التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
أنشأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديوان الجند، وكان هذا الديوان مختصًّا بالشئون العسكرية والجيش، حتى صار بمثابة وزارة الحربيَّة الأولى في الإسلام
أنشأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا ديوان الجند[1]، وكما هو واضح من اسمه كان هذا الديوان مختصًّا بالشئون العسكريَّة والجيش، وفيه سجَّل أسماء المقاتلين، وأماكن تواجدهم، ومقادير رواتبهم. ووسَّع عمر رضي الله عنه هذا الديوان حتى صار بمثابة وزارة الحربيَّة الأولى في الإسلام، ويُعَدُّ عمر بذلك هو أول مَنْ أسَّس الجيش النظامي الأوَّل للمسلمين، وقد كان الجيش قبل عمر رضي الله عنه قائمًا على التطوُّع فقط، أو الإلزام المؤقَّت من قائد الدولة لبعض الأفراد، أمَّا الآن فقد صار للمسلمين رجال يعملون بالجنديَّة فقط، ويُرابطون لفترةٍ في الثغور والمعارك، ثم يعودون لبلادهم لفترة، ثم يُعيدون التوجُّه للحروب مرَّةً ثانية.
أعداد الجيوش:
نهي عمر رضي الله عنه الجند في مصر عن الزرع، بل أمرهم بالتفرغ للقتال، وقد زاد عدد أفراد الجيش الإسلامي تدريجيًّا في عهد عمر رضي الله عنه، وتُقدِّر بعض الدراسات أنَّه زاد على ثلاثين ألف فارس[2]، فضلًا عن المشاة والمتطوِّعين، وقد شمل الجيش الإسلامي عدَّة جيوش مقاتلة كعادة الإمبراطوريات العظمى:
1- جيوش العراق، وهذه لها قاعدتان رئيستان: البصرة، والكوفة
2- جيوش فارس: فرعية من جيوش العراق
3- جيوش الشام، ولها عدة قواعد؛ منها بُصرى، ودمشق، وحمص، وأنطاكية، والرملة
4- جيش مصر
5- جيش اليمن
وهذا الوضع تنبَّأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك: عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ»، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ»[3].
وقد كان معظم الجنود في الجيش الإسلامي من العرب، ومع ذلك فقد شهد عهد عمر رضي الله عنه دخول المسلمين الجدد من الفرس والأقباط إلى الجيش المسلم، بل وتولَّى بعضهم مراكز قياديَّة فيهن وكان البعد الأخلاقي في الجيش مهمٌّ جدًّا: «قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّ وَحْشِيًّا لَمْ يَزَلْ يُحَدُّ فِي الْخَمْرِ حَتَّى خُلِعَ مِنْ الدِّيوَانِ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ[4]».
الخيول والسلاح:
كما اهتمَّ عمر رضي الله عنه بإنشاء اصطبلات كبيرةٍ يأوي كلٌّ منها قرابة أربعة آلاف حصان[5]، وكان سَلْمَانُ بنُ رَبِيعَةَ البَاهِليُّ التَّمِيميُّ، وَهُو الذي يُقَالُ لَهُ: سَلْمَانُ الخَيْلُ، كانَ يَلِي الخُيُولَ في خِلَافةِ عُمَرَ بالكُوْفَةِ، وكانَ رَجُلًا صَالحًا، يَحُجُّ كُلَّ سنةٍ.
من اللافت أيضًا تطوُّر السلاح في عهد عمر رضي الله عنه، وقد شهدنا الجيش الإسلامي في المعارك المتأخِّرة في عهده يستفيد من الخبرات الفارسيَّة والبيزنطيَّة؛ فيبدأ في استعمال المنجنيق وأدوات الحصار العملاقة، ويتفنَّن في حفر الخنادق، واستعمال أساليب القتال الجديدة التي لم يألفها العرب قبل ذلك.
وقد استعان عمر بالمرتدين الذين عادوا للإسلام دون إعطائهم مكانة: فقد كتب إلى النعمان: أما بعد، فإن معك في جندك عمرو بن معدي كرب المذحجي، وطليحة بن خويلد الأسدي، فأحضرهما الناس، وشاورهما في الحرب، ولا تولهما عملًا[6]، وكلاهما كانا من المرتدين، بل ادَّعى طليحة النبوة، ولكنهما عادا للإسلام، وحسن إسلامهما، وجاهدا في الفتوح.
مجلس استشاري عسكري أعلى:
كان عمر رضي الله عنه يشاور أصحابه في الأمور الهامة: عَن السَّائِب بْن الْأَقْرَع قَالَ زحف للْمُسلمين زحف لم يزحف لَهُم بِمثلِهِ قطّ زحف لَهُم أهل ماه وَأهل أَصْبَهَان وَأهل همذان وَأهل الرّيّ وَأهل قومس وَأهل أذربيجان وَأهل نهاوند فَبلغ عُمَر الْخَبَر فَشَاور الْمُسلمين فَاخْتَلَفُوا ثمَّ قَالَ عَلِيّ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ابْعث إِلَى أهل الْكُوفَة فليسر ثلثاهم وَتَدَع ثلثهم فِي حفظ ذَرَارِيهمْ وتبعث إِلَى أهل الْبَصْرَة، فَقَالَ أَشِيرُوا عَلِيّ من اسْتعْمل عَلَيْهِم فَقَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت أفضلنا رَأيا وَأَعْلَمنَا بأهلك فَقَالَ لأستعملن عَلَيْهِم رجلا يكون لأوّل أسنة يلقاها. يَا سائب اذْهَبْ بكتابي هَذَا إِلَى النُّعْمَان بْن مقرن فليسر بِثُلثي أهل الْكُوفَة وليبