التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
مكة والمدينة بإجماع العلماء أفضل مدينتين في الدنيا، وبعدهما القدس، وبعد ذلك تتفاوت المدن، وتختلف قيمتها في المراحل التاريخية المختلفة.
الواقع أنَّ البحث في هذه المسألة هو جزء من الدين والعقيدة، واهتمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسألة، وقال فيها أحاديث كثيرة، والهدف تعظيم المدينتين معًا، وليس الانتقاص من إحداهما، فهما بإجماع العلماء أفضل مدينتين في الدنيا، وبعدهما القدس، وبعد ذلك تتفاوت المدن، وتختلف قيمتها في المراحل التاريخية المختلفة، بعكس المدن المقدَّسة الثلاثة.
ولأهمية هذه القضية ناقشها علماء المذاهب المختلفة، وكلُّ واحدٍ أدلى بدلوه فيها.
تعظيم الحجاز:
روى مسلم عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غِلَظُ الْقُلُوبِ، وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ، وَالْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ»[1].
وروى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ: «أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَأَجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ»، وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَأَلْتُ المُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ: فَقَالَ مَكَّةُ، وَالمَدِينَةُ، وَاليَمَامَةُ، وَاليَمَنُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ وَالعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ"[2].
وعند أبي داود بسند صحيح عن عمر بن الخطاب، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إِلَّا مُسْلِمًا»[3].
قال ابن حجر: "لَكِنَّ الَّذِي يُمْنَعُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ سُكْنَاهُ مِنْهَا الْحِجَازُ خَاصَّةً وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ واليمامة وَمَا وَالَاهَا لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْيَمَنَ لَا يُمْنَعُونَ مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ"[4].
المذاهب المختلفة في تفضيل مكة أو المدينة:
عند الشافعية والحنابلة والحنفية، وبعض المالكية أن مكة أفضل من المدينة، وأن مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة، وعكسه مالك وطائفة، ويرى الشافعية والجمهور أن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ الذي قال فيه النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»[5]، معناه إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في مسجدي، وعند مالك وموافقيه إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجدي تفضله بدون الألف!
وقال القاضي عياض، وهو من أقطاب المالكية: اجتمعوا على اْن موضع قبره عليه السلام اْفضل بقاع الأرض، وأن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، ثم اختلفوا في أيّهما اْفضل ما عدا موضع قبره عليه السلام؛ فذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى تفضيل المدينة... وذهب أهل مكة والكوفة إلى تفضيل مكة، وهو قول ابن وهب وابن حبيب من أصحابنا (من المالكية)، وحكاه الساجي عن الشافعي"[6].
ونقد ابن تيمية هذا القول، ونفى هذا الإجماع، وهو مصيب، كما أن الجزم بأن عمر فضَّل المدينة على مكة غير صريح.
حجة المرجِّحين لأفضلية مكة:
1- حديث الترمذي وهو صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى الحَزْوَرَةِ فَقَالَ: "وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"[7].
2- أوجب الله استقبالها في الصلاة، وجعل ذلك سنة في الدعاء، وليس هذا للمدينة.
3- وُجُوبُ قَصْدِهَا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَهَذَانِ وَاجِبَانِ لاَ يَقَعُ مِثْلُهُمَا فِي الْمَدِينَةِ.
4- بها الكعبة أعظم بيوت الله، وله الأسبقية في العبادة. قال تعالى: (إِنَّ أَوَّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ).
5- بها قطعة من الجنة، وهو الحجر الأسود
6- أقام رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مكة بَعْدَ النُّبُوَّةِ، أكثر من المدينة؛ فأقام فيها ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً بينما أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا.
7- ثبت أن سبعين نبيًّا على الأقل زاروا مكة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وسيزورها عيسى عليه السلام للحجِّ عند نزوله آخر الزمان.
8- إِنَّ التَّقْبِيل وَالاِسْتِلاَمَ مُخْتَصَّانِ بِالرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْل ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ.
9- حرَّمها الله تعالى قديمًا: ففي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَامَ يَوْمَ الفَتْحِ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ..»[8].
10- الصَّلاَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ تَعْدِل مِائَةَ أَلْفِ صَلاَةٍ وَلَيْسَ مِثْل ذَلِكَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ.
رأي المرجِّحين لأفضلية المدينة:
1- بها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يخلق الله تعالى نفسًا أكرم عنده منه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا ذَرَأَ نَفْسًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ إِلَّا بِحَيَاتِهِ، فَقَالَ: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]".
2- اختارها الرسول صلى الله عليه وسلم للإقامة الدائمة، ولم يختر مكة بعد فتحها، ومع ذلك فهذا للاتِّفاق الذي كان بينه وبين الأنصار قبل الهجرة، وكذا للضرورة السياسية، روى أحمد في مسنده قال أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالًا، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا -يَعْنِي الْعُهُودَ- فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ، وَتَدَعَنَا؟ قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «بَلِ الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ أَنَا مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ مِنِّي أُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ وَأُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ»[9]، وقال في فتح مكة مؤكِّدًا -كما في مسلم عن أبي هريرة- «كَلَّا، إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ، وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ»[10].
3- الذي حرَّم مكة هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا أمر عظيم، بينما الذي حرَّم المدينة هو سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أعظم، ففي صحيح مسلم عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» يُرِيدُ الْمَدِينَةَ[11]، ومع ذلك فإبراهيم حرَّم مكة لأن الله أمره بهذا التحريم، فالتحريم منسوب إلى الله نفسه، وأثبت رسول الله ذلك بشكل صريح؛ ففي البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الخزاعي رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الغَدَ مِنْ يَوْمِ الفَتْحِ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ.."[12].
4- تغليظ الحدث والإثم فيها بشكل مباشر؛ فعن أنسٍ عن النبي ﷺ قال: «المَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا؛ لاَ يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ[13]؛ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»[14]، ومع ذلك فالتغليظ في حقِّ مكة جاء في القرآن في قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].
5- دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل حبَّ المدينة في قلوب المؤمنين أشدَّ من حبهم لمكة، روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا"[15]، وهذا الدعاء إنما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتكى أصحابه من وباء المدينة فدعا لهم بحب الإقامة فيها وكراهة الانتقال منها.
6- دعا رسول الله صلى لله عليه وسلم ربه أن يجعل بركة المدينة ضعف بركة مكة، فعن أبي هريرة قال: كان الناس إِذَا رَأَوْا أوَّل الثَّمر جاءوا به إلى رسول الله ﷺ، فإذا أخذه رسول الله ﷺ قال: «اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ». قال: ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ[16].
7- المدينة موطن الإيمان في الأرض؛ فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله ﷺ قال: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ [17] إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا»[18].
8- وهي تنفي الذنوب؛ فعن زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ»[19].
9- لولا المدينة لما كانت هناك دولة للإسلام، وكانت كذلك بينما كانت مكة تحارب الدين.
10- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقِّ أهل المدينة ما لم يقله في حقِّ أهل مكة، والأحاديث في فضل الأنصار كثيرة؛ ومنها ما رواه الْبَرَاءُ من أن النَّبِيَّ ﷺ قال في الأنصار: «لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ؛ مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ»[20].
11- وهذه البركة في أهل المدينة الأنصار ممتدة عبر الأجيال، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال رسول الله ﷺ: «اللهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ»[21].
12- هدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ يتعرَّض لأهل المدينة بسوء، ولم يفعل ذلك لأهل مكة أو غيرها؛ فعن سَعْدٍ قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «لاَ يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ إِلاَّ انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ[22]»[23].
13- وللحفاظ على طبيعة أهلها، فإن المدينة تطرد الخبثاء والمنافقين، وهذا لا يحدث إلا بها وحدها؛ فقد رُوِيَ عن جابر بن عبد الله السَّلَمِيِّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَأَصَابَ الأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالمَدِينَةِ، فَجَاءَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّمَا المَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا»[24].
14- والمدينة في حراسة الملائكة، ففي صحيح مسلم عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا، فَيَنْزِلُ بِالسِّبْخَةِ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ»[25]، فمع أن الدجال لن يتمكَّن من دخول مكة أيضًا، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم خصَّ في هذا الحديث المدينة بالذكر، وحراسة الملائكة، وطرد الكفَّار والمنافقين، ومع ذلك ففي حديث تميم الداري في صحيح مسلم قال الدجال: ".. وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً - أَوْ وَاحِدًا - مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا.."[26].
