف عليهم بهذه السهولة، إنما الخوف من التلبيس والتضليل، وادعاء أنالرافضة هم إخواننا وأن الفروق بيننا وبينهم يسيرة. كل هذا من التضليل والتلبيس. والله-جلَّ وعلا- يقول: {وَلا تَلْبِسُواالْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 42]. وهذا من لبس الحقبالباطل.
ومنأقوى الأدلة على ذلك ما حدث أيام فتنة حزب الشيطان في لبنان، كيف حدثالتلبيس العظيم من بعض طلاب العلم ومن بعض الدعاة، ثم انكشف الأمر وبانت حقيقةالألعاب النارية الشيعية. فهل يرجع هؤلاء الدعاة الذين تحدثوا عن حزب الله بشيء منحسن النية وأثنوا عليه - هل يرجعون إلى رشدهم وإلى الصواب؟ والرجوع إلى الحق خيرمن التمادي في الباطل. فأقول: حذار من الدعوات الانهزامية! وحذارِ من التلبيس! وحذارمن استضعاف الأمة.
واقع الدعوة والعمل الإسلامي
**هل ثمَّة فصام حادث بين المجاهدين والعلماء بعد الفصام الحاصل بين العلماءوالحكَّام؟ وكيف يمكن الجمع والدمج بين آراء العلماء والمجاهدين؟
-لا يوجد -والحمد لله- أي فصام بين المجاهدين والعلماء، بل العلماء من المجاهدين.والجهاد كما بيّن المصطفى r يكون بالنفس، ويكون باللسان، ويكون بالمال؛ لأن النبي r -كمافي الحديث الصحيح- يقول: "جاهدواالمشركين بألسنتكم وأنفسكم وأموالكم", أو كما قال r.
ويقولالله I: {يَا أَيُّهَاالنَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}
بلحتى المجاهدون في جبهات القتال معهم عدد من العلماء، ولا يلزم أن يذهب العلماءجميعًا إلى جبهات القتال. فهذه الدعوى التي تُطلَق وتزعم انفصامًا بين المجاهدينوالعلماء غير صحيحة؛ فالمجاهدون -بالمصطلح الذي أشرتُ إليه- والعلماء في خندق واحد،وليس بينهم أي انفصال والحمد لله.
**ما الوسيلة التي تراها مناسبة للتعامل مع المنافقين والعملاء والخونة، خصوصًا فيالآونة الأخيرة؟
-هو أسلوب القرآن! ليس عندي إلا ما ورد في القرآن والسنة؛ وهو الفضح. فسورة براءةالتي تسمى (الفاضحة) وتسمى سورة (العذاب)، بيّنت المنهج في التعامل مع المنافقينوالعملاء. وآيات القرآن التي تحدثت عن المنافقين أكثر من الآيات التي تحدثت عناليهود، وأغلب السور المدنية لا تخلو من حديث عن المنافقين وخطورتهم وأساليبهم؛ فمنالمهم فضحهم وفضح علاقاتهم مع أعداء الله من اليهود والنصارى، والتركيز على صفاتهمأكثر من التركيز على أسمائهم..
فالقرآنليس فيه اسم منافق واحد، وإنما فيه جميع صفات المنافقين الظاهرة والخفية {
ومنهجالنبي r العملي في التعامل مع المنافقين، إضافةً إلى منهج القرآن التأصيلي,واختلاف أسلوب التعامل بين فئة وأخرى؛ فإذا استطعنا أن نستوعب منهج القرآن وما جاءفي السنة وجعلناه من صميم مناهجنا العامة والخاصة -بإذن الله- سيندثرون وينتهونكما انتهى المنافقون في عهد النبي
**فضيلة الشيخ، صدر منكم ومن غيركم عدَّة بيانات في الأحداث والنوازل التي دهمتالعالم الإسلامي؛ فهل كان لهذه البيانات صدى من قِبَلِ الحكومات لتبنِّيها؟ وهلكان لها تأثير على توجُّهاتهم؟
-لا أستطيع أن أزعم أن هذا حدث كما نريد أو لم يحدث؛ فهذا يجب أن يُبنى علىالدراسات العلمية المتخصصة، ولكني أقول: هي معذرة إلى الله جل وعلا. وصدورالبيانات واجب شرعي بغض النظر عن أثره {وَإِذْقَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْعَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}
