التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
شهدت الأندلس في عهد ملوك الطوائف نقلة حضارية، فكيف تطورت العلوم الأدبية والتاريخية؟ ومن هم أشهر علماء الأندلس في عهد ملوك الطوائف؟
عصر الطوائف (422هـ - 484هـ)
على الرغم من الفرقة السياسية التي ضربت أطنابها ببلاد الأندلس خلال فترة ملوك الطوائف، لكن رافقها نشاط الحركة العلمية والأدبية وذلك لرعاية ملوك الطوائف العلماء والأدباء، ولأن معظمهم كان من رجال الأدب، فبذلك غدت قصورهم منتديات أدبية ومجامع حقَّة للعلوم والفنون [1].
وبما أن الأندلس لم تكن دولة موحدة في هذه الفترة، ونظرًا لتعدد أمرائها وتفاوتهم في رعاية الحركة الأدبية، فسوف نشير إلى أهم ممالك الطوائف التي رعت الحركة الأدبية.
مملكة بني عباد في إشبيلية
في المقدمة تأتي مملكة بني عباد في إشبيلية، فقد كان المعتضد وابنه المعتمد بن عباد من رواد الحركة الأدبية ولهم أشعارهم المختارة وعاش في ظلهما أشهر شعراء هذه الفترة: أبو بكر بن عمار وابن زيدون صاحب ولادة بنت الخليفة المستكفي (هو محمد بن عبد الله بن الناصر 414هـ - 416هـ). ويأتي بعدهما شاعران مشهوران هما: أبو بكر بن اللبانة وابن حمديس الصقلي [2].
مملكة ألمرية
ورعى بلاط المرية الحركة الأدبية، فبالإضافة إلى نبوغ ولاة الأمر فيها بالشعر وهم أسرة بني صمادح، فعاصرهم ومدحهم أبو عبد الله محمد بن عبادة المعروف بابن القزاز، وأبو الفضل جعفر بن شرف القيرواني، وأبو حفص بن الشهيد وغيرهم [3].
مملكة بطليوس
وكان ملوك بطليوس وهم بنو الأفطس من حماة الأدب والشعر، ومن أشهر الشعراء الذين عاشوا في كنفهم، الوزير الشاعر عبد المجيد بن عبدون، الذي اشتهر بمرثيته لبني الأفطس (القصيدة العبدونية) وبنو القبطرنة الثلاثة، ومن أشهر كتابهم أبو بكر بن قزمان.
مملكة سرقسطة
ورعت مملكة سرقسطة الحركة الأدبية والعلمية والفلسفية، وكان في مقدمة الشعراء الذين احتضنتهم هذه المملكة هو أبو عمر أحمد بن محمد بن دراج القسطلي [4].
مملكة دانية والجزائر الشرقية
ورعى مجاهد العامري أمير مملكة دانية والجزائر الشرقية الحركة الأدبية، وأحاط نفسه بعدد ضخم من الأدباء والشعراء، ومن أشهرهم: أبو عامر أحمد بن شهيد، وأحمد بن رشيق وأبو حفص أحمد بن برد وغيرهم [5].
أما الممالك الأخرى فكانت رعايتها للحركة الأدبية أقل مما ذكرنا عن هذه الممالك، وبعضها لم يذكر لها شهرة أدبية.
ظهور اتجاهات أدبية جديدة
لكن عمومًا يمكن القول أن اتجاهات أدبية جديدة ظهرت في هذا العصر -وبخاصة في الشعر- مثل: شعر الرثاء، مثَّله: عبد المجيد بن عبدون، والشعر الفلسفي الذي مثَّله: ابن حزم، وعبد الجليل بن وهبون المرسي، وشعر الزهد يمثِّله: ابن الريوالي الفقيه وأحمد الإقليشي، وأبو بكر العبدري وغيرهم.
وشعر الغزل الذي شاع في هذا العصر نظرًا لضعف الوازع الديني، والتحلل من القيم الخلقية، ومثَّل هذا الاتجاه: السراج المالقي شاعر بني حمود، وابن الحداد، وابن زيدون وغيرهم، والشعر الشعوبي الذي مثَّله: أبو عامر أحمد بن غرسية الذي عاش في مملكة دانية، وشعر النكبات، والذي صور نكبة بربشتر بصورة خاصة في منطقة الثغر الأعلى عندما احتلها النورمان عام 456هـ وعاثوا فيها فسادًا [6].