15- المدينة بها أماكن لها طبيعة خاصة فريدة؛ ففيها جبل أحد؛ فعن أنس بن مالكٍ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ، قَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»[27]، وفيها أيضًا الروضة الشريفة؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ المَازِنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ»[28].
16- حضَّ الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين على البقاء في المدينة وتفضيلها في السكنى على غيرها، مهما ساءت فيها الظروف السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية؛ فعن قَطَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ الأَجْدَعِ، عَنْ يُحَنَّسَ مولى الزُّبير، أخبره أنَّه كان جالسًا عند عبد الله بن عمر في الفتنة[29]، فأتته مولاةٌ له تُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فقالت: إنِّي أردتُ الخُرُوجَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ اشْتَدَّ عَلَيْنَا الزَّمَانُ. فقال لها عبد الله: اقْعُدِي لَكَاعِ[30]؛ فإنِّي سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «لاَ يَصْبِرُ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[31].
17- بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يشفع لمن مات بالمدينة، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا؛ فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا»[32]، بل تشفع له المدينة ذاتها، وعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ الصُّمَيْتَةَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي لَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُهَا، تُحَدِّثُ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا، سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَمُوتَ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، فَلْيَمُتْ بِهَا، فَإِنَّهُ مَنْ يَمُتْ بِهَا، تَشْفَعْ لَهُ، وَتَشْهَدُ لَهُ»[33].
18- ومن يُدْفَن فيها له وضع خاص، فعن أَبِي مُوَيْهِبَةَ t مولى رسول الله ﷺ قال: قال لي رسول الله ﷺ: «إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ فَانْطَلِقْ مَعِي». فانطلقتُ معه في جوف اللَّيل..[34].
19- وهي البلد التي تمنَّى عمر بن الخطاب أن يموت بها مع وجود مكة؛ فقال: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ»[35]!
هل كان عمر بن الخطاب يفضِّل المدينة على مكة؟
يعتمد بعض العلماء على رواية في موطأ مالك في تأويل أن عمر يفضِّل المدينة على مكة، والمعنى غير ذلك، والله أعلم؛ فقد قال عمر بن الخطاب لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ بن أبي ربيعة المخزومي[36]: «أَأَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ»؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقُلْتُ: هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ، وَفِيهَا بَيْتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: «لَا أَقُولُ فِي بَيْتِ اللَّهِ وَلَا فِي حَرَمِهِ شَيْئًا»، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: «أَأَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ»، قَالَ فَقُلْتُ: هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ، وَفِيهَا بَيْتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: «لَا أَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَلَا فِي بَيْتِهِ شَيْئًا» ثُمَّ انْصَرَفَ.
ويقول ابن عبد البر في تفسير ذلك: "وَخَافَ مِنْهُ عُمَرُ أَنْ يَمْدَحَ مَكَّةَ وَيُزَيِّنَهَا لِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا فَيَدْعُوهُ ذَلِكَ إِلَيْهَا وَخَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عياش من عُمَرَ فِي ذَلِكَ دُرَّتَهُ وَسَطْوَتَهُ فَفَزِعَ إِلَى الْفَضْلِ الَّذِي لَا يُنْكِرُهُ عُمَرُ وَجَادَلَهُ عَمَّا أَرَادَ مِنْهُ فَقَالَ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ يَعْنِي وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْمَدِينَةُ وَأَقَرَّ لَهُ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَأَمْنِهِ وَلَا فِي بَيْتِهِ شَيْئًا وَأَعَادَ عَلَيْهِ عُمَرُ قَوْلَهُ فَأَعَادَ عَلَيْهِ عبد الله بن عياش مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يُنْكِرْهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ لَمْ أَسْأَلْكَ عَنِ التَّفْضِيلِ وَلَا الْفَضَائِلِ وَسَكَتَ لِمَا سَمِعَ مِنْهُ مِنْ فَضْلِ مَكَّةَ مَا لَيْسَ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَحْتَجَّ مَعَهُ"[37].
ويؤكِّد ذلك معرفة عمر أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّمَا فَضْلُهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ.
ومع كلِّ ما سبق إلا أن رأي الجمهور أرجح، ومكة أفضل من المدينة، والمدينة أفضل من القدس، والمدن الثلاث هي أعظم مدن في الدنيا[38].