مُجردكون البيان بيانًا للأمة وتبصيرًا لها يحيي قضية في قلوب بنيها، ويبصرهم بما يجبعليهم؛ هذا الأمر بمجرده من الأهمية بمكان. وما يدريك لعله إذا استبان للأمةالأمر, ثم تهيأت لها في مستقبلها أسباب عمله تبين لها وجوب القيام بعمله! فمجردإصدار البيان هو انتصار؛ فكيف إذا أثّر أثرًا ظاهرًا؟! ولا نقول: إن البيانات لمتؤثر؛ هذا غير صحيح! لكنني لا أستطيع أن أحكم على مدى ونسبة هذا التأثير. أما هلأثّرت؟ فأقول: نعم، الحكام يختلفون من بلد إلى بلد، والذي أعرفه مثلاً في بلادنا -فيالمملكة العربية السعودية- أن البيانات التي تصدر من العلماء لها مكانة عند الحكاموأثر؛ يراعونها ويستفيدون منها، وإن اختلفت نسبة الإفادة من بيان إلى بيان, ومنحادث إلى حادث. لكن الذي يقول: إنها لا تفيد؛ قوله خاطئ، ومع ذلك قد توجد دول لاتستفيد من البيانات. وهذه البيانات من باب إقامة الحجة عليهم، والمهم أن يستمرالعلماء في إصدار البيانات؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {
والعلماءهم ورثة الأنبياء، عليهم البلاغ، والبيانات من أقوى وسائل البلاغ، والأصل هو أنيستفيد منها الحكام وغير الحكام من العامة والخاصة، ولكن لنفرض جدلاً أن فئة منالحكام في بلد من البلدان لم تستفد منها؛ فالأمر ليس إلينا، وإنما علينا البلاغوالبيان للأمة، وهكذا كان الأنبياء؛ فبعض الأنبياء لم يُسمع له أو استجابت له قلة،ومع ذلك فقد بلغ ما أمره الله به, مع علم الله بأن مصيره القتل أو الطرد أو عدمالاستجابة له؛ ولكنه أعَذَر.
**يُلْحَظ قلَّة الدراسات المستقبليَّة حول القضايا الدعويَّة والتربويَّة بين طبقاتالدعاة أو مفكِّري الصحوة الدعويَّة والتربويَّة؛ فهل من كلمة تقدِّمونها في هذاالمجال؟
-أوافق على هذا الكلام، فهناك قلَّة في مراكز الدراسات، وكم أتمنى أن يكون هذاالعصر عصر إنشاء مراكز الدراسات العلمية المتخصصة! وأن تُبنى المواقف كلها علىمعلومات دقيقة؛ لأن الصراع اليوم صراع حضاري وعلمي، صراع بالأرقام والأمةالإسلامية -وبالذات الأمة العربية- من أفقر شعوب العالم -حسب علمي- لمراكزالدراسات. أقول: نحتاج إلى مراكز بحثية متخصصة تربوية ودعوية وعلمية. أتمنى أنتكون هناك مراكز خاصة وعامة، وأن تُبذل في ذلك الأموال.
وأدعورجال الأعمال والتجار كما يسارعون في إنشاء المساجد ومراكز الدعوة ودعم الجهاد -جزاهمالله خيرًا- أن يدعموا مراكز الدراسات؛ لأنه يُلحظ أنه إن طُلِب من بعض التجاردعمًا من أجل إنشاء مركز لدراسات فقد لا يتجاوب، ويتصور أن مراكز الدراسات ليستذات أهمية أو ذات بال! وهذا غير صحيح، اليوم من أحوج ما تحتاج إليه الأمة فيمسيرتها الحضارية وفي مواجهتها لأعدائها هو مراكز للدراسات العلمية المتخصصة فيالتربية، في الدعوة، في الاجتماع، في كل فنون العلم والدعوة والمعرفة.
المنهج السلفي الصحيح
**كيف تنظر لمستقبل الدعوة السلفية خصوصًا في ظل الهجمة الأمريكيَّة عليها؟ وكيفتقومون مسيرة الحركة السلفية؟ وما معوقاتها؟
- نظري للدعوة السلفية نظرة تفاؤل والحمد لله. واليوم الذي يرصدالدعوة خلال الثلاثين سنة الأخيرة - ينظر ويشاهد قوة انتشار المنهج السلفي الصحيح،وليس المنهج السلفي المزعوم. هناك مناهج سلفية مزعومة هي ضد منهج السلف؛ حتى وإنانتسبت للسلف. وأقصد بالمنهج السلفي الصحيح منهج الوسطية, منهج العدل, منهجالحكمة, الذي كان عليه النبي r وأصحابه؛ فهذا المنهج -والحمد لله- ينتشر انتشارًا قويًّا وصل إلىأمريكا الجنوبية, وصل إلى روسيا وإلى أستراليا. وهذا المنهج الذي جدّده الأئمة علىمدار التاريخ؛ كالأئمة الأربعة، وجدّده شيخ الإسلام ابن تيمية، وجدّده الإمام محمد بن عبد الوهاب،هذا المنهج نرى له انتشارًا عظيمًا رغم كيد الفرق المنحرفة, ولكن نحتاج إلى مزيدمن إيضاحه للناس بالحكمة والعدل، مع تنقيته من شوائب المدعين للسلفية.
