التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يختلف العلماء كثيرًا حول تأويل الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، والأشهر أنَّها سبع لغاتٍ للعرب، ويمكن أن تكون سبع لهجات أو غير ذلك.
روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أَنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ»[1]، ويختلف العلماء كثيرًا حول تأويل الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن: والأشهر أنَّها سبع لغاتٍ للعرب، ويمكن أن تكون سبع لهجات، ويمكن أن تكون اللهجات السَّبع في مضر، ويمكن أن تكون في قريش، ويمكن أن يكون المقصود هو تغيُّرًا في الألفاظ، أو في الشَّكل، أو في الزيادة والنقصان، أو الإبدال، أو الإعراب، أو التقديم والتأخير، أو غير ذلك، وقد ذكر ابن حبَّان خمسةً وثلاثين قولًا في تأويل هذا، ولكن بشكلٍ عامٍّ يمكن القول: إنَّ الله عز وجل أوحى القرآن لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بسبع صورٍ تختلف عن بعضها البعض، وهذه الصور كلُّها معجز، وكلُّها حجَّة، وكلُّها صحيح، وقد حدث ذلك تيسيرًا على الأمَّة، خاصَّةً عند نزول القرآن؛ لأنَّه كان من العسير على كلِّ العرب بشتَّى لغاتهم ولهجاتهم أن يقرءوا القرآن قراءةً واحدة، فنزل بالصور السَّبع للتيسير.
ومن الواضح أنَّ الصور السَّبع كانت مختلفةً عن بعضها البعض اختلافًا يُدركه السَّامعون، ممَّا أفرز بعض المواقف التي ظنَّ فيها الصحابة أنَّ الذين لا يقرءون بقراءتهم مخطئون، وهذا ما حدث مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الموقف.
يقول عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنهما، يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ[2] فِي الصَّلاَةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ[3] بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ». فَقَرَأَ عَلَيْهِ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ». ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ». فَقَرَأْتُ القِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ»[4].
هذه الرواية تُبَيِّن أنَّ قراءة عمر رضي الله عنه كانت مختلفةً كثيرًا عن قراءة هشام بن حكيم رضي الله عنهما، على الرغم من أنَّ كليهما قرشيٌّ، فما بالنا لو كان أحدهما يقرأ بقراءة هُذَيْل، أو غطفان، أو غيرهما؟ وقد أقرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم القراءتين، وألمح إلى أنَّ هذا نوع من التيسير على المسلمين الذين ينطقون بلهجاتٍ كثيرة، أو لغات «عربية» متعدِّدة.
لم يكن هذا الموقف فريدًا في السيرة النبوية، بل تكرَّر مرارًا مع الصحابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما حدث مع أبي بن كعب رضي الله عنه، فعنه رضي الله عنه أنه قال: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ قِرَاءَةً سِوَى قَرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ دَخَلْنَا جَمِيعًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، وَدَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَآ، فَحَسَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَأْنَهُمَا، فَسَقَطَ فِي نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ، وَلَا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَدْ غَشِيَنِي، ضَرَبَ فِي صَدْرِي، فَفِضْتُ عَرَقًا وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرَقًا، فَقَالَ لِي: «يَا أُبَيُّ أُرْسِلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي[5]، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا، فَقُلْتُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم»[6].
وفي رواية أن جبريل قال له: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا»[7].
ومن المهمِّ أن نعرف أنَّ هذه القراءات أو الصور جميعًا كانت -على الرَّغم من اختلاف ألفاظها وشكلها- متوافقةً في المعنى والتَّشريع. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «بَلَغَنِي أَنَّ تِلْكَ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفَ إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَكُونُ وَاحِدًا، لَا يَخْتَلِفُ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ»[8].
ونقل ابن كثير قول الطحاوي: «.. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً أَنْ يَقْرَأَ النَّاسُ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ، وَذَلِكَ لَمَّا كَانَ يَتَعَسَّرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ التِّلَاوَةُ عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ، وَقَرَأَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالضَّبْطِ وَإِتْقَانِ الْحِفْظِ»[9]، واستمر ذلك حتى عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي جمع عثمان رضي الله عنه الناس جميعًا على حرف واحد من هذه الأحرف السبعة[10].
[1] البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف، (4705)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، (819).
[2] أُسَاوِرُهُ أَيْ آخُذُ بِرَأْسِهِ وقيل: أُوَاثِبُهُ. أَيْ أُعَاجِلُهُ.
[3] لَبَّبْتُهُ: أَخَذْتُ بِمَجَامِعِ رِدَائِهِ فِي عُنُقِهِ وَجَرَرْتُهُ بِهِ.
[4] البخاري: كتاب الطلاق، باب الإشارة في الطلاق والأمور، (4992)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، (818).
[5] أي يسأل الرسول ربه ألا يجعل قراءة القرآن بطريقة واحدة فقط لأن هذا سيشقُّ على عامة العرب الذين يتكلَّمون لهجات مختلفة حتى يكاد بعضهم لا يفهم كثيرًا من كلمات الآخر، فاستجاب له الله تعالى، وجعل القراءة على سبع صور أو أحرف.
[6] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، (820)، وأحمد (21209).
[7] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، (821)، وأبو داود (1478).
[8] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، (819).
[9] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 1/45.
[10] لمشاهدة الحلقة على يوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك