ملخص المقال
نظرة على تاريخ أفغانستان منذ غزاها الآريُّون (سكان وسط آسيا) حوالي 1500ق.م، إلى الغزو الأمريكي في عام 2001م
غزا الآريُّون (سكان وسط آسيا) أفغانستان حوالي 1500ق.م، وأبادوا العديد من سكان البلاد، وتزاوجوا من بعضهم الآخر، وفي منتصف القرن السادس قبل الميلاد غزا الفرس القسم الشمالي من أفغانستان، وهي منطقة كانت تُدعى باكْتْريا، وظلَّت تحت حُكمهم حتى حوالي 330ق.م عندما غزا الإغريق والمقدونيُّون بقيادة الإسكندر الأكبر الإقليم وكثيرًا من بقيَّة أراضي أفغانستان.
وفي حوالي 246ق.م ثار أهل باكتريا، وقاموا بعدها بالسيطرة على المنطقة وكذلك الأجزاء المتبقِّيَّة من أفغانستان، وقد دامت مملكتهم قرابة 150 سنة إلى أن احْتَلَّ الكوشانُ من آسيا الشرقيَّة أفغانستان، وقد استطاع الساسانيُّون من فارس والهون البيض من آسيا الشرقيَّة دَحْرَ الكوشان في القرن الخامس الميلادي.
وقد دخل الإسلام أفغانستان في نهاية القرن الأوَّل الهجري السابع الميلادي، وفي منتصف القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي عمَّ الإسلام الديار الأفغانيَّة، مما كان له تأثير كبير وواضح على الحضارة هناك.
وحكمت أفغانستان الجماعات التركيَّة من شرق فارس وآسيا الوسطى في الفترة الممتدَّة بين عامي 900م و1200م، وقد هاجم المغول أفغانستان بقيادة جنكيزخان في القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي، والتيموريُّون بقيادة تيمورلنك في القرن الرابع عشر الميلادي.
وتنافس كلٌّ من السافاديِّين من بلاد فارس، والمغول من الهند على حكم أفغانستان من منتصف القرن السادس عشر حتى أوائل القرن الثامن عشر الميلاديين، وفي عام 1747م توحَّدت القبائل الأفغانية لأوَّل مرَّة، واستطاعت السيطرة على البلاد تحت قيادة أحمد شاه ديراني، وفي عام 1819م نشبت حرب أهليَّة بين القبائل المتنازِعة على حُكم البلاد، واستمرَّت الحرب حتى سنة 1835م، حيث سيطر على الحكم آنذاك دوست محمد خان الملقَّب بالأمير الصغير.
وخلال القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي تنافست بريطانيا وروسيا في السيطرة على أفغانستان؛ حيث كانت روسيا تسعى إلى مخرج لها يَصِلُها بالمحيط الهندي، وبدأت التوسُّع باتجاه أفغانستان، وبالمقابل كانت بريطانيا تُريد حماية إمبراطوريَّتها في الهند من تهديد التوسُّع الروسي.
وقد غزت الجيوش البريطانيَّة أفغانستان سنة 1839م بهدف الحدِّ من التوسُّع الروسي في المنطقة؛ مما أدَّى إلى اندلاع الحرب الإنجليزيَّة الأفغانيَّة الأُولى التي استمرَّت حتى سنة 1842م، إلى أن تمَّ انسحاب القوَّات الإنجليزيَّة من أفغانستان، وقد ازداد التأثير الروسي بمحاذاة أفغانستان في منتصف القرن التاسعَ عشَرَ، مما دفع ببريطانيا لغزو أفغانستان مرَّة ثانية، لتندلع الحرب الإنجليزيَّة الأفغانيَّة الثانية عام 1878م.
وفي عام 1880م أصبح عبد الرحمن خان أميرًا لأفغانستان، وقد اعترف الإنجليز بسلطاته على شئون البلاد الداخليَّة، وفي المقابل منح الأميرُ الإنجليزَ السيطرة على الشئون الخارجيَّة، وإبَّان مدة حكمه بذل عبد الرحمن خان قصارى جهده لتقوية الحكومة الوطنيَّة وتقليص سلطة زعماء القبائل، وبعد وفاته سنة 1901م انتهج ابنه حبيب الله خان نفسَ سياساته.
