التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
ألفونسو ملكا على عرش قشتالة وليون، مقال د. راغب السرجاني، يتناول الحرب بين أبناء فرناندو وكيف سيطر ألفونسو على عرش ليون وقشتالة بعد مقتل أخيه سانشو
فرناندو وتقسيم مملكته على أبنائه
عمد فرناندو قُبَيْلَ وفاته إلى تقسيم مملكته المتحدة على أبنائه الثلاثة وبنتيه، ويبدو أن فرناندو لم يتعلَّم من درس والده سانشو الكبير عندما قسَّم مملكته المتحدة بين أبنائه، وقد ذاق فرناندو لظى الفُرقة التي كانت بينه وبين إخوته! على كل حالٍ اتَّخذ فرناندو قراره بالتقسيم، وجمع الأساقفة والأشراف في سنة 1064م، وانتهى إلى تقسيم الدولة على أبنائه الثلاثة: سانشو الابن الأكبر، وألفونسو، وغرسية، وبنتيه: أوراكا، وإلبيرة.
فخصَّ سانشو بقشتالة وحقوق الجزية من مملكة سرقسطة.
وخصَّ ألفونسو بليون وحقوق الجزية من مملكة طليطلة.
وخصَّ غرسية بجليقية والبرتغال، وحقوق الجزية من مملكة إشبيلية وبطليوس.
وخصَّ أوراكا بمدينة سمورة الحصينة.
وخصَّ إلبيرة بمدينة تورو وأماكن أخرى على نهر دويرة.
الصراع بين أبناء فرناندو
كان هذا التقسيم سبيلاً إلى اندلاع الشقاق بين الإخوة الأشقاء، وسبيلاً إلى الفُرقة والتنازع بينهم، وهو ما حدث بالفعل.
كانت مملكة نافار في ذلك الوقت تحت يد سانشو بن غرسية، كما كانت مملكة أراغون تحت حكم سانشو بن راميرو، وقد طمع سانشو بن فرناندو في ضمِّ المملكتين إلى أملاكه، وقد شعر مَلِكَا أراغون ونافار بنية ملك قشتالة، فكَوَّنَا حلفًا ضده، واستطاعَا أن يصداه عن مملكتيهما في معركة فيانا عام 1067م، وبعد عام هاجم سانشو بن فرناندو ملك قشتالة أراضي ليون، وحاول أخوه ألفونسو ردَّه، ولكنه هُزم وتنازل لسانشو عن بعض ممتلكاته عام 1068م.
ثم أعاد سانشو كَرَّته على ليون، وهُزم في بادئ الأمر، ولكنه استطاع بحيلة ردريجو ياث (الذي يُعرف بالقمبيطور) أن ينتصر على ألفونسو؛ إذ أغار على جيش ليون ليلاً، ودخل سانشو ليون ظافرًا، واعتقل أخاه ألفونسو وسجنه في يوليو عام 1071م، ولكنه خرج من معتقله بوساطة أخته أوراكا، وحُدِّدت إقامته في دير ساهاجون، وقد دَبَّرت أخته أوراكا له مكيدة، استطاع بها أن يهرب، والتجأ إلى مملكة طليطلة؛ ليكون في رعاية المأمون بن ذي النون، وقد استقبله المأمون أحسن استقبال، وأكرمه وعاش في كنفه أحسن معيشة.
ألفونسو في طليطلة
ويبدو أن ألفونسو لم يكن يقضي منفاه في لهو ولعب وعبث، وإنما كان يتنقل بين جنبات طليطلة، تلك المدينة التي يحلم أن يمتلكها يومًا ما؛ ومما يؤيد ذلك قول الأستاذ بيدال: «كان ملك ليون المخلوع يختلط بالسكان المسلمين ويتريض في جنبات المدينة الحصينة، ويُفَكِّر من أيِّ الأماكن وبأيِّ نوع من أدوات الحرب يمكن اقتحامها»[1]. وقضى ألفونسو تسعة أشهر في منفاه معزَّزًا مكرَّمًا، إلى أن شاءت الأقدار وتطوَّرت الأحداث في قشتالة!
سانشو يغزو أملاك أخوته
لم يقنع سانشو بما تمَّ له من السيطرة على ليون، بل أراد أن ينتزع المُلْكَ من أخيه غرسية ملك جليقية والبرتغال، وقد تمَّ له ذلك، وفرَّ غرسية هاربًا ليكون في حمى المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية وذلك سنة 1071م.
لم يَبْقَ لسانشو من مُلْكِ أبيه سوى مُلْكِ أختيه في مدينتي سمورة وتورو، وعقد عزمه على أن ينزع منهما ملكهما، واستطاع فعلاً أن يستوليَ على تورو، ولم تصمد أخته إلبيرة أمامه، ثم توجَّه بجيشه إلى سمورة، فصمدت أمامه كثيرًا، ففرض عليها الحصار، وفي ذات يوم وفد إلى معسكره فارس، وطلب مقابلته؛ ليُنْبِئه عن بعض أحوال المدينة المحصورة، وما كاد الفارس يراه حتى طعنه بحربته فأرداه قتيلاً، وانفضَّ الحصار عن المدينة، بيد أن أخته أوراكا كانت وراء هذه الجريمة، وكان ذلك في أكتوبر سنة 1072م.
وهكذا بقيت المملكة بلا ملك يتولَّى شئونها، ولم يبقى من إخوة القتيل سوى ألفونسو اللاجئ في بلاط طليطلة، وغرسية اللاجئ في بلاط إشبيلية، فإلى مَنْ تئول المملكة الواسعة؟!
ألفونسو ملكا على عرش قشتالة وليون
وهكذا قُتل سانشو جزاء طمعه واعتدائه على حقِّ إخوته، فاجتمع الأشراف على استدعاء ألفونسو من طليطلة؛ ليتولَّى الحُكم مكان أخيه، بشرط أن يُقْسِمَ أنه لم يشترك بأي حال في تدبير مقتل أخيه سانشو، فأرسلت أخته أوراكا إليه تستدعيه وتُعْلِمُه بالأمر، وعلى الفور أعلم ألفونسو المأمونَ بن ذي النون بالنبأ، فما كان من المأمون إلا أن أعرب عن سروره وغبطتُه، ووعده بمساعدته بالمال والخيل، ولم يطلب سوى صداقته، وأن يعده أن يساعده ضد إخوانه من المسلمين، فقطع له ألفونسو عهده، وودَّعه المأمون في موكب عظيم إلى حدود مملكته.
ويا لخيبة المأمون! إذ ماذا كان سيفعل لو علم أن ألفونسو هو مَنْ سيُسْقِط مملكته، ويُهِينُ حفيده القادر!
على كل حالٍ غَدَا ألفونسو ملكًا على عرش ليون وقشتالة، وهكذا عادت المملكة الصليبية وحدة واحدة، كما كانت على عهد سانشو الكبير وفرناندو الأول.
بيد أن غرسية الأخ الآخر لألفونسو طمع في أملاك أخيه وتَمَلَّكَهُ الحسد، فدبَّر له ألفونسو مكيدة بإيعاز من أختهما أوراكا؛ إذ دعا ألفونسو أخاه غرسية للتفاهم، وما كاد يصل غرسية حتى قُبِضَ عليه، وزُجَّ في السجن إلى أن تُوُفِّيَ سنة 1090م، وخَلُص عرش المملكة لألفونسو بلا منازع[2].
التعليقات
إرسال تعليقك