والمدعونلمنهج السلفية كُثُر لا كثّرهم الله؛ فعلينا أن نبين للناس أن هؤلاء يسيئون لمنهجالسلف باسم منهج السلف، والفصل بيننا وبينهم هو الرجوع إلى الكتاب والسنة، وإلىمنهج النبي r وصحابته، وإلى منهج أئمة الإسلام المجمع عليهم كالأئمة الأربعة وغيرهم،وإلى منهج من ينتسبون إليه كشيخ الإسلام ابن تيمية، ومنهج الإمام محمد بن عبدالوهاب هذا هو الفصل بيننا وبينهم.
ومنالأهمية بمكان بيان منهج السلف على حقيقته وصورته الناصعة المتسمة بالوسطية والاعتدالواليسر, والبعد عن الإفراط والتفريط, والبعد عن الغلو والجفاء، والبعد عن مناهجالانحراف. وعلينا أن نستخدم وسائل العصر الحديثة، وخاصة الوسائل الإعلامية كالقنواتالفضائية، والإنترنت، وجميع وسائل الإعلام في نشر مذهب السلف بصورته الناصعةالصحيحة، وسوف تجد الأمة في هذا المنهج الراحة والطمأنينة؛ لأنه هو المنهج العدلوالمنهج الحق.
أمامعوقات المنهج السلفي؛ فمن أكبر المعوقات هم المدعون الذين ينتسبون لمنهج السلف،فبعض من ينتسب لمنهج السلف زورًا وبهتانًا ويتقمص منهج السلف وهم من أكبر العوائقضد انتشار هذا المنهج، وتبقى عوائق أخرى من اليهود والنصارى والمنافقينوالعلمانيين وأعداء الدين، والعوائق كثيرة {الم *
**هل يلزم من عقلية المفكر معالجة الأمور من نواحي عقلية أكثر من النواحي الشرعية؛لأن كثيرًا من المفكرين هكذا؟
-البعد عن منهج الشرع خسارة وبوار؛ فإذا وجدت شخصًا يَزعم أو يُزعم أنه مفكر إسلاميوهو بعيد عن الشرع، فاحكم عليه بالفشل؛ لماذا؟ لأن الأفكار التي هي من نتاج البشرالبعيدة خواء؛ كيف يبصر الحقيقة من أطفأ نور الوحي؟! لكن المفكر الذي يفكر في ضمنالإطار الشرعي وتحت ضوء النصوص الشرعية في ظل الوحيين هذا هو المفكر الحقيقي الذييمكن أن يرشد الأمة إلى طريق السلامة الأرشد وفقًا لمنهج شرعي. أما إذا كان الفكرأو المفكر منعزلاً أو مصادمًا لما جاء بالكتاب والسنة، فهو لا يستحق أن يسمىمفكرًا إسلاميًّا، بل هو فكر بشري قد يصيب وقد يخطئ، وقد يكون خطؤه أكثر من صوابه.
**لاستعجال النصر آفات لا تخفى على فضيلتكم؛ فهل تذكر لنا شيئًا من آفات الاستعجال؟وما المخرج المنجي من الانزلاق في منحدر تلك الآفة؟
-ألّفت كتابًا اسمه (حقيقة الانتصار) منذ خمسة عشر عامًا،ومادته موجودة أيضًا في محاضرة بعنوان (حقيقة الانتصار)، وقد كررت هذا المعنى فيكثير من دروسي ومحاضراتي، وبينت أن من أخطر ما يتعلق بالاستعجال ثلاث آفات من ثلاثفئات:
فأولاً:ما يقع من غلو وتصرفات طائشة بعيدة عن المنهج الشرعي. وقد ابتُليت الأمة في العصورالأخيرة بهذا النوع؛ كالتفجيرات الموجودة في بعض البلاد الإسلامية، ومدارس الغلوالموجودة في بعض البلاد الإسلامية؛ فكلها ناجمة عن استعجال النصروعدم فهم حقيقة الانتصار.
