ملخص المقال
إشكالية الهجرة تعد من بين أهم هواجس أغلب إن لم نقل كل دول الاتحاد الأوروبي سواء تعلق الأمر بالدول المستقبلة للمهاجرين أو الدول الحديثة العهد في هذا
الهجرة بين الحاجيات وعوائق الاندماج
محمد نظيف*
إن إشكالية الهجرة تعد من بين أهم هواجس أغلب إن لم نقل كل دول الاتحاد الأوروبي سواء تعلق الأمر بالدول ذات التقاليد العريقة في استقبال المهاجرين (ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا) أو الدول الحديثة العهد في هذا الميدان (إيطاليا، إسبانيا والبرتغال) التي تبحث كلها عن الوسائل التي تمكنها من مراقبة وتدبير تدفقات المهاجرين حسب حاجيات الدول المستقبلة وكذا الإجراءات القانونية والعملية التي تمكن من اندماج المهاجرين في مجتمعات تلك الدول. لكن يبقى السؤال: كيف تتم في الواقع الموائمة بين هذين المطلبين.
أوروبا والحاجة إلى اليد العاملة
إن أوروبا التي كانت حتى بداية القرن العشرين بلدا مصدرا للهجرة، تحولت إلى أرض استقبال، بل ومن أهم المناطق المستقبلة للمهاجرين. هذه الحاجة إلى الأشخاص الوافدين من خارج أوروبا ما فتئت تتزايد سنة بعد أخرى خاصة مند العقدين الأخيرين من القرن العشرين حيث تحولت بعض الدول الأوروبية من بلدان مرسلة للهجرة إلى بلدان مستقبلة لها مثل إيطاليا ثم إسبانيا والبرتغال فيما بعد.
استغلال المهاجرين في السلم والحرب
فخلال الحربين العالميتين لم تتردد بريطانيا وفرنسا مثلا من اللجوء إلى مستعمراتها من أجل تجنيد عدد كبير من الناس. وهكذا تم تجنيد ما بين 70 ألفا و90 ألف مغربي خلال الحرب العالمية الثانية من قبل فرنسا.(1)
بعد الحرب العالمية الثانية ساهم العمال المهاجرون في عملية إعادة إعمار أوروبا في مجال البناء والأشغال العمومية كما تم استعمالهم كيد عاملة في المناجم وقطاعات الصناعة والفلاحة والخدمات.
خلال صدمة البترول الأولى والأزمة الاقتصادية التي واكبتها في جل الدول الأوروبية، شرعت هذه الأخيرة في اتخاذ عدة تدابير من أجل التوقف عن استيراد اليد العاملة الأجنبية، كما تم الترويج لبعض الأفكار مثل:
* أن عهد الهجرات الكبرى قد مضى.
* أن العاطلين الأوروبيين سيحلون محل العمال المهاجرين.
* أن التقسيم الدولي للعمل قد يجعل الهجرة دون جدوى.
* كما أن التقدم سوف يعوض الهجرة.
لكن الملاحظ كان عكس ذلك حيث أن عدد الأجانب الوافدين على أوروبا لم يتوقف كما أخذ أشكال ومظاهر أخرى.
الهجرة العائلية والدائمة
إن الهجرة إلى أوروبا والتي كانت في البداية تهم الذكور على الخصوص كما أنها كانت تعتبر بمثابة ظاهرة مؤقتة، تحولت منذ عقد السبعينات من القرن العشرين، إلى هجرة دائمة وعائلية الأمر الذي أدى إلى إعطاء وجه جديد لظاهرة الهجرة كما طرح عدة إشكالات أخرى.
فبموازاة مع قرار الحدّ من الهجرة إلى أوروبا انطلقت سياسة التجمع العائلي وقد نتج عن ذلك ارتفاع عدد النساء المهاجرات وكذا عدد الأطفال والشباب المهاجرين.
