ملخص المقال
توفيت سيدة نساء العالمين ابنة رسول الله فاطمة رضي الله عنها وأرضاها سنة إحدى عشرة للهجرة ودفنت بالبقيع ليلا، فلنطوف مع هذا الحدث.
في شعبان أو رمضان من العام الحادي عشر من الهجرة توفيت فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد ستة أشهر تقريبًا من وفاته صلى الله عليه وسلم. وهي أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبُّهنَّ إلى قلبه، وهي واحدة من أفضل أربع نساء في الدنيا.
كانت فاطمة رضي الله عنها هي أول أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم موتًا بعده، وقد أخبرها بذلك في مرض وفاته، وهذا من دلائل نبوَّته صلى الله عليه وسلم. عَنْ عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهَا فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ، قَالَتْ: فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَنِي: أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي، أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أَتْبَعُهُ، فَضَحِكْتُ [2].
وفي رواية عن عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيِنَ رضي الله عنها -أيضًا- قالت: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ تَمْشِي، لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي». ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي، قَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ. فَأَخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأَمْرِ الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي: «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أَرَى الأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ». قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: «يَا فَاطِمَةُ، أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ» [3].
وكان خلافٌ قد نشأ بين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بسبب ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت فاطمة رضي الله عنها ترى أنها أحقُّ بالتصرُّف فيه كميراث، بينما يرى الصديق رضي الله عنه أن هذا حقُّ ولي الأمر لكون الأنبياء لا تُورَث.
عن عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا، مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ». فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ، قَالَتْ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ، وَفَدَكٍ، وَصَدَقَتَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا، كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ، فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ..» [4]. وأكَّد أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه كلام الصديق رضي الله عنه فروى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» [5].
بسبب هذا الخلاف ظنَّ البعض أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يبايع أبا بكر على الخلافة إلا بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، والصواب أنَّه بايع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، ثم جدَّد البيعة بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها ليزيل الشكوك من قلوب مَنْ يظنُّ أنَّ الخلاف ما زال قائمًا بينهما. قال ابن كثير: «.. فَلَمَّا مَاتَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَفَاةِ أَبِيهَا صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلِيٌّ أَنْ يُجَدِّدَ الْبَيْعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، رضي الله عنه مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ الْبَيْعَةِ قَبْلَ دَفْنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» [6].
[1] النسائي: السنن الكبرى (8355)، وأحمد (2668)، واللفظ له، وقال إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح. وابن حبان (7010) قال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح. وأبو يعلى (2722)، وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح. والحاكم (4754)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والطبراني: المعجم الكبير، (18871) 22/ 407، وقال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، ورجالهم رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد، 9/ 223، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (1508).
التعليقات
إرسال تعليقك