جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
جنوب السودان والمخططات الصهيوأمريكية مقال بقلم أيمن بريك، يوضح المخططات الصهيوأمريكية من انفصال جنوب السودان، فما هي؟ وما مخاطر ذلك على الأمن القومي
أسفرَ الاستفتاء الذي أُجري في التاسع من يناير الماضي عن انفصال جنوب السودان، تحت مسمى "دولة جنوب السودان"، وذلك وفقًا لاتفاق وُقِّع قبل ستِّ سنوات أنهى الحرب الأهليَّة بين الشمال والجنوب، والتي استمرَّت لأكثر من 20 عامًا، وبينما لا يزال التوتر قائمًا بين شمال السودان وجنوبه حول منطقة (أبيي)، إلا أن هناك مَن يرى أن انقسام السودان وقيام دولة في الجنوب يهدِّد الأمن القومي المصري، خاصَّة وأن السودان يمثِّل العمق الإفريقي لمصر.
ويؤكِّد هؤلاء أن السودان يمثل القيمة الاستراتيجيَّة الكبرى لمصر من ناحية الجنوب لأنه الامتداد الطبيعي والعمق الجغرافي لها؛ حيث تتقاطع فيه اعتبارات الأمن والحياة، وأن انفصال الجنوب جاء تنفيذًا لمخطط قديم يعود إلى حقبة الاستعمار البريطاني، وتمت تغذيته بواسطة الصهيونيَّة العالميَّة ودورها الذي لَخَّصَه خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ديفيد بن جوريون عند تأسيس دولة إسرائيل، حيث اعتبر وجود دول عملاقة مثل السودان ومصر والعراق خطرًا على إسرائيل، ومن ثَمَّ دَعَا إلى تجزئة هذه الدول على أساس عرقي وديني؛ مما يشير إلى أن تقسيم السودان هو تمهيدٌ لتقسيم مصر أيضًا إلى دويلات على أساس ديني وطائفي.
قلق مصري
ولعلَّ قيام رئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شرف بزيارة السودان، وذلك في أول زيارة خارجيَّة له عقب تولِّيه رئاسة الوزراء في أعقاب ثورة 25 يناير، يشير إلى أن هناك قلقًا مصريًّا من البوابة الجنوبيَّة، وأن مصر الثورة تحاول استعادة دورها خاصة على المستوى الإفريقي الذي فقدته في عصر مبارك شيئًا فشيئًا؛ حيث عملت الحكومات المصريَّة في عهد مبارك بنوعٍ من التهاون والتخاذل مع قضايا المحيط الإفريقي والأخطار القادمة من الجنوب، وكان ذلك نتيجة للضغوط الأمريكيَّة والإسرائيليَّة والتي لاقت استجابةً من الجانب المصري.
ولكن اليوم تبدَّل الوضع فنشأت دولة وليدة في جنوب السودان الغني بالنفط والموارد الطبيعيَّة، وذلك بدعم صهيوني وغربي، مما يشكِّل خطرًا حقيقيًّا ليس على الأمن القومي المصري فقط، ولكن أيضًا على الأمن القومي العربي والإسلامي، خاصةً إذا علمنا أنه يُراد لهذه الدولة الجديدة أن تنشأ، كما قامت دولة الصهاينة من قبل على تراب أهل فلسطين أرض العروبة والإسلام لتكون خنجرًا في قلب الأمة العربيَّة والإسلاميَّة، وفاصلاً بين شرق العالم الإسلامي وغربه، ومن أجل فصل العالم العربي والإسلامي عن محيطه الإفريقي؛ لتكتمل خطة حصار النفوذ العربي الإسلامي ومنع امتداده جنوبًا حيث مراكز السيطرة الغربيَّة وحركات التنصير المستمرَّة لأبناء إفريقيا.
دور إسرائيلي
وعلى الصعيد السياسي، فإن الخطر الذي تمثِّله دولة الجنوب على الأمن القومي المصري ينبع من وجود تنسيق واضح بين حكومة الجنوب والكيان الصهيوني، وليس أدلّ على ذلك من إشارة سلفاكير -حاكم جنوب السودان- إلى أن الدولة الجديدة سوف تُقيم علاقاتٍ جيدةً مع إسرائيل وستفتح سفارة لها في جوبا، وهو ما أثار حفيظة السياسيين العرب تجاه هذا الموقف، وإن كان هناك مَن يرى أن هذا الأمر ليس بالجديد؛ لأن الحركة الشعبيَّة نشأت من الأساس في إطار مشروع إسرائيلي وبمساعدة أمريكيَّة، وهو ما يفسِّر ما ذكره متحدث سابق باسم الحركة الشعبيَّة من أن إسرائيل تساعد لبناء البنية التحتيَّة للجنوب، وأن الموساد الإسرائيلي يدرِّب الجيش.