وفي أوائل عام 1919م اغتيل حبيب الله، وتولَّى أحد أبنائه الحُكم، وهو الأمير "أمان الله خان"، الذي هاجم الجنود الإنجليز في الهند لتندلع حرب إنجليزيَّة أفغانيَّة ثالثة، وبعدها قرَّر الإنجليز إنهاء تدخُّلهم في أفغانستان، حيث حصلت البلاد على استقلالها التامِّ في أغسطس عام 1919م.
وقد بدأ "أمان الله" بإصلاحات عديدة تهدف إلى تحديث أفغانستان، فوضع أوَّل دستور للبلاد في عام 1923م، وتمَّ تغيير لقب الأمير إلى ملك سنة 1926م، غير أن زعماء القبائل وقادة المسلمين أخذوا يقاومون حركة الإصلاحات التي أتى بها "أمان الله" حتى أُجْبِرَ على التخلِّي عن العرش عام 1929م، وفي نهاية 1929م أصبح محمد نادر خان ملكًا لأفغانستان.
وفي سنة 1931م تمَّ تبنِّي دستور جديد في أفغانستان، حيث بدأ محمد نادر خان بَرنامج إصلاح تدريجي، لكنه اغتيل سنة 1933م قبل أن يبدأ في أي من الإصلاحات، وتولَّى ابنه محمد ظاهر شاه فاستكمل استقلال البلاد في عهده.
وأصبحت أفغانستان عضوًا في هيئة الأمم المتَّحدة سنة 1946م، كما وقَّعت اتِّفاقيَّة مع الاتحاد السوفييتي أدَّت إلى روابط اقتصاديَّة وثيقة بينهما، وتمسَّكت الباكستان عام 1950م بالأراضي التي تسكنها قبائل الباتان، والتي لم تكن محدَّدة تمامًا، وتضمَّنها خطُّ دوراند (وهو خط حدود وضعه عام 1893م السير مورتمير دوراند بين مقاطعة الحدود الشماليَّة الغربيَّة الهنديَّة وأفغانستان)، وذلك رغم معارضة أفغانستان، وشجَّعت أفغانستان قيام دولة البوشتو فتسبَّب ذلك في قطع العَلاقات مع باكستان، وفي عام 1957م استُؤْنِفت العَلاقات بين البلدين، وفي عام 1955م جدَّدت أفغانستان معاهدة 1931م مع الاتحاد السوفييتي، وفي 6 سبتمبر 1961م قطعت أفغانستان عَلاقاتها الدبلوماسية مع باكستان.
وفي منتصف القرن العشرين أقامت أفغانستان عَلاقات طيِّبة مع دُول غير شيوعيَّة، خلال الحرب الباردة بين الدُّول الشيوعيَّة وغير الشيوعيَّة، وقد أبدى كثير من الأفغانيين مخاوفهم من هجوم سوفييتي عليهم من جارهم الشيوعي القوي آنذاك، وفي عام 1953م تولَّى السلطة محمد داود خان، ابن عم الملك وصهره، وخلال رئاسته للوزارة لم يكن لأفغانستان دور يُذكر في الحرب الباردة؛ حيث تلقَّت حكومته في تلك المدَّة مساعدات من الولايات المتَّحدة والاتحاد السوفييتي (سابقًا).
غير أن استمرار المنازعات الحدوديَّة بين أفغانستان وباكستان دفع بمحمد داود خان إلى الاستقالة عام 1963م، وفي عام 1964م تمَّ تبنِّي دستور جديد في أفغانستان يشتمل على موادٍّ تنصُّ على تشكيل حكومة ديمقراطيَّة، غير أن الملك "ظاهر" والمجلس التشريعي لم يتَّفقا على برنامج الإصلاح، بالإضافة إلى قلَّة اهتمام الأفغانيين وعدم استجابتهم، مما حال دون تطوُّر النظام الديمقراطي في البلاد.
وفي عام 1973م قاد داود انقلابًا عسكريًّا، حيث تمَّ عزل الملك "ظاهر"، وسيطر القادة العسكريُّون على الحكومة، وأعلنوا جمهوريَّة أفغانستان برئاسة داود الذي كان في نفس الوقت رئيسًا لوزرائها.
