ملخص المقال
كان يحيى بن يحيى النيسابوري إمام عصره في الحديث، ورع، ثقة، كما كان من سادات أهل زمانه علمًا ودينًا ونسكًا وإتقانًا.
يحيى بن يحيى النيسابوري.. مولده ونشأته
يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن، التميمي الحنظلي، أبو زكريا، النيسابوري، وهو من أهل نيسابور بخراسان، لذا يُعرف بالنيسابوري، ولد بنيسابور سنة 142هـ= 759م، كان عالم كبير حتى إنه يُعْرَف بعالم خراسان، حيث كان إمام عصره في الحديث، ورع، ثقة، كما كان من سادات أهل زمانه علمًا ودينًا ونسكًا وإتقانًا، روى عنه البخاري خمسة عشر حديثًا، ومسلم بن الحجاج ألف حديث ومائة حديث وستين حديثًا، كان من رواة موطأ مالك، وهو غير الإمام يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي.
لمحات من حياة يحيى بن يحيى النيسابوري
قال أحمد بن حنبل: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى
وقال إسحاق بن راهويه: مات يحيى بن يحيى يوم مات وهو إمام لأهل الدنيا
كان من ورعه يشك في الحديث كثيرًا، حتى سموه الشكاك.
قال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في تاريخ نيسابور: إمام عصره بلا مدافعة، ويحكي عنه أنه وقعت له شبهة في قطعة أرض فتركها، وقيمتها آلاف الدنانير.
بعد أن انتهى من سماع الموطأ من مالك مكث عنده سنة يأخذ الشمائل، فقيل له في ذلك فقال: إنما أقمت مستفيدًا لشمائله، فإنها شمائل الصحابة والتابعين.
يحيى بن يحيى النيسابوري وموقفه مع المأمون
بعث هارون الرشيد إلى مالك بن أنس يستحضره ليسمع منه ابناه الأمين والمأمون، فأبى عليه، وقال: إن العلم يؤتى، لا يأتي. فبعث إليه ثانيًا، فقال: أبعثهما إليك يسمعان مع أصحابك، فقال مالك: بشريطة أنهما لا يتخطيان رقاب الناس، ويجلسان حيث ينتهي بهما المجلس. فحضراه بهذا الشرط.
وكان يحيى بن يحيى النيسابوري يحضر المجلس، فانكسر يومًا قلمه، وبجنبه المأمون، فناوله قلمًا من ذهب، أو قلمًا من فضة، من مقلمة ذهب، فامتنع من قبوله، فقال له المأمون: ما اسمك؟ قال: يحيى بن يحيى النيسابوري، فقال: تعرفني؟ قال: نعم، أنت المأمون ابن أمير المؤمنين. فكتب المأمون على ظهر جزئه: ناولت يحيى بن يحيى النّيسابوري قلمًا في مجلس مالك فلم يقبله.
فلما أفضت الخلافة إلى المأمون بعث إلى عامله بنيسابور، وأمره أن يولي يحيى بن يحيى القضاء. فبعث إليه يستدعيه، فقال بعض الناس: إنه يمتنع من الحضور وليته يأذن للرسول فأنفذ إليه كتاب المأمون، فقرئ عليه، فامتنع من القضاء. فردّ إليه ثانيًا وقال: إن أمير المؤمنين يأمرك بشيء، وأنت من رعيته، فتأبى عليه؟! فقال: قل لأمير المؤمنين: ناولتني قلمًا وأنا شاب، فلم أقبله، فتجبرني الآن على القضاء وأنا شيخ! فرفع الخبر إلى المأمون بذلك فقال: علمت امتناعه، ولكن، ولّ القضاء رجلًا يختاره. فبعث إليه العامل في ذلك فاختار رجلًا من نيسابور، فولي القضاء. لم يكن هذا الموقف مع المأمون خاصًّا به، أو بهارون الرشيد، إنما هو نهج عام عند الإمام الورع، حتى مع عبد الله بن طاهر المشهور بالورع والتقوى والجهاد.
يحيى بن يحيى وتجنَّبه الأمراء
ذكرت فاطمة زوجة يحيى: أن زوجها قام لورده وقعد يقرأ في المصحف؛ إذ سمع جلبة، فنظرنا فإذا العسكر والمشاعل، وهم يقولون: الأمير عبد الله بن طاهر يزور أبا زكريا، قالت: فعرفناه الخبر، فقال: إذا بلغ الباب فآذنوني. قالت: وكان أبو زكريا لا يحضره، وكان ابن طاهر يشتهي أن يراه، فلما دقوا الباب فتحنا، فدخل الأمير وحده، فلما قرب من أبي زكريا وسلم، قام إليه والمصحف في يده، ثم رجع إلى قراءته حتى ختم السورة التي كان افتتحها، ثم وضع المصحف واعتذر إليه وقال: لم أشتغل عنك تهاونًا بحقك، وإنما كنت افتتحت سورة فأحببت ختمها، فقعد عبد الله ساعة، ثم قال: ارفع إلينا حوائجك، فقال يحيى: وهل يستغني عن السلطان إلا الله تعالى؟ وقد وقعت لي حاجة في الوقت، فإن قضاها شكرته، فقال: مقضية ما كانت، فقال يحيى: قد كنت أسمع بمحاسن وجه الأمير، ولم أعاينها إلا ساعتي هذه، وحاجتي إليك ألا تركب شيئًا يخرق هذه المحاسن بالنار، فأخذ الأمير في البكاء حتى قام وهو يبكي.
ركب إسحاق بن راهويه دينٌ، فاشتكاه الدائنون فسُجِن، فكلم أصحاب الحديث يحيى في أن يكتب له إلى ابن طاهر أمير خراسان، فقال يحيى: ما كتب إليه قط، فلما ألحوا عليه وافق أن يكتب أحد طلبته إليه، فكتب أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم رجل من أهل العلم والصلاح، وحمل الرقعة وقال للحاجب: معي رقعة يحيى بن يحيى إلى الأمير، فلما ناول عبد الله الرقعة أخذها وقبلها، وأقعد إسحاق بجنبه، وقضى عنه ثلاثين ألف درهم، وصيره من ندمائه، وكان يحيى بن يحيى لا يختلف إليه.
يروي إسحاق بن راهويه موقفًا مهمًّا فيقول: دخلت على عبد الله بن طاهر فقال لي: ما رأيت أعجب من هؤلاء المُرجئة؛ يقول أحدهم: إيماني كإيمان جبريل، والله ما أستجيز أن أقول: إيماني كإيمان يحيى بن يحيى، ولا كإيمان أحمد بن حنبل.
وفاة يحيى بن يحيى النيسابوري
توفي يحيى بن يحيى النيسابوري سنة 226هـ= 840م[1].
[1] انظر: ابن عساكر: تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415هـ= 1995م، 74/219، علاء الدين مغلطاي: إكمال تهذيب الكمال، تحقيق: أبو عبد الرحمن عادل بن محمد- أبو محمد أسامة بن إبراهيم، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1422هـ- 2001م، 12/ 384.، والزركلي: الأعلام، 8/ 176، 179.
التعليقات
إرسال تعليقك