ازدهار العلوم الدينية والتاريخية
وبجانب الحركة الأدبية ازدهرت العلوم الدينية، وبخاصة في بلاط بني صمادح حيث كان المعتصم بن صمادح وغيره يعقدون مجالس الفقهاء في كل جمعة ويتدارسون كتب التفسير والحديث، ورعت مملكة دانية العلوم القرآنية وكان رائدها شيخ القراء أبا عمرو الداني.
وتزعم الدراسات الفقهية العالمان أبو محمد علي بن حزم وأبو الوليد سليمان بن خلف الباجي داعيًا توحيد الأندلس في أيام الطوائف، وكان من رواد الدراسات النحوية العلامة اللغوي أبو الحسن علي بن سيده (توفي عام 458هـ) صاحب كتاب (المحكم).
واشتهرت الدراسات التاريخية والجغرافية في الأندلس خلال فترة ملوك الطوائف، وكان من رواد الحركة التاريخية ابن حيان المعروف بكتاب المقتبس، والعالم ابن حزم صاحب كتاب (جمهرة أنساب العرب) و (كتاب نقط العروس)، والعالم أبو عمر يوسف بن عبد البر الذي ألف كتاب (الاستيعاب في معرفة الأصحاب)، وكتاب (الدرر في اختصار المغازي والسير).
وكان رائد الدراسات الجغرافية في عصر الطوائف أبا عبيد البكري (ت 487هـ) وهو صاحب كتاب (المسالك والممالك) وكتاب (معجم ما استعجم) [7].
ازدهار علوم الحياة
أما العلوم الصرفة أو علوم الحياة فنالت اهتمام أمراء الطوائف، ويأتي في مقدمتهم المقتدر بن هود وولده المؤتمن أمير سرقسطة، حيث كانا من العلماء البارزين في الرياضيات والفلك والفلسفة. وكان العالم أبو الفتوح ثابت بن محمد بن الجرجاني -مشرقي المنبت رحل إلى الأندلس عام 406هـ وعاش في ظلال مملكة دانية، واشترك في عملية فتح سردانية- اشتهر بالفلسفة والفلك والمنطق.
واشتهرت بلنسية بطبيبها أبي محمد عبد الله بن محمد المعروف بابن الذهبي (توفي عام 456هـ)، وفي مجال الرياضيات وعلم الفلك، فكان من أشهرهم أبو إسحاق بن إبراهيم بن يحيى الزرقالي صاحب الجداول الفلكية الشهيرة (توفي عام 480هـ)، وأبو القاسم أصبغ بن السمح الغرناطي (توفي عام 438هـ) وكان بارعًا في الهندسة والفلك. واشتهر أبو عبد الله بن أحمد السرقسطي (توفي عام 488هـ) بعلم الأعداد والهندسة والنجوم. أما إسحاق بن قسطار، فكان يهوديًا يعمل في خدمة مجاهد العامري، فله خبرة جيدة بعلم الطب وبعلم المنطق والفلسفة [8].
انتشار المكتبات العامة والخاصة
ورافق ازدهار الحركة الفكرية في الأندلس في عصر الطوائف، ذيوع المكتبات العامة والخاصة التي شملت أنفس وأجود أنواع الكتب، فقد رعت مملكة إشبيلية هذه الظاهرة وكذلك مملكة المرية، ومملكة بطليوس وطليطلة.
وأشهر مكتبة خاصة كانت تعود إلى الوزير أحمد بن عباس وزير زهير العامري، واشتهرت مكتبة أبي محمد عبد الله بن حيان بن فرحون الأروشي (توفي عام 487هـ) في مدينة بلنسية، وكانت له همة عالية في اقتناء الكتب [9].
تطور الحركة الفلسفية
ويبدو لنا تطور الحركة الفلسفية في عصر الطوائف، وبخاصة بعد دخول رسائل إخوان الصفا على يد أبي الحكم الكرماني (توفي عام 458هـ) فوجدت في شبه الجزيرة إقبالًا كبيرًا. ومن الذين كان لهم حس فلسفي في عصر الطوائف ابن حزم الظاهري، الذي أحدث في الأندلس دويًا علميًا هائلًا بمذهبه الظاهري ومناظرته الفقهاء وأهل الأديان، وكان كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه.
إلا أن علم الفلسفة كان من العلوم الممقوتة في الأندلس على أيام الطوائف، ولا يستطيع صاحب هذا العلم إظهاره، وقد أحرق المعتضد أمير إشبيلية كتب ابن حزم الظاهري إرضاءً للمالكية وعلى رأسهم أبو الوليد الباجي.