[1] مسلم: كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه (53).
[2] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب جوائز الوفد (2888).
[3] أبو داود: كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب (3030)، قال الألباني: صحيح.
[4] فتح الباري لابن حجر (6/ 171)
[5] مسلم: كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (1394).
[6] إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - للقاضي عياض (4/ 264)
[7] الترمذي (3925) وصححه الألباني، وابن ماجه (3108)، وابن حبان (3708)، قال الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. والنسائي الكبرى (4253). ومسند أبي يعلى (5954)، قال حسين سليم أسد: إسناده حسن.
[8] البخاري: كتاب العلم (4313).
[9] الطبراني في المعجم الكبير (15845).
[10] مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة (1780).
[11] البخاري: كتاب الأنبياء، باب يزفون الصافات النسلان في المشي (3187).
[12] البخاري: كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب (104).
[13] الحَدَث وَالمُحْدِث: الظُّلْم وَالظَّالِم.
[14] البخاري: أبواب فضائل المدينة، باب حرم المدينة، (1768)، ومسلم: كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة وبيان، (1366).
[15] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مقدم النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه المدينة (3711).
[16] مسلم: كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة وبيان، (1373)، والترمذي (3454).
[17] يأرز: ينضمُّ ويجتمع.
[18] البخاري: أبواب فضائل المدينة، باب الإيمان يأرز إلى المدينة، (1777)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا وإنه يأرز بين المسجدين، (147).
[19] البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة أحد، (3824)، ومسلم: كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها، (1384).
[20] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب حب الأنصار من الإيمان، (3572)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي y من الإيمان، (75).
[21] أحمد (11748)، وقال الأرناءوط: إسناده حسن. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجال أحمد رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 10/ 30.
[22] انماع كما ينماع الملح في الماء؛ أي: سَأَلَ وَجرى.
[23] البخاري: أبواب فضائل المدينة، باب إثم من كاد أهل المدينة، (1778).
[24] البخاري: أبواب فضائل المدينة، باب المدينة تنفي الخبث، (1784)، ومسلم: كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها، (1383).
[25] مسلم: باب قصة الجساسة (2943).
[26] مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قصة الجساسة (2942).
[27] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل الخدمة في الغزو (2732).
[28] البخاري: كتاب التطوع، باب فضل ما بين القبر والمنبر(1137).
[29] أيام وقعة الحرَّة.
[30] امْرَأَةٌ لَكَاعِ: يُطْلَقُ ذلك على اللئيم، وعلى العبد، وعلى الغبي الذي لا يهتدي لكلام غيره وعلى الصغير، وخاطبها ابن عمر بهذا إنكارًا عليها لا دلالة عليها؛ لكونها مِمَّنْ ينتمي إليه ويتعلَّق به، وَحَثَّهَا على سُكْنَى المدينة لما فيه من الفضل. النووي: المنهاج 9/151.
[31] مسلم: كتاب الحج، باب الترغيب في سكن المدينة والصبر على لأوائها، (1377)، والترمذي (3918)، والنسائي (4281)، وأحمد (6174)، وابن حبان (3739).
[32] الترمذي: أبواب المناقب، باب في فضل المدينة، (3917)، وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث أيوب السختياني. والنسائي (4285)، وابن ماجه (3112)، وأحمد (5437)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط البخاري. وابن حبان (3741)، وصححه الألباني، انظر: التعليقات الحسان، 5/475، (3733).
[33] ابن حبان: كتاب الحج، باب فضل المدينة، (3742)، وقال الأرناءوط: إسناده صحيح. وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة، (2928).
[34] أحمد (16040)، والدارمي (78)، وقال حسين سليم أسد: إسناده جيد. والحاكم (4383)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر: هذا حديث حسن. انظر: نتائج الأفكار، 5/26.
[35] البخاري: أبواب فضائل المدينة، باب كراهية النبي r أن تعرى المدينة، (1791).
[36] صحابي على الأغلب؛ وقد وُلِد في الحبشة، وله رؤية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
[37] الاستذكار (8/ 248)
[38] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: أيهما مكة أفضل أم المدينة ؟ وأيهما مكة أفضل أم المدينة؟
التعليقات
إرسال تعليقك