من هجرة اليد العاملة إلى هجرة الكفاءات
إن العولمة ما فتئت تعمق الهوة بين دول الشمال ودول الجنوب في مستوى التقدم الاقتصادي وخاصة في ميدان التكنولوجيا المتطورة. هذا الوضع أدى إلى تقسيم جديد للأنشطة الاقتصادية على المستوى العالمي وتمركز جل أنشطة الخدمات التكنولوجية الحديثة في دول الشمال ومن ثم ظهور الطلب على اليد العاملة المهاجرة ذات المستوى الثقافي والعلمي المرتفع. وهكذا أخذت دول الاتحاد الأوروبي تستقبل أعدادا متزايدة من الأساتذة الباحثين, والمهندسين والأطباء والمحامين الإعلاميين... إلخ
كما شرعت في نهج سياسات انتقائية في ميدان الهجرة لتتمكن من استقطاب بعض المتخصصين في مجالات معينة من العلم والمعرفة (البطاقة الخضراء بألمانيا Green Card).
هذه السياسة الانتقائية ينتج عنها "جلب للأدمغة "من دول الجنوب وجعل عدد كبير من الأشخاص الآخرين يقعون في وضعية السرية واللاقانون.
الهجرة غير الشرعية كمكمل للهجرة القانونية بموازاة مع استمرار الهجرة القانونية. لوحظ منذ نهاية الثمانينات ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين على المستوى العالمي بصفة عامة والأوروبي بصفة خاصة كما تعدد شبكات التهريب والمتاجرة في اللحوم البشرية. ولم تعد تقتصر ظاهرة الهجرة السرية على الرجال فحسب بل طالت حتى النساء والأطفال.(1)
هذا الارتفاع ناتج عن الطلب المتزايد من طرف بعض القطاعات الاقتصادية في دول الاستقبال والتي تحتاج إلى يد عاملة كثيرة بصفة دائمة أو بصفة موسمية: كالفلاحة, والبناء والأشغال العمومية, والنسيج والخدمات المنزلية, والمطاعم والفنادق وخدمات الأشخاص المسنين.
وتجدر الإشارة إلى أنه بين الفينة والأخرى تتم تسوية الوضعية القانونية لبعض المهاجرين السريين من طرف الدول لأوروبية.
ففي فرنسا خلال عمليتي التسوية في 82– 1983 و1997 كان 30% يعملون في قطاع البناء ثم بعده المطاعم وخدمة الأشخاص المسنين, والأشغال المنزلية والنسيج.(3)
كما أن حاجيات الدول الأوروبية إلى المهاجرين ستزداد خلال السنوات المقبلة نظرا للخصوصيات الديمغرافية لهذه القارة والتي تتميز بالشيخوخة وانخفاض الخصوبة.
فشيخوخة السكان تؤدي إلى انخفاض نسبة الساكنة النشيطة كما تؤدي إلى ضغط كبير على نظام الضمان الاجتماعي والتعليم، فعلى سبيل المثال فبحلول سنة 2007 سيفوق عدد العمال الذين يتراوح أعمارهم ما بين 55 و 64 عاما بكثير عدد الذين هم ما بين 20 و29عاما. (2)
فيما يخص الخصوبة, فلكي يتم تجديد الأجيال والحفاظ على المستوى الدمغرافي لبلد ما, يجب أن لا يقل مستوى معدل الخصوبة لدى النساء عن 2.1 لكن الملاحظ في أوروبا هو أنه وصل إلى 1.6 فقط, بل إنخفظ في بعض دول جنوب أوروبا مثل إسبانيا إلى 1.07 بعدما كان سنة 1975 في مستوى 2.8.
ولتعويض هذا العجز الدمغرافي ومن أجل الحيلولة دون انهيار نظام التقاعد فإن تقديرات المصالح الدمغرافية للأمم المتحدة تقدر بأنه على أوروبا أن تستقبل 159 مليون مهاجر في أفق 2025.
الاندماج بين الخطاب والممارسة
إن التحول الذي عرفته ظاهرة الهجرة إلى أوروبا من مؤقتة إلى دائمة كان له عدة مؤثرات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
* ارتفاع نسبة النساء المهاجرات
* ارتفاع نسبة الزواج المختلط
* ارتفاع نسبة التجنس
* ارتفاع عدد الأطفال الأجانب في المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها داخل دول الاستقبال.
وهكذا لم يعد ينحصر مجال المهاجرين في إطار العمل الذي يزاوله بل أصبح كائن يرغب في الاندماج أكثر هو وباقي أفراد أسرته داخل مجتمع الاستقبال ويريد أن يتمتع بمواطنة كاملة (خاصة بالنسبة للجيل الثاني والثالث) والتي من خلالها يؤدي ما عليه من واجبات ويحصل على ما له من حقوق خاصة على مستوي السكن والتعليم والعمل. فما هي الإجراءات القانونية المتخذة في هذا المجال وما هو الواقع المعاش؟.
1- الاندماج على مستوى الخطاب
تتفاقم مشكلة الاندماج بالنسبة لذوي الأصول العربية والمسلمة أكثر من غيرها بسبب الأحكام والتصنيفات المسبقة حيث تلصق بهم تهم الإجرام والتطرف والإرهاب بطريقة اعتباطية
الكل يقر بأنه على الحكومات أن تلعب دورا رئيسيا وفعالا في مجال مسلسل اندماج المهاجرين وكذا ربط وتوطيد العلاقات ما بين مختلف المجموعات البشرية المتواجدة في دولة ما.
كما أن هذه المسألة لا تخص المهاجرين والأقليات فحسب بل وتشمل أيضا مجتمعات دول الاستقبال بأكملها, والتي يجب أن تتفاعل بطريقة إيجابية وبذل الجهود من أجل التكيف والتواصل مع المهاجرين.
على المستوى الرسمي يصرح اللمسؤولون باستمرار بأن السلطات العامة تعمل على أن يتمتع المهاجرون بنفس الحقوق المخولة لمواطني البلدان المستقبلة وكذا تكافؤ الفرص خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ميادين التعليم والصحة والسكن والعمل.
2- عوائق الاندماج
على الرغم من كل ما يقوم به المهاجرون في تنمية دول الاستقبال فإنهم يعانون من عدة أشكال من التمييز والإقصاء في كل المجالات: السكن, التعليم والعمل والحقوق الاجتماعية والثقافية.
لكن حدة هذا الإقصاء والتمييز تختلف حسب الأصول الإثنية للمهاجرين وكذا لغتهم ودينهم كما تختلف حسب وضعيتهم القانونية في البلدان المضيفة.
السكن: إن مستوى الاستفادة من فضاء الإقامة والسكن يعتبر من أولى المؤشرات والأعراض التي تبين مدى اندماج أو إقصاء فئة معينة. وفي هذا المجال نشير بأن جل المهاجرين يعانون من الإقصاء لكن حدته تختلف حسب مدة الهجرة والبلدان. لكن السمة الغالبة في هذا المضمار هي:
* تجمع المهاجرين, خاصة المغاربيين منهم, في أحياء معينة حيث ترتفع نسبة الانحراف والتهميش.
* في البلدان الحديثة العهد بظاهرة الهجرة مثل إسبانيا وإيطاليا يتكدس بعض المهاجرين (3, 4 أو5 أشخاص) في غرف مشتركة أو في أماكن العمل بالنسبة للعمال الفلاحيين. وتنعدم في هذه البيوت أبسط الظروف الصحية.
التعليم: "المدرسة للجميع" تبقى هي أيضا في بعض الأحيان مجرد شعارات لأن المهاجر لا يتوفر على نفس الظروف الثقافية (اللغة) والاجتماعية (البيئة العائلية) من إتمام مساره الدراسي في أحسن الأحوال، وحتى إذا ما تمكن من تجاوز مختلف العقبات والصعاب وحصل على مستويات أكاديمية عالية فإن ذلك لا يعني بالنسبة إليه الحصول على شغل يتلاءم ومستواه الدراسي وكذا مؤهلاته العلمية والتقنية.
الشغل: وهذا يحيلنا على الإشكالية المتعلقة بالشغل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العمال المهاجرين يتمركزون أساسا في قطاع المعادن والفلاحة ... والعديد من الأشغال التي لا يقبل عليها السكان المحليين.