وفي عام 1978م قام قادة عسكريُّون يساريُّون ومدنيُّون بانقلاب عسكري، قُتل خلاله الرئيس داود، وتلقَّت تلك المجموعة مساعدات ماليَّة وعسكريَّة من الاتحاد السوفييتي سابقًا، واستولت على إدارة الحُكم، وتبنَّت سياسات شبيهة بالشيوعيَّة، ولكن معظم سكان البلاد عارضوا تلك الحكومة؛ لأن سياساتها تتعارض ومبادئ الإسلام الحنيف، وأبْدَوُا استياءهم من التأثير السوفييتي على الحكومة، وقد شارك قطاع مهمٌّ من السكان في معارضتهم للحكومة بعد مدَّة وجيزة من تسلُّمها السلطة، وإثر ذلك نَشِب القتال بين المجاهدين والقوَّات الحكوميَّة.
وفي أواخر عام 1979م وأوائل عام 1980م غزت آلاف من القوَّات السوفييتية أفغانستان وتحالفت مع قوَّات الحكومة الأفغانيَّة في قتالها ضدَّ المجاهدين الأفغان، وكان لدى السوفييت معدات أفضل بكثير من مناوئيهم، وقد استخدم المجاهدون أسلوب التكتيكات الفدائيَّة في هجومهم ضدَّ الجنود السوفييت؛ وذلك للحدِّ مما لدى السوفييت من مزايا القوَّة العسكريَّة المتفوِّقة.
وقد قصفت القوَّات السوفييتيَّة والحكوميَّة العديد من القرى الأفغانيَّة حتى أَجْبَرت العديد من قاطني القرى على النزوح منها، حيث نزح أكثر من ثلاثة ملايين نسمة من أفغانستان إلى باكستان المجاورة، واستقرُّوا في مخيَّمات مؤقَّتة، بينما لجأ بعضهم الآخر إلى إيران.
وفي 18 فبراير 1989م اكتمل خروج القوَّات السوفييتيَّة من أفغانستان، وقام "نجيب الله" بإبعاد الوزراء الشيوعيِّين من حكومته.
وفي يناير 1992م اتَّفق على وقف إطلاق النار ووضع السلطة في يَدِ الحكومة الإسلاميَّة التي كانت تُحاصِر العاصمة كابول، وإجراء الانتخابات تحت رعاية الأمم المتَّحدة، ومنظَّمة المؤتمر الإسلامي، فدخلت قوَّات المجاهدين كابول، وكوَّنت الحكومة الإسلاميَّة برئاسة "برهان الدين رباني" في يونيو 1992م، وتولَّى "قلب الدين حكمتيار" رئاسة الوزراء، وللأسف الشديد فإن الأوضاع السياسيَّة لم تستقرَّ في أفغانستان؛ فقد استمرَّت حرب أهليَّة بين قوَّات فصائل المجاهدين المختلفة.
وفي تطوُّر لاحقٍ في 27 سبتمبر 1996م استولت حركة طالبان برئاسة الملاَّ محمد عمر على العاصمة كابول، وأعلنت تشكيل حكومة جديدة.
وطالبان حركة سياسية ظهرت عام 1994م، وكان يترأَّسها الشيخ محمد عمر، وهو أستاذٌ سابق، ومجاهدٌ في نظر أعوانه وأنصاره، وانْتَسَبَتِ الحركة إلى مذهب الإمام أبي حنيفة، وتلخَّصت أهمُّ مبادئها في المحافظة على التعاليم الإسلاميَّة كما تراها، وبحلول عام 2000م كانت حكومة طالبان قد حقَّقت انتصارات واسعة واستولت على معظم أراضي أفغانستان.
وهناك وجهتا نظرٍ تُؤَصِّلان لبَدْءِ ظهور الحركة على الساحة الأفغانيَّة، الأُولى: تقول بأن الحركة ظهرت بشكل تلقائي كَرَدِّ فعل للصراع على السلطة بين الفصائل الرئيسيَّة، وهذا ما يقول به أفراد الجماعة أنفسهم، إلا أن انتصاراتها المتتالية دفعت الأطراف الأخرى إلى العمل على التحالف معها، وذلك في الوقت الذي حصلت فيه على دعم عدَّة أطراف إقليميَّة ودُوليَّة مثل باكستان والولايات المتَّحدة، وكانت بداءة الحركة قد جاءت من خلال تحفيز العلماء المسلمين في الجمعيَّة الباكستانيَّة للطلبة الأفغان على ترك الدراسة والتفرُّغ للجهاد ضدَّ الاتِّحاد السوفيتي.