ثانيًا:التفريط والتساهل وتمييع أحكام الدين باسم الوسطية وباسم التيسير. هذا النوع منالآفات يحدث بسبب استعجال النصر. يريدون من الناس -مثلاً- أن يسلموا فتجدهميتنازلون عن أحكام الشرع ليسهل قبوله؛ فيأتوا بدين آخر غير الذي جاء به الرسول r.وغالبًا تجد أصحاب هذه الآفة قد اندثرت عندهم معالم الولاء والبراء، وبدأتالحوارات المعتمدة على ليِّ النصوص، والتشبُّث بالضعيف والشاذ في مقابل الصحيحالثابت؛ من أجل ما يرونه، أو يتوهمونه، مصلحة استجابة للمخالفين، حتى ضاعت معالمشرعية رئيسية. وأصحاب هذه الآفة هم المنهزمون، وقد يروجون لمنهجهم باسم الوسطية؛والوسطية منهم براء، وباسم التيسير؛ وهو تمييع؛ لأن التيسير هو دين الإسلامالحقيقي. بل هم يدعون للتمييع وتضييع أحكام الشرع والذوبان مع الغرب بأسماء كثيرة.كل هذا من خطورة استعجال النصر.
الثالثةهي اليأس؛ فبعض المستعجلين هم اليائسون والمتشائمون الذين استعجلوا النصر؛ فلما لميتحقق كما يريدون يئسوا وتشاءموا وقنطوا {وَمَنْيَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ}
مراكز للدراسات الاجتماعية
**الشعوب الإسلامية قلب أمَّتنا النابض، إلاَّ أنَّ لديها ظواهر تدل أحيانًا على شيءمن الجهل والسطحية مع الحرقة والحماسة والغيرة! كيف تحبِّذ أن تتعامل معها النخبالإسلاميَّة المثقفة؟ وهل ترى أن النخب الإسلاميَّة قصَّرت في أدائها مع شعوبها؟
-هذا الموضوع يختلف من بلد إلى بلد ومن منطقة إلى منطقة، ولا نريد أن نعمم الحكم. ونحنبحاجة -كما دعوت- إلى مراكز الدراسات الاستراتيجية؛ ومن ذلك مراكز للدراساتالاجتماعية التي تدرس سمات الشعوب وما تختلف فيه. لا نستطيع أن نقول الشعوبالعربية كالشعوب الأخرى؛ شعوب شرق آسيا غير شعوب إفريقيا، وشعوب أمريكا غير شعوبالدول العربية. دراسة علم الاجتماع الإسلامي تبين لنا نوعية الشعوب، وبعدها ندعوعلى بصيرة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِعَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}
وقدكان النبي r يعنى بهذا الجانب, بمعرفة القبائل والوفود والتعامل مع كل وفد وكلقبيلة بما يناسبها؛ فإذا أوجدنا هذه المراكز استطعنا أن نتعامل مع هذه الظواهر.وبعض الظواهر التي أشار إليها الأخ في سؤاله إيجابية؛ لكن قد تستغل استغلالاًسيئًا؛ فمثلاً الحماس والنشاط والغيرة إيجابية، ولكن إذا استُغلت استغلالاً سيئًاأتت بعكس المراد. وإلا فما أحوجنا إلى الحماس المنضبط والغيرة الشرعية! "
والتقصيرحادث من الجميع، ولكن يختلف من بلد إلى بلد ومن فرد إلى آخر، والكمال عزيز. لاأقول: إن الكمال البشري لا يوجد. يقول النبي
**العمل الطلابي الإسلامي، لا يشك أحد في أهميته، وأنَّ له دورًا تربويًّا عمليًّافي الواقع بين الشباب والفتيات. كيف نسعى لرفع أسهم نجاحه؟ وكيف يتعامل الطلاَّبالإسلاميون ضدَّ المشروعات الطلاَّبيَّة التغريبيَّة؟
-لا شك أن الجيل القادم هو جيل الشباب؛ فشباب اليوم هم قادة المستقبل؛ فلا بد منالعناية بالجوانب التربوية. وإعداد الشباب يكون في جميع ميادين المعرفة مع التربيةالمنضبطة؛ التربية المؤصلة بالكتاب والسنة, التربية الجادة, التربية التي تنظر إلىالمستقبل نظرة تفاؤل واستشراف لخيره, وهذا يتطلب إعداد الوسائل المكافئة لما يتوقعمن أحداث.
