التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
أرسلت فرنسا أسطولًا كبيرًا من ستمائة سفينة إلى الجزائر في سنة 1830م، فدخلها الفرنسيون، واحتلوها احتلالًا استمر إلى سنة 1962م.
احتلال فرنسا للجزائر (1830م):
كانت فرنسا تريد منذ زمن الحصول على مركز ثابت في البحر المتوسط لتنافس به البحريَّة العسكريَّة الإنجليزيَّة، خاصَّةً بعد احتلال بريطانيا لجبل طارق في إسبانيا عام 1713م[1]، ولجزيرة مالطة عام 1813م[2]. -أيضًا- كانت فرنسا تريد تأمين تجارتها في البحر المتوسط، ولن يكون ذلك إلا بالسيطرة على الأماكن القويَّة التي تخرج منها هجماتٌ عدوانيَّةٌ على السفن، ومن أشهرها دول الشمال الإفريقي، وأقواها الجزائر. من الممكن -أيضًا- الربط بين ما رأته فرنسا في حرب اليونان الماضية، ومن قبلها في الحملة الفرنسية على مصر والشام، من ضعفٍ شديدٍ للدولة العثمانية، ممَّا يؤكِّد أنها لن يكون لها ردُّ فعلٍ إذا قامت فرنسا باحتلال الجزائر الآن، خاصَّةً مع بُعْد الجزائر عن إسطنبول، ومع انفصال الجزائر الفعلي عن العثمانيِّين منذ 1671م. أمَّا إذا انتظرت فرنسا عدَّة سنواتٍ فلعلَّ الإصلاحات التي يريد محمود الثاني أن يقوم بها في الجيش والأسطول، والدولة بشكلٍ عام، تؤدِّي إلى تغييرٍ يُقَلِّل من فرص نجاح الاحتلال.
افتعلت فرنسا حجَّةً لا تُؤدِّي في العادة إلى حروب، وهي مشادَّةٌ حدثت بين حاكم الجزائر حسين داي وسفير فرنسا لديها بيير دوڤال Pierre Deval حول تأخُّر فرنسا في دفع ديون بعض التجار الجزائريِّين، فأساء السفير الأدب أمام جمعٍ من السفراء، والوزراء، فضرب حاكمُ الجزائر السفيرَ بمنشَّة ذبابٍ في يده[3]! اهتاجت فرنسا لهذا الحدث، والحقُّ أنَّه تصرُّفٌ غير لائق، ولكن ليس من المعتاد أن يكون الردُّ عليه بالجيوش والاحتلال الدائم، خاصَّةً أن أصل المشكلة هو تأخُّر فرنسيٍّ عن أداء مديونيَّاتٍ جزائريَّةٍ وليس العكس. عُرِفَت هذه الحادثة في التاريخ بحادثة منشة الذباب fly whisk incident، أو حادثة المروحة، ومع أنها حدثت في 29 أبريل 1827، إلا أن فرنسا استخدمتها كحُجَّةٍ للاحتلال في 1830م[4]!
أرسلت فرنسا أسطولًا كبيرًا من ستمائة سفينة[5]، يحمل أربعةً وثلاثين ألف مقاتل من الجيوش البحريَّة والبرِّيَّة، وقاموا بإنزالٍ عسكريٍّ في سيدي فروخ[6]، على بعد سبعةٍ وعشرين كيلو مترًا غرب مدينة الجزائر في 14 يونيو 1830م[7]، ودار القتال بينهم وبين الجيش الجزائري في 19 يونيو، وانتصر الفرنسيون، ثم احتلوا قلعة «سلطانية قلعة سي» أمام مدينة الجزائر في 5 يوليو، ومِنْ ثَمَّ خرج حسين داي من المدينة، فدخلها الفرنسيون، واحتلُّوها[8].
كانت العمليَّة سريعة، وظهر فيها الفارق الضخم بين إمكانات الجيوش الحديثة وغيرها ممَّن يُقاتل بأسلحةٍ وأنظمةٍ قديمة، كما ظهر أثر الفُرقة التي عانى منها المسلمون في هذه المرحلة التاريخيَّة الصعبة؛ حيث لم تأتِ نجدةٌ للجزائر من أيِّ قُطرٍ مسلم -باستثناء المغرب[9]- ولا من الدولة العثمانية ذاتها[10]. هذا هو الخروج «الرسمي» للجزائر من حكم العثمانيين، حيث سيستمر احتلالها إلى 1962م.
بهذا الاحتلال المحزن انتهت المرحلة الثانية من حياة السلطان محمود الثاني، والتي شهدت مواجهات سافرة مع القوى الأوروبية المختلفة، وستبدأ مرحلته الثالثة والأخيرة التي سيكوِّنها حدثها الأكبر هو الصراع بين محمد علي باشا والسلطان، كما ستشهد هذه المرحلة إصلاحاتٍ جذريَّةً يقوم بها هذا السلطان المبتلى![11].
[1] Tucker, Spencer C.: A Global Chronology of Conflict: From the Ancient World to the Modern Middle East, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2010., vol. 2, p. 716.
[2] Wragg, David W.: Malta, the Last Great Siege, Casemate Publishers, 2003., p. 27.
[3] Steele, Murray: Algeria: Algiers and Its Capture, 1815-1830, In: Shillington, Kevin: Encyclopedia of African History, Taylor & Francis Group, New York, USA, 2005., vol., 1, p. 48.
[4] كوران، آرجمنت: السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر، ترجمة: عبد الجليل التميمي، منشورات الجامعة التونسية، تونس، 1970م.صفحة 34.
[5] بروكلمان، كارل: تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس، منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1968م. صفحة 621.
[6] Ruedy, John Douglas: Modern Algeria: The Origins and Development of a Nation, Indiana University Press, Bloomington, Indianapolis, USA, Second Edition, 2005., p. 48.
[7] التر، عزيز سامح: الأتراك العثمانيون في أفريقيا الشمالية، ترجمة: محمود علي عامر، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1409هـ=1989م. صفحة 644.
[8] Ruedy, John Douglas: Modern Algeria: The Origins and Development of a Nation, Indiana University Press, Bloomington, Indianapolis, USA, Second Edition, 2005., p. 49.
[9] Pennell, C. R.: Morocco Since 1830: A History, C. Hurst & Co. Publishers, London, UK, 2000., p. 42.
[10] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، صفحة 2/14.
[11] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442ه= 2021م، 2/ 1024- 11026.
التعليقات
إرسال تعليقك