وكان لابن حزم تلاميذ عاشوا بعده وورثوا بعض علمه، ومنه الحس الفلسفي، ومن أشهرهم ولده (أبو رافع الفضل)، الذي اجتمع عنده بخط أبيه من تأليفه نحو أربعمائة مجلد، ويبدو لنا من هذه الرواية أن المعتضد لم يحرق كتب ابن حزم كلها لأن أبا رافع هذا كان من رجال ولده المعتمد واستشهد في معركة الزلاقة عام 479هـ، وإن اضطهاد المعتضد لهذا العالم لم يكن في أغلب الظن علميًا بقدر ما هو اضطهاد سياسي.
وهناك من لازم ابن حزم وأكثر الأخذ منه دون أن يتظاهر بذلك، منهم: أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي (توفي عام 488هـ) صاحب كتاب (جذوة المقتبس)، ومن تلاميذه أيضًا الراضي بن المعتمد الذي أشرف على المذهب الظاهري وبرع في الأصول.
ويبدو أن الفتن التي عصفت بملوك الطوائف شغلت ملوك قرطبة عن تعقب الفلاسفة ومحاكمتهم، ومع ذلك فقد بيعت المكتبات العامة والخاصة التي كانت تزين قصور قرطبة بأبخس الأثمان وتناولها الناس وقرأوا منها بعض بحوث الفلسفة، ولمَّا أمن الناس أظهروا ما لديهم في الفلسفة من كتب وأخذوا يهتمون بالعلم الرياضي وصناعة المنطق، وكان المعتمد نفسه يصدق بالتنجيم.
ويظهر أن مملكة سرقسطة بالذات كانت مأوى وحاميًا للفلسفة والفلاسفة في عهد المقتدر بن هود (438 - 473هـ) وابنه يوسف المؤتمن (473 - 477هـ)، وإلى بلاطهما لجأ أبو الحكم الكرماني، وفيها استقر المقام بالفيلسوف ابن باجة، ولقيت رسائل إخوان الصفا إقبالًا كبيرًا من أهلها [10].
[1] محمد عبد الله عنان: دول الطوائف، ص423.
[2] سعد إسماعيل شلبي: البيئة الأندلسية، ص335، وبعدها.
[3] ابن بشكوال، الصلة، رقم 298. ابن الآبار: الحلة السيراء، 2/ 92 وبعدها. إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي، ص71. أبو الفضل: تاريخ مدينة المرية، ص34 وبعدها.
[4] ابن عذاري: البيان، 3/ 236. الضبي: بغية الملتمس، رقم342. المقري، نفح، 2/ 136. عنان: دول الطوائف، ص428 - 429.
[5] تشراكوا: مجاهد العامري، ص231 وما بعدها. حازم عبد الله: ابن شهيد الأندلسي، ص 26 وما بعدها.
[6] سعد إسماعيل شلبي: البيئة الأندلسية، ص308 وما بعدها، ص425 وما بعدها، ص438 وما بعدها، ص502 وما بعدها. إحسان عباس: تاريخ الأدب الأندلسي، ص117 وما بعدها. محمد مجيد السعيد: الشعر في ظل بني عباد، ص77 وما بعدها.
[7] انظر: الحميدي: جذوة المقتبس. البكري: جغرافية الأندلس. إحسان عباس: تاريخ الأدب الأندلسي. أبو الفضل: تاريخ مدينة المرية،. تشراكوا: مجاهد العامري. عنان: دول الطوائف. كريم عجيل: الحياة العلمية. عمر فروخ، ابن حزم الكبير.
[8] المقري: نفح الطيب، 2/ 126 وما بعدها. الحميدي: جذوة، رقم 344. صاعد: طبقات، ص94، 109. كريم عجيل: الحياة العلمية، 478. عنان: دول الطوائف، ص435. تشراكوا: مجاهد العامري، ص251.
[9]ابن بشكوال: الصلة، رقم 634. الضبي: بغية، رقم 920. بالنثيا: تاريخ الفكر الأندلسي، ص17. عنان، دول الطوائف، ص 436 - 437.
[10] انظر: سعد إسماعيل شلبي. البيئة الأندلسية. عمر فروخ: ابن حزم. عبد الوهاب عزام: المعتمد بن عباد. محمد عبد المنعم خفاجة: قصة الأدب في الأندلس. بالنثيا، تاريخ الفكر الأندلسي.
التعليقات
إرسال تعليقك