التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
الصوفية وإخماد طاقة الأمة مقال بقلم يحيى البوليني، يوضح دور الفكر الصوفي في طمس ذروة سنام الإسلام الجهاد.. فما علاقة الصوفية بالاستعمار؟ وما نظرة
تقوم الفكرة الصوفية بالأساس على فكرة الفناء، وفكرة الفناء تحوي في داخلها معاني الخمول والسكون، والتلاشي، وعدم الذكر، والبعد عن الشهرة، والبعد عن التنافس والمنافسة في أمور الحياة بالمطلق.
وتتعدى فكرة الفناء تلك ما سبق من معانٍ إلى معان سلبية أخرى قامت مقام معانٍ إيجابية في الفكرة الإسلامية الأصيلة، فمعنى مثل معاني الرضا، استخدمته الصوفية لقبول الاستذلال تارة، وقبول الضعة تارة، والسكون إلى الظالم تارة أخرى.
ومعنى مثل معنى الفقر، استخدمته الصوفية لرفض المال الحلال، ورفض التمتع بما أحلَّ الله، ولبس الخرق، وترك إصلاح الحياة!
والفكرة الإسلامية السُّنِّيَّة الصحيحة، تقوم على الوجود الصالح لا الفناء السلبي. نعم هي تدعو إلى مشاعر الفقر بين يدي الله سبحانه والتواضع لعباد الله المؤمنين، والتخلق بأخلاق السكون والهدوء، والرضا بقدر الله سبحانه، لكن كل هذا في إطار الصلاح والإصلاح للحياة. ففي الحديث «نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح »، وفي الحديث «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».. وهكذا.
الإشكال الكبير وهو الذي نسوق من أجله هذه الكلمات، عندما تتحول الفكرة الصوفية بسلبيتها إلى عون من أعوان المستعمر المحتل والعدو المعتدي!
فقد عجب كثير من الناس من تكرار مشاهد مثل حرص السفير الأمريكي السابق لمصر على حضور الحفلات والموالد التي تقيمها الطرق الصوفية في مصر ومعاونتهم كثيرًا، وأن تكرّم الطريقة العزمية الصوفية رجلاً نصرانيًّا معروفًا بعدائه الشديد للحركة الإسلامية وتعتبره شخصية العام، وتصفه بأنه أكثر الشخصيات خدمةً للإسلام بعد إغداقه عليها بالأموال؛ لتعيد إلى الأذهان وجود تلك العلاقة المريبة بين كثير من الفرق الصوفية وخدمة المشاريع الغربية المناهضة للإسلام.
وبمراجعة تاريخ الصوفيين في الجزائر وتونس والسودان والهند إبان الحروب التي سميت بالحروب الاستعمارية نجد آثار تلك العلاقة واضحة في مساهمة الصوفيين بشكل متعمد في تكريس الوجود الاستعماري ومساعدته بوجوه عدَّة، وتدجين الناس للخضوع له، وتخذيل كل مسلم يطالب بالجهاد لمقاومتهم أو لإخراجهم.
ولم يكن هذا الخنوع للمستعمر وخدمة أهدافه عن قناعة أو هوى لبعض الشيوخ لتلك الطرق فحسب، بل يمكن القول أن هذا بالنسبة لهم كان عقيدة فكرية وسلوكية، ويعتبرونها من التدين ويلزمون أتباعهم بها بأن يطيعوا قادتهم أو من سُلِّط عليهم -مهما كانت ديانتهم أو أفعالهم- ويعتبرون الخروج عليهم أو الدعوة لمقاومتهم خروجًا عن سلطان الله!!
فيقول الشعراني في (البحر المورُود في المَواثيق والعهُود): "لقد أخذ علينا العهد بأن نأمر إخواننا أن يدوروا مع الزمان وأهله كيفما دار، ولا يزدرون قط من رفعه الله عليهم، ولو كان في أمور الدنيا وولايتها، كل ذلك أدبًا مع الله عز وجل الذي رفعهم، فإنه لم يرفع أحدًا إلا لحكمة هو يعلمها".
ويُذكر في هذا المقام قول أحد قادة المستعمرين الفرنسيين في إفريقيا تلك الحقيقة المؤلمة: "لقد اضطر حكامنا الإداريون وجنودنا في إفريقيا إلى تنشيط دعوة الطرق الدينية الإسلامية؛ لأنها كانت أطوع للسلطة الفرنسية، وأكثر تفهمًا وانتظامًا من الطرق الوثنية التي تعرف باسم بيليدو وهاجون، أو من بعض كبار الكهان أو السحرة السود".
