الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
الأخوة هي روح الإيمان الحي ولباب المشاعر الرقيقة التي يكنها المسلم لإخوانه حتى إنه ليحيا بهم ويحيا لهم.
يهدف الإسلام إلى إقامة مجتمع متكافل، تسوده المحبَّة، ويمتدُّ به الأمان على ظهر الأرض، وذلك من خلال توثيق العَلاقات بين الناس، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].
والأخوَّة هي رُوح الإيمان الحي، ولُبَاب المشاعر الرقيقة، التي يكنَّها المسلم لإخوانه؛ حتى إنه ليحيا بهم ويحيا لهم، حتى كأنهم رُوح واحد حلَّ في أجسام متعدِّدة. ولكي يحافظ الإسلام على الأخوَّة فقد نهى عن الأثرة الغالبة؛ لأنها آفة مقيتة، إذا سيطرت نزعتها على امرئٍ محقت خيره، ونمَّتْ شرَّه، وحَصَرَته في نطاق شخصه، لا يشغله الألوف المؤلفة من البشر إلاَّ في حدود ما يصل إليه عن طريقهم؛ ليحقِّق آماله، أو يثير مخاوفه، فحارب الإسلام هذه الأثرة الظالمة بالأخوة العادلة، فقال صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"[1].
ومن علامات الأُخُوَّة الكريمة أن تحبَّ النفع لأخيك، وأن تهشَّ لوصوله إليه، كما تبتهج بالنفع يصل إليك أنت، فإذا اجتهدت في تحقيق هذا النفع فقد تقرَّبت إلى الله بأزكى الطاعات. ومن حق الأخوَّة أن يشعر المسلم بأن قوَّته لا تتحرك في الحياة وحدها، بل إن قوى المؤمنين تساندها وتشدُّ أزرها، قال صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"[2].
ونعمة الأُخُوَّة نعمة عظيمة كرَّرها الله تعالى مرَّة ومرَّة في آية واحدة، {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
ومن ثَمَّ كان خذلان المسلم شيئًا عظيم الخطر، وهو -إن حَدَثَ- ذريعة خذلان المسلمين جميعًا؛ فهو يقطِّع عُرَا الأخوَّة بين المسلمين جميعًا، وقد هان المسلمون أفرادًا وأُممًا يومَ وَهَتْ أواصر الأخوَّة بينهم، وجلب ذلك عليهم الذلَّة والمهانة. ومن هنا كانت نصرة المظلوم واجبة، وتزداد وجوبًا على أصحاب الجاه والمنصب، وإلاَّ نزع الله منهم النعمة؛ نظرًا لجحودهم.
وحفاظًا على هذه الأخوة حذَّر الإسلام من رذائل مقيتة تهدم صرح الأخوَّة المشيَّد؛ كسوء الظنِّ، والاستعلاء على الآخرين، والتهكُّم والسخرية، وازدراء الناس، فتلك أمراض فتَّاكة تأتي على الأخوَّة فتهدمها من أساسها، وكذلك أَمَاتَ الإسلامُ النزاعاتِ العنصريَّةَ، والعصبيات الجنسيَّة؛ ليبقى المسلمون أُمَّة واحدة مخلصة لله، سائرة على منهجه، متعارفة متحابَّة فيما بينها.
[1] البخاري: كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (5665) عن النعمان بن بشير، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم (2586).
[2] البخاري: أبواب المساجد، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره (467) عن أبي موسى الأشعري، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم (2585).
التعليقات
إرسال تعليقك