أما وجهة النظر الثانية: فترى أن الحركة موجودة على الساحة منذ الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، باعتبار أن مقدِّمات الحركة جاءت من خلال تحفيز العلماء المسلمين في الجمعيَّة الباكستانيَّة للطلبة الأفغان على الجهاد ضدَّ الشيوعيَّة، وكل ما حدث هو تغيير في تكتيكات الأطراف الخارجيَّة إزاء المسألة الأفغانيَّة، وأيًّا ما كانت ظروف النشأة، فقد أصبحت الحركة واقعًا في الحياة السياسيَّة الأفغانيَّة نظرًا للعديد من التطوُّرات التي لحقت بالجهاد الأفغاني بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من هناك.
هذا وقد تعرَّضت الولايات المتحدة الأمريكيَّة إلى هجوم تفجيري أدَّى إلى تدمير مركز التِّجارة العالمي في مدينة نيويورك، بالإضافة إلى تدمير أجزاء من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بوساطة طائرات مدنيَّة مخطوفة ارتطمت بهذه الأماكن في 11 سبتمبر 2001م، ووجَّهت الحكومة الأمريكيَّة الاتهام إلى أسامة بن لادن وتنظيمه (تنظيم القاعدة) الذي يتَّخذ من أفغانستان مقرًّا له.
وهنا طالبت حكومة الولايات المتحدة الأمريكيَّة حكومة طالبان بتسليم ابن لادن تمهيدًا لمحاكمته، وهو ما رفضته حكومة طالبان لعدم وجود دليل - من وجهة نظر طالبان - على ضلوعه في هذه الأعمال الإرهابيَّة.
وفي السابع من أكتوبر من العام نفسه بدأت الولايات المتَّحدة حربًا ضدَّ أفغانستان تُساندها قوَّات المعارضة الأفغانيَّة التي أُطلق عليها اسم "تحالف الشمال".
وقد سقطت المدن الأفغانيَّة تِبَاعًا في أيدي القوَّات الأمريكيَّة وقوَّات التحالف، حيث تراجعت قوَّات طالبان عن معظم المدن دون قتال، وذلك بعد جرائم بشعة في صفوف طالبان والمدنيين، والتي كان منها مذبحتي قندز وقلعة جانجي بشمال أفغانستان، فسقطت مزار الشريف، وهرات، وكابول في 13 نوفمبر، وقندوز في 22 نوفمبر، وقندهار في 7 ديسمبر، وتورابورا في 16ديسمبر.
وقد الْتَقَى مَوْفُدُو الفصائل الأفغانيَّة في مؤتمر الأمم المتَّحدة حول مستقبل أفغانستان الذي عقد في "بون" بألمانيا في 27 نوفمبر، واتَّفقوا بعد محادثات شائكة على تشكيل حكومة مؤقَّتة برئاسة حميد كرزاي.
وفي يونيو 2002م شَكَّلَ مجلسُ القبائل الأفغاني (لويا جوركا) - وهو مجلس ينعقد وقت الأزمات، وللنَّظر في التحوُّلات السياسيَّة والاجتماعيَّة المهمَّة - حكومة انتقاليَّة تُدِير البلاد لعامين برئاسة حميد قرضاي، وقد خُصِّصت في الحكومة الانتقاليَّة 11 حقيبة وزارية للبشتون، و8 حقائب للطاجيك، و5 حقائب للهزارة، و3 حقائب للأوزبيك، ومثلها للمجموعات الأخرى، كما كوَّنت الحكومة لجنة لإقرار دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات ديمقراطيَّة لتشكيل حكومة دائمة.
ورغم أن الحرب قد وضعت أوزارها بانتصار عسكري للولايات المتَّحدة وقوَّات التحالف إلا أن محاولات اعتقال كبار قادة حركة طالبان وتنظيم القاعدة باءت بالفشل، وقد نَقَلت الولايات المتحدة أسرى حركة طالبان وتنظيم القاعدة إلى سجن "غوانتانامو" بكوبا.
التعليقات
إرسال تعليقك