ونستطيع أن نتساءل: هل استفاد الاستعمار فقط من تلك الفرق أم ساهم في صنعها ليستفيد من سطوتها على الناس؟
فما فعله نابليون عندما دخل مصر يطرح هذا التساؤل وبقوَّة، فكما يقول الجبرتي المؤرخ في مظهر التقديس: "وفيها (أي سنة 1213هـ في ربيع الأول): سأل صاري العسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم، فاعتذر الشيخ البكري بتوقف الأحوال وتعطل الأمور وعدم المصروف، فلم يقبل وقال: (لا بد من ذلك)، وأعطى الشيخ البكري ثلاثمائة ريال فرانسية يستعين بها، فعلقوا حبالاً وقناديل، واجتمع الفرنسيس يوم المولد ولعبوا ودقوا طبولهم، وأحرقوا حراقة في الليل وصواريخ تصعد في الهواء ونفوطًا".
والإجابة كما يراها الجبرتي: "ورخص الفرنساوية ذلك للناس؛ لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات".
ولهذا قسَّم المستعمر المتعاونين معه إلى فئتين أساسيتين:
الفئة الأولى: هي فئة الشباب الذي أُخذ إلى أوربا وانبهر بها وتربى في مدارسهم وجامعاتهم، وانقطعت صلته ببني وطنه ثم عاد ليساهم في سلخ بلاده عن دينها.
والفئة الثانية: هم كثير من المنتسبين للطرق الصوفية الذي روَّجوا الإشاعات وأشاعوا الخرافات وخذَّلوا المجاهدين ونشروا ثقافة الاستسلام للمستعمر الغاشم باسم الدين، فاستخدم المستعمر أبناء الفئتين، واتخذ منهم جواسيس على بلادهم.
الصوفية والاستعمار .. حقائق تاريخية مخزية
وللتاريخ مواقف لا يمكن إهمالها عن طمس الصوفية لذروة سنام الإسلام، واستبدالها بنزعات استسلامية محبطة للناس؛ لتقف حائط صد داخلي يسرت للمستعمر استيلاءه على البلاد..
فهل يمكن أن ينسى التاريخ أن قادة الصوفية في مصر حينما وصلت الحملة الفرنسية على أبواب القاهرة ووجب على الجميع الجهاد كفرض عين لرد المستعمر، قام الصوفية بجمع الناس داخل الأزهر ليتلو كل منهم صحيح البخاري؟! وقبلها عندما كان الإفرنج يغيرون على المنصورة في مصر سنة (647هـ)، تنادى الصوفيون ليقرءوا الرسالة القشيرية!! ثم تجادلوا في كرامات الأولياء والعدو على الأبواب.
ويقينًا لو حضرهم صاحب الأحاديث التي يتلونها -صلى الله عليه وسلم- لأنكر عليهم هذا الفعل أشد الإنكار؛ لتخاذلهم وتخلفهم عن الجهاد ولفرارهم يوم الزحف، فقد همَّ صلى الله عليه وسلم أن يحرق بيوت قوم بالنار لتركهم صلاة الجماعة، فكيف بمن تخاذل وخذَّل الناس عن الجهاد الواجب؟!!
وهل ينسى التاريخ أن في شهر أكتوبر سنة 1881م يوم أن احتلت القيروان أنّ الذي يسَّر للفرنسيين دخولهم المدينة دون مقاومة من أهلها رجل فرنسي دخل الإسلام ثم توغَّل في الصوفية حتى صار إمامًا فيها، وسمَّى نفسه سيد أحمد الهادي، وعُيِّن كإمام لأكبر مساجدها وكمشرف على الضريح المقام فيه المسجد..
وحينما جاءت خيول الفرنسيين، فقام شباب المدينة بالاستعداد للدفاع عنها، قام ذلك الإمام الصوفي بالدخول في الضريح وخرج عليهم بقوله: إن الشيخ -الميت الذي في الضريح!!- يأمركم بالتسليم؛ لأنَّ وقوع البلاد صار محتمًا! فألقى الناس السلاح وقعدوا عن الجهاد؛ تلبيةً لأوامر من في الضريح الذي يعلم الغيب -حاش لله- وبعدها دخل الفرنسيون آمنين مطمئنين دون مقاومة.
