التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
في سنة 1833م وُقِّعت معاهدة هونكار إسكيله سي بين روسيا والدولة العثمانية،كانت المعاهدة تقضي بالدفاع المشترك بين البلدين لمدَّة ثماني سنوات.
معاهدة هونكار إسكيله سي Hünkâr İskelesi (1833م):
وُقِّعت هذه المعاهدة في 8 يوليو 1833م[1]، وبعد يومين فقط غادرت القوَّات الروسيَّة الأناضول[2]. كانت المعاهدة تقضي بالدفاع المشترك بين البلدين لمدَّة ثماني سنوات[3][4][5]. هذا في الواقع -من وجهة نظرٍ عمليَّة- يجعل الدولة العثمانية تحت الحماية الروسيَّة؛ لأنها لا تقوى في حالتها هذه على إعانة روسيا على أعدائها، إنما المقصود أن تُعينها روسيا إذا احتاجت، فصارت الدولة العثمانيَّة كأنَّها «تابعٌ» لروسيا! هذا في حدِّ ذاته يُمثِّل مشكلةً كبرى أزعجت بريطانيا على وجه الخصوص[6].
أُعلنت المعاهدة بعد رحيل القوَّات الروسيَّة، ولم يكن واضحًا فيها «الثمن» الذي ستدفعه الدولة العثمانية نظير تلقِّي مساعدة الروس عند الحاجة، وهذا كان يُثير الشكوك في الأوساط الأوروبية. أخيرًا في أوائل 1834م[7] ظهر على الساحة ما يُعْرَف بالبند السري Secret clause لمعاهدة هونكار إسكيله سي، وهو يقضي بأن الدولة العثمانية ستقوم بإغلاق الممرَّات البحريَّة -الدردنيل والبوسفور- في وجه السفن التي ترغب روسيا في منعها من المرور[8][9]، وهذا يُعطي روسيا سيطرةً عمليَّةً على المضايق، ولا يخفى مدى الضرر الذي يمكن أن يقع على القوى الأوروبية في حال تنفيذ هذا البند. كان من الواضح أن الدولة العثمانية كانت واقعةً تحت ضغطٍ شديدٍ أدَّى إلى مثل هذه المعاهدة المهينة التي وضعتها في صورة تابعٍ لا حيلة له للإمبراطوريَّة الروسيَّة!
كان للمعاهدة أثرٌ كبيرٌ على السياسة الأوروبِّيَّة، وعلى مواقف الدول العظمى من الدولة العثمانية، وخاصَّةً بريطانيا، فقد أدركت هذه الدول خطورة الانهيار المفاجئ للدولة العثمانية، فقد يصبُّ هذا الانهيار لمصلحة قوَّةٍ أخرى غيرهم؛ إمَّا روسيا وهذا خطر، وإمَّا محمد علي باشا وهذا أخطر، ولهذا ستتحوَّل السياسة الإنجليزيَّة، بزعامة رئيس الوزراء الشهير اللورد بالمرستون Lord Palmerston، إلى إعانة الدولة العثمانية ودعمها في الفترة القادمة[10]، ولقد أوضح بالمرستون سياسة دولته في رسالة مختصرة أرسلها إلى السفير البريطاني في باريس قال له فيها: «ينبغي أن نُؤيِّد السلطان بكلِّ ما في وسعنا، بمساعدة فرنسا إذا شاءت الاشتراك معنا، ودونها إذا رفضت ذلك»[11].
ستُصبح بريطانيا إذن هي الحليف الرئيس للعثمانيِّين، وستحرص على عدم سقوط دولتهم، وذلك بالوقوف في وجه الروس دبلوماسيًّا أحيانًا، وبحربهم في أحيانٍ أخرى، وبالوقوف في وجه محمد علي باشا، والسعي لتحجيم قوَّته، في أحيان ثالثة. قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ [البقرة: 251]!
في الواقع كانت المعاهدة مؤلمة، ولن يجني المسلمون خيرًا من فرقتهم أبدًا، وليت العاقلَيْن؛ السلطان محمود الثاني ومحمد علي باشا، جلسا سويًّا، وتفاهما بودٍّ، وبوساطة إسلاميَّة لو تطلَّب الأمر، بدلًا من إقحام الروس، والإنجليز، والفرنسيين، وهؤلاء -كما هو معلوم- لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمَّة![12].
[1] يانج، جورج: تاريخ مصر من عهد المماليك إلى نهاية حكم إسماعيل، ترجمة: علي أحمد شكري، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1416هـ=1996م. صفحة 130.
[2] دولينا، نينل الكسندروفنا: الإمبراطورية العثمانية وعلاقاتها الدولية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر، ترجمة: أنور محمد إبراهيم، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1999م. صفحة 34.
[3] كينروس، چون باتريك: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ترجمة وتعليق: ناهد إبراهيم دسوقي، منشأة المعارف، الإسكندرية-مصر، 2002م. صفحة 528.
[4] لوتسكي: تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة: عفيفة البستاني، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثامنة، 1985م.صفحة 130.
[5] صبري، محمد: تاريخ مصر الحديث من محمد علي إلى اليوم، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1926م.صفحة 70.
[6] صفوت، محمد مصطفى: محاضرات في المسألة الشرقية ومؤتمر باريس، معهد الدراسات العربية العالية-جامعة الدول العربية، القاهرة، 1958م.الصفحات 18، 19.
[7] Bailey, Frank Edgar: British Policy and the Turkish Reform Movement: A Study in Anglo-Turkish Relations, 1826-1853, Harvard University Press, Cambridge, UK, 1942., p. 49.
[8] كينروس، 2002 صفحة 528.
[9] McGregor, Andrew James: A Military History of Modern Egypt: From the Ottoman Conquest to the Ramadan War, Greenwood Publishing Group, Westport, CT, USA, 2006, p. 109.
[10] لبيب، حسين: تاريخ المسألة الشرقية، مطبعة الهلال، القاهرة، 1921م.صفحة 71.
[11] يانج، 1996 صفحة 144.
[12] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442ه= 2021م، 2/ 1049- 1051.
التعليقات
إرسال تعليقك