ملخص المقال
كان الاتحاد السوفيتي يطمع في ثروات أفغانستان الطبيعية الطائلة، إضافة إلى محاولة السوفيت إيقاف المد الإسلامي المقاوم للشيوعية والإلحاد
بدأت الأزمة الأفغانية واقعياً عام 1973م، وذلك في أعقاب القضاء على الملكية بوساطة الأمير محمد داود، واستيلائه على الحكم، إلا أنه لم يستطع تحقيق الاستقرار والأمن في البلاد، حيث تعاظمت الاضطرابات وزادت حركات التمرد، إلى أن قتل في الانقلاب العسكري في (نيسان) أبريل 1978م، وأعلن حزب الشعب الديموقراطي في بيان إذاعي، أن السلطة قد أصبحت بأيدي المجلس الثوري للقوات المسلحة. وباستيلاء الشيوعيين على الحكم، كخطوة أولى، تأكدت التوقعات من أن الخطوة التالية، ستكون الاحتلال الكامل لأفغانستان.
وعلى الرغم من أن بداية العلاقات الحقيقة، بين الاتحاد السوفيتي وأفغانستان كانت منذ عام 1878م، إلاّ أن العلاقة الفعلية بدأت منذ عهد أمان الله في عام 1919م، حتى عام 1979م. ويمكن تقسيمها إلى فترتين:
الفترة الأولى:
وتبدأ بحكم أمان الله، وتنتهي عام 1973م بانتهاء الملكية، وإعلان الجمهورية في أفغانستان بواسطة محمد داود. وقد شهدت هذه الفترة علاقات متزايدة، بين أفغانستان والاتحاد السوفيتي. ولكن يمكن اعتبارها فترة جس النبض، ولكن، في الوقت نفسه، تأكد للاتحاد السوفيتي أنّ البيئة الداخلية لأفغانستان، جاهزة لاختراقها أيديولوجياً، ثم يلي ذلك استكمال السيطرة على المجتمع الأفغاني.
الفترة الثانية:
تبدأ بإعلان الجمهورية عام 1973م، برئاسة محمد داود، حتى حدوث التدخل السّوفيتي المسلح، مروراً بثورة (نيسان) أبريل 1978م. وشهدت هذه الفترة عملية تسكين كاملة للكوادر الشيوعية - التي تم تدريبها في الاتحاد السوفيتي- داخل الجهاز الحكومي، والجيش الأفغاني، والوحدات الإنتاجية.
دوافع السوفيت لاحتلال أفغانستان
1-الاستيلاء على الموارد الاقتصادية
تمثل أفغانستان ثروة طبيعية لكونها تملك احتياطاً كبيراً من الغاز الطبيعي والفحم والحديد عالي الجودة. كما أنه من السهل التنقيب علي البترول واكتشافه.
وقد دلت التقارير الجيولوجية على أن أرض أفغانستان، تحتوي على كميات من البترول، كما تحتوي على الغاز الطبيعي، الذي يستورده الاتحاد السوفيتي، بمعدل 3 مليار متر مكعب سنوياً، ولقد استهلك الاتحاد السوفيتي، منذ عام 1967م، أكثر من 30 مليار متر مكعب من حقول أفغانستان، لاستخدامها في مناطق آسيا الوسطى، وتدفع موسكو سعراً أقل من السعر العالمي ثمناً للغاز الأفغاني.
2-إيقاف المد الإسلامي
كان من أهداف الروس في الحرب الباردة إقامة حزام أمني عقائدي يحميها من انهيار الأيديولوجية الماركسية، لذلك فإن زعماء الكرملين ركزوا على استغلال جميع الفرص، لنشر الاشتراكية على مستوى العالم، كلّما سنحت الفرصة، وقد تلاحظ ذلك بالنسبة للدول، التي حصلت على معونات من الدول الاشتراكية، فبجانب هذه المعونات، لا بد من قدر من الثقافة الروسية، يتناسب مع كمية المعونة المقدمة، وهذا ما حدث بالنسبة لأفغانستان، فالبداية كانت من خلال العلاقات الثقافية، مثل التعليم والتدريب؛ ثم تطور إلى المعاونات الاقتصادية، التي كانت دائماً، وعلى جميع المستويات، يمثلها الخبراء. ومن خلال هؤلاء الخبراء، يبدأ نشر الفكر الشيوعي والأيديولوجية الماركسية. وهكذا، حققت موسكو نجاحاً كبيراً في هذا الصدد، حيث سيطرت كلياً على مقاليد الأمور وتولى الحكم حزب شيوعي، و بدأت تطبيقات النظام الماركسي.
3-حماية أمن الاتحاد السوفيتي
على الرغم من أن الاتحاد السوفيتي حقق السيطرة الكاملة على مقدرات الشعب الأفغاني، من خلال حزب شيوعي يتولى الحكم، إضافة إلى قوات مسلحة، جميع قادتها ينتمون إلى حزب الشعب الديموقراطي، ولكن كل هذه التبعية، لم تكن كافية، من وجهة النظر السوفيتية، فقد تصور القادة السّوفييت أن نظام الحكم في أفغانستان غير مستقر، وأن زعماء الأحزاب في صراع على السلطة، حتى الشّيوعيين منهم، دليل على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها استمالة هؤلاء الزعماء بالقليل، وفي مقابل ذلك تُعيد تمركز بعض التجهيزات الرادارية. فمعدات تجسس شمال أفغانستان، قادرة على تصوير الأسلحة المتطورة والمنتشرة في آسيا الوسطى.
إلاّ أن تقدير الموقف، الذي بناء عليه اتخذت المؤسسة العسكرية السوفيتية هذا القرار، لم يكن دقيقاً، فقد تصوروا أن العملية العسكرية لن تزيد على أن تكون مناورة تدريبية، لن تستغرق بضعة أيام، وبالفعل لم تزد عملية الغزو عن ثلاث ساعات، أما ما بعد الغزو، فهو، الذي استغرق عشر سنوات، فقد وجدت القوات المسلحة السوفيتية، التي بلغت 120 ألف جندي حسب تقديرات موسكو، بمعداتهم وأسلحتهم وخطوط إمداداتهم، نفسها في مستنقع، شبيه بمستنقع فيتنام بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. فالدفاع عن العقيدة، هو أصعب أنواع القتال، وهو سر هزيمة الاتحاد السوفيتي من المقاومة الأفغانية، التي تدافع عن الإسلام في مواجهة الإلحاد.
التعليقات
إرسال تعليقك