وهل ينسى التاريخ أن الطريقة الصوفية التيجانية الجزائرية كانت تُوجَّه من المخابرات الفرنسية مباشرة، فكانت إحدى عميلاتهم زوجة لشيخ من شيوخ التيجانية، ولما مات تزوجت أخاه بعده، وأطلق عليها اعترافًا بكراماتها "زوجة السيدين"؛ ولهذا كان أتباع التيجانية يحملون التراب الذي تمشي عليه سيدتهم عميلة المخابرات؛ لكي يتيمموا به!! ونالت تلك السيِّدة وسام الشرق من فرنسا اعترافًا بخدماتها لهم، كما صرحوا بأنها: "كانت تعمل على تجنيد مريدين يحاربون في سبيل فرنسا كأنهم بنيان مرصوص"!!
الصوفي والغضب لله والجهاد ضد أعدائه
الغضب لله أول مدارج الجهاد، فالمسلم الذي يغضب لله سبحانه عندما تنتهك حرمة من حرماته يفسح لنفسه الطريق لإنكار هذا المنكر، ومن مراتبه جهاد أعداء الدين بالنفس والمال، ومن لم يغضب من فعل تنتهك فيه حرمة من حرمات لله، فكيف سيجاهد في سبيل إنكارها؟ وكيف سينتقم لله سبحانه ممن تجرأ عليه؟
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب، لكنه لا يغضب لنفسه بل كان يغضب لغضب رب العالمين؛ ففي البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (ما خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط، حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله).
إذن الغضب مسلك وسلوك مضبوط بضوابطه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الصوفية بما يأخذونه عن شيوخهم ينفون عن أنفسهم الغضب؛ بدعوى أن كل شيء من فعل الله، وأنهم لو غضبوا من أي فعل لكان غضبهم من الله. وهذا فَهْم مخالف تمامًا لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وبهذا كانوا يعتبرون مجرد الغضب على الاحتلال والاستعمار واغتصاب النساء وقتل الناس في الطرقات اعتراضًا على الله!!
فابن عربي الملقب عندهم بالشيخ الكبير الذي روَّج لمبدأ وحدة الوجود، مدعيًا أن الإنسان الكامل تتجلى فيه الصفات الإلهية إذا تيسر له الاستغراق في وحدانية الله.. فابن عربي هذا ينكر عن الإنسان صفة الغضب مطلقًا فيقول: "ومَن اتسع في علم التوحيد ولم يلزم الأدب الشرعي فلم يغضب لله ولا لنفسه... فإن التوحيد يمنعه من الغضب؛ لأنه في نظره ما ثَمَّ من يغضب عليه لأُحديَّة العين عنده في جميع الأفعال المنسوبة إلى العالم، إذ لو كان عنده مغضوبٌ عليه لم يكن توحيدٌ، فإنَّ موجب الغضب إنما هو الفعل، ولا فاعل إلا الله".
بل إن الصوفية تفسِّر الجهاد في سبيل الله سبحانه بتفسيرات ليس لها أصل في الدين، بل تكاد تخرج الجهاد ضد الأعداء من جملة الأعمال المشروعة في الدين، فضلاً عن كونه ذروة سنام الإسلام.
ففي كتاب (عوارف المعارف لأبي حفص السهروردي) -وهو كتاب مطبوع على هامش الإحياء- نجد فيها تفسيرًا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]. فقالوا -كذبا وافتراء-: "لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يربط فيه الخيل، ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة، فالرباط لجهاد النفس، والمقيم في الرباط مجاهد لنفسه"!!
وكثيرًا ما يرددون في مجالسهم حديثًا مكذوبًا نصه "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" الذي قال عنه الإمام ابن تيمية: "وأما الحديث الذي يرويه بعضهم -وذكره- فلا أصل له، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله".
ولهذا فعلاقة الصوفية بالاستعمار ليست إلا توطئة ودعمًا متبادلاً وإعانة -بوعي أو بغير وعي- لأهداف أعداء الأمة، ويعملون على إحيائها وتمويلها ومساعدتها بكافة الطريق، وما نراه من تحالف بين بشار وصوفية شيوخ سوريا يعدُّ نموذجًا متكررًا لخيانة الأمة ومساعدة أعدائها عليها.
وما فعله الاحتلال الأمريكي في العراق من مساندة للطرق الصوفية لتشكيل حركات صوفية في ديالي وكركوك وغيرها من المدن العراقية، ودعمها بكل السبل لتحلَّ محلها في محاربة المجاهدين الساعين لطرد الاحتلال - لخير دليلٍ على رضا تام عنهم من قِبل أعداء الإسلام.
المصدر: موقع مركز التأصيل للدراسات والبحوث.
التعليقات
إرسال تعليقك