ويشير بعض المراقبين إلى أن هناك اتفاقات مبرمة بين إسرائيل وحكومة جنوب السودان تنصُّ على قيام إسرائيل بتمويل صفقة طائرات مروحيَّة هجوميَّة لتسليح جيش الجنوب الجديد في إطار استكمال منظومة تسليح الجنوب التي شملت من قبلُ أسلحة وذخائر، وقاذفات مضادَّة للدبابات، ومنظومة صواريخ ومدافع مضادة للطائرات، ودبابات وسيارات وعتادًا عسكريًّا، في حين تناقلت الأخبار وصول حشد كبير من الخبراء الصهاينة في مختلف المجالات -نحو ألف خبير- إلى "جوبا" عاصمة الجنوب لتدريب قوات الجيش الجنوبي، إضافة إلى جسر جوي لنقل العتاد والسلاح من تل أبيب إلى جوبا، في محاولة لتجهيز الجنوب تحسبًا لنشوب حرب بينه وبين شمال السودان.
خيار استراتيجي
بل إن هناك مَن يرى أن الترتيبات الإسرائيليَّة مع الجمهورية الجديدة في جنوب السودان لم تتوقفْ عند هذه الحدود، بل جاوزتها إلى ترتيب أوضاع السفارات في مختلف أنحاء العالم، حيث ستقوم بعض الدول بإهداء الدولة الجديدة مقارًّا لسفاراتها، فيما تتمُّ عمليات تمويل واسعة بوساطة إسرائيليَّة لشراء مبانٍ وإعدادها لتكون مقارًّا لسفارات الجنوب، مما يشير إلى أن الجنوب سيصبح مرتعًا للصهاينة في حال انفصاله؛ لأن قيام دولة في الجنوب معناه تمكين الكيان الصهيوني من التواجد هناك بما يعني تحويل جزء من امتداد الأمن القومي المصري بعيدًا عن السيطرة المصريَّة، ومركزًا للمؤامرات الأمريكيَّة والصهيونيَّة ضد المنطقة بأسرها.
كما أن شمال السودان الذي يعدُّ نقطة التماس المباشر مع الحدود المصريَّة مهدَّد بالتقسيم أيضًا؛ حيث أن أمريكا وإسرائيل يخططان لإنشاء دولة النوبة بين شمال السودان وجنوب مصر، وأخرى في الغرب بانفصال إقليم دارفور، وخامسة في الشرق (البجا)، بحيث يقسم السودان إلى خمس دويلات، حيث يلعب الأمريكان الآن بهذه الورقة كما يفعلون بورقة أقباط المهجر من أجل الضغط على النظام المصري للانصياع للتعليمات الأمريكيَّة.
فضلاً عن ذلك، فإن السودان يمثل خيارًا استراتيجيًّا لـ"إسرائيل"، يمكِّنها من الحصار النهائي لمصر، وتغييبها عن امتدادها الطبيعي والاستراتيجي، كما أن وجود سفارة إسرائيليَّة في الجنوب يشكل خطرًا على مصر والعالَمَين العربي والإسلامي.
صراع على المياه
ويشير المحلِّلون إلى أن المخاوف من انفصال دولة الجنوب ليست سياسيَّة فقط، ولكن هناك مخاوف من وجود خلافات على الموارد المائيَّة، ويؤكِّد هؤلاء أن جنوب السودان سيصبح منطقة نفوذ إسرائيليَّة، وسيطالب بإعادة تقسيم حصص مياه النيل، وبدلاً من تقسيمها على بلدين كما هو الحال حاليًا هما مصر والسودان سيصبح التقسيم على ثلاث دول، فضلاً عن وجود بعض التكهنات التي تشير إلى أن السلطة الجديدة في دولة جنوب السودان وبمساعدة ودعم إسرائيلي ستسعى إلى إقامة السدود لتعويض إهمال الجنوب طوال سنوات الاحتلال البريطاني أو خلال عهد الاستقلال، وهي القضيَّة التي تشكِّل خطرًا على مصر، والتي تشير بعض الدراسات إلى أنها ستواجه أزمة مائيَّة في عام 2017م؛ نظرًا لاستمرار النمو السكاني السريع، حيث تحتاج مصر إلى 86.2 مليار متر مكعب من المياه، في حين أن مواردها لن تتجاوز 71.4 مليار متر مكعب.
وعلى الرغم من أن هناك من يرى أنه لا خوف ولا قلق على موارد مصر من مياه النيل بعد انفصال دولة جنوب السودان؛ وذلك لأن النيل الأزرق الذي يشكل 85% من موارد المياه لا يمر بهذه المنطقة، إضافة إلى التطمينات التي ترسلها الدولة الوليدة في الجنوب إلى مصر مؤكدة عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل، والتي كان آخرها ما أكَّدَته حكومة الجنوب للوفد المصري الشعبي الذي زار شمال السودان وجنوبه خلال الأيام الماضية، بل وعرض حكومة الجنوب الوساطة لدى إثيوبيا لحل الخلاف المصري الإثيوبي على إعادة تقسيم مياه النيل وإقامة سدّ الألفيَّة.
إلا أن هناك من يرى أنه إذا كان الجنوب سيطالب بنصيبه من المياه من حصة السودان، فإن السودان سيجد نفسه أمام كارثة مائيَّة تدعوه إلى مراجعة اتفاقيَّة 1959م بين مصر والسودان حول حصة الدولتين في مياه النيل، وأن سودان ما بعد التقسيم سوف يتعامل مع مصر بمعطيات مختلفة تمامًا لعلَّ أهمها الدعوة إلى خفض حصة مصر من مياه النيل؛ حيث إن حصة مصر من المياه تأتي بالكامل عبر الأراضي السودانيَّة من خلال النيلين الأبيض والأزرق، وبذلك سوف تخسر مصر حصتها من المياه التي كانت تتقاسمها مع السودان. كما أن العلاقات القويَّة والقديمة بين إسرائيل ودولة الجنوب سوف تفسد العلاقة بينها وبين مصر، مثلما حدث بين مصر ودول الحوض التي بها وجود إسرائيلي قوي مثل أوغندا وكينيا وإثيوبيا.
أين الحل ؟!
وفي سعي لمحاولة إيجاد حل لتفادي هذا الخطر المحدق بالأمن القومي المصري القادم من جنوب السودان، يطرح السياسيون مجموعة من الحلول التي من شأنها تجنيب مصر مثل هذه المخاطر، والتي منها: أنه يجب على الحكومة المصريَّة عدم الاعتراف بجنوب السودان كدولة مستقلَّة قبل إعلان الأخيرة عن موافقتها على الالتزام باتفاقيَّة توزيع مياه النيل، وكذلك تقسيم حصة السودان على شماله وجنوبه دون المساس بنصيب مصر من المياه، وإن كان هناك من يرى أن هذا الحل ربما يواجه بعض الصعوبات في التطبيق في المستقبل.
فضلاً عن ذلك، فإن هناك من دعا وزارة الخارجيَّة المصريَّة وجهاز الأمن القومي إلى بذل أقصى جهد ممكن لتوطيد العلاقة مع الجنوب بما يضمن الحفاظ على مصالح مصر، بحيث يكون ذلك من خلال تدريب الشباب على تولي المناصب القيادية وإعطائهم منحًا دراسيَّة في مصر، لافتين إلى أن 7 من الوزراء بجنوب السودان تلقوا تعليمهم في مصر مع تقديم الدعم بأوجهه المختلفة؛ لأن الدولة الوليدة ستكون دولة "تحت الصفر"، مع الحفاظ أيضًا بعلاقات جيدة مع شمال السودان، ولكن هذا يتطلَّب من مصر أن تتعامل بحساسية في علاقتها مع الشمال والجنوب السوداني على السواء.
وفي النهاية، فإن هناك من يدعو إلى ضرورة إجراء استفتاء شعبي من أجل وحدة بين مصر وشمال السودان، بحيث تكون البداية عبارة عن اتحاد كونفيدرالي كخطوة مرحليَّة نحو الوحدة الشاملة، محذِّرين من خطورة الانتظار حتى يصل الخطر إلى مصر عبر المطالبات بإقامة دولة للنوبيين وأخرى للأقباط، وهو ما يتمُّ التخطيط له حاليًا. فهل تشهد الأيام المقبلة خطوات في اتجاه الوحدة بين شمال السودان ومصر حتى ولو على مستوى المواقف السياسيَّة والتحركات الدبلوماسيَّة، أم يقف كلا الطرفين منفردًا في مواجهة المخططات الصهيوأمريكيَّة التي تهدف إلى النَّيْل من مصر والسودان وتتخذ من الدولة الوليدة في الجنوب السوداني مقرًّا لها؟!!
المصدر: موقع أخبار البشير.
روابط ذات صلة:
- دولة جنوب السودان .. ورقة إسرائيل الجديدة ضد العرب
- لماذا السودان بقلم د. راغب السرجاني
- قصة دارفور بقلم د. راغب السرجاني
التعليقات
إرسال تعليقك