أبناؤنايحتاجون إلى عناية خاصة، سواء من الشباب أو الشابات، في جميع المراحل الدراسية، وهذاالموضوع الحديث فيه يطول, والأمة -والحمد لله- لها تجارب ثرية في مجال التربيةوالإعداد، وكثير مما نراه من المظاهر الإيجابية في الأمة من آثار تربية الشباب فيالجامعات والمدارس العامة. وعلينا أن نستمر في هذا المنهج، ولكن أن نبتعد عنالسلبيات التي صاحبت وسائل التربية؛ كالحزبية المقيتة، والبعد أحيانًا عن منهجالسلف في بعض أساليب التربية. فهناك نوع من الخطأ في بعض وسائل التربية. وعلينا أنننظر كيف ربَّى النبي r صحابته, وكيف ربَّى الصحابةُ مَن جاء بعدهم من التابعين؛ حتى نربيأبناءنا على ذلك.
عليناأن نكون أهلاً لتحمل المسئولية، ونربي أبناءنا على تحملها؛ فقد كان النبي rيربي صغار الصحابة -وليسوا صغارًا في أقدارهم- على تحمل المسئولية؛ كأسامة بن زيد -tوعن أبيه- فقد كلفه بأن يقود الجيش، وهو ابن ثمانية عشر عامًا.
تجدفي تاريخنا المشرق شبابًا أعمارهم في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة يشاركون فيالجهاد, بعض الشباب من كثرة ما نقرأ عنهم توقعنا أن يكونوا في وقت الرسول rكبارًا في السن، فإذا هم كبار في أعمالهم صغار في أعمارهم؛ كأنس، وأبي سعيد الخدريومعاذ بن جبل، وغيرهم. وعليٌّ قبل ذلك -
عدسة على الواقع الغربي
**ظاهرة (الإسلاموفوبيا) أوالخوف من الإسلام واستبطان العداوة له أمر ذاع وانتشر في المجتمعات الغربيَّة؛ فماالأسباب التي ترى أنَّها لعبت دورًا في ذلك؟ وما نصيحتك للمسلمين تجاه ظاهرةالعداء لهم من قِبَلِ الغرب؟
-علينا أن نبيّن للغرب أن الإسلام دين الرحمة {وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
**كيف يجمع المسلم بين الانفتاح على الغرب بعجره وبجره والاتصال الخارجي به وبينالمحافظة على خصوصيته وتحصين ذاته؟ وما أهميَّة تحصين الذات قبل الانفتاح عليه،وخصوصًا في ظل تنامي وتصاعد القفزات الإعلاميَّة والتقنية المتسارعة؟
-إذا درسنا السيرة دراسةكاملة فسنجد فيها المنهج الحق. النبي
فهلحفر الخندق إلا انفتاح على الفرس؟ وهل التراسل مع الكفار من الروم وغيرهم إلاانفتاح؟ تعامله مع اليهود r في المدينة انفتاح على الآخرين. نعم! كان النبي rيتعامل، ولكن يتعامل بنفسية القوي المنتصر العزيز، صاحب المبادئ الثابتة والرؤىالواضحة، والدين الذي لا يقبل المساومة عليه، بل يدعو إليه كما أنزله ربه -تعالى-وهو ممتلئ قوة وإيمانًا وعزة: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُوَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}
فماأحوجنا إلى ذلك! وبأن نستفيد مما عند الغرب والشرق مما يتعلق بالحضارة المادية،دون أن نتلوث بتراثهم وأفكارهم. والمهم أن تكون عند المنفتح أصول راسخة يرجع إليهاويعرض أفكار القوم عليها، وبذلك تكون استفادتنا من الآخرين في مشارق الأرضومغاربها منضبطة بالضوابط الشرعية. وحذارِ مما ذكره ابن خلدون منتأثير عقلية الغالب على المغلوب! بل علينا أن نتعامل بعقلية المؤمن القوي العزيزالمتمكن الواثق المتفائل، ثم بعد هذا نستفيد مما لدى أعدائنا؛ فقد قصرنا كثيرًافيما يتعلق بأمور الدنيا من وسائل الحرب والصناعات وغيرها, وأهملنا قوله سبحانه: {
وصلىالله تعالى وسلم على نبينا محمد
المصدر:موقع صيد الفوائد، نقلاً عن جريدة المحررالسودانية.
التعليقات
إرسال تعليقك