البطالة: كما أن المهاجرين هم الذين يعانون أكثر من مشكل البطالة ويتفاقم الوضع أكثر بالنسبة للمهاجرين من المغرب العربي وأفريقيا السوداء وتركيا. ففي فرنسا مثلا إذا كانت نسبة البطالة العامة تقدر بحوالي 12.4% فهي تتغير بالنسبة للمهاجرين حسب أصولهم الإثنية وجنسيتهم. ففيما يخص مواطني دول الاتحاد الأوروبي فإنه يقدر ب 10.1% بينما يرتفع إلى 31.2% بالنسبة للجاليات الأخرى.
الأنانية واللاعقلانية وعدم الموضوعية هي القيم السائدة غالبا في سوق العمل عندما يتعلق الأمر بتشغيل الأشخاص المهاجرين أو ذوي الأصول الأجنبية, لأن الحصول على الجنسية لا يعني بالضرورة الاندماج الكامل والتخلص من التمييز والإقصاء. فهناك من قام بتغيير اسمه لكنه لم يتمكن من بشرته وملامحه.
الاندماج: كما أن مشكلة عدم اندماج المهاجرين يتجلى أكثر في الميدان الاجتماعي إذ غالبا ما يكون هناك خلط بين الهجرة والإجرام. وتتفاقم الوضعية بالنسبة لذوي الأصول العربية والمسلمة، فهناك أحكام وتصنيفات مسبقة حيث تلصق بهم تهم الإجرام والتطرف والإرهاب بطريقة اعتباطية.
إن المسؤولين الأوربيين واعون بأنه لا مناص لأوروبا من المهاجرين. لكن هناك من لا زال يجد صعوبة في الموائمة بين الحفاظ على الصفاء العرقي والثقافي والحضاري لأوروبا, وحاجة هذه القارة العجوز إلى الأجانب لتغطية النقص الدمغرافي والاستجابة لحاجات مختلف القطاعات الإنتاجية بكل أنواعها ومستوياتها.
كما أن هناك من يرغب في أن يكون المهاجر مجرد وسيلة وأداة لإنتاج السلع والخدمات وليس ككائن بشري له خصوصياته اللغوية والدينية والثقافية والتي يجب الاعتراف بها والتعايش معها. فهل نحن أمام ظاهرة نوع من الاستعباد للآخرين خلال الألفية الثالثة؟.
إن عملية اندماج المهاجرين أو الذين هم من أصول مهاجرة عملية معقدة تستدعي تضافر جهود كل الفاعلين في الحقل السياسي والثقافي والإعلامي, والتعليمي وكذا مختلف مكونات المجتمع المدني من أجل نشر وتعميق وتطبيق مبادئ التسامح والاعتراف بحق اختلاف المهاجرين والأقليات المتواجدة في بلد واحد وقبول هذا الاختلاف والتعايش معه.
______________
*أستاذ بكلية الحقوق، الرباط، عضو مكتب الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة.
المصادر
ـــــــــــــ
1- محمد نظيف: الهجرة السرية وتفشي ظاهرة الزواج المختلط: مداخلة بندوة حول الزواج في العلاقات المغاربية الأوروبية, كلية الحقوق وجدة المغرب
Mohammed Nadif : colonisation des mobilités transnationales : les conséquences socio-culturelles ( Université de Cagliari – Sardaigne – Italie ).
Mohammed khachani : L’impact de l’émigration sur les pays d’origines (quaderne 16 Université de Bari – Italie)
2- أنظر وقائع ندوة حول هجرة الكفاءات: كلية الحقوق أكدال الرباط أبريل 2001 .الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة.
3- وقائع الندوة حول الهجرة والمواطنة كلية الحقوق أكدال الرباط أبريل 2003 . الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة.
4- Dignité pour les migrants : sous la direction de Lucia Bianco et Carmine Lanni .Edition gruppo ABELE.Torino 2000.
5- Informe 2000 Sobre la inmigracion en Almeria. Andalucia 2000
6- Tendances des migrations internationales : O C D E 2003.
التعليقات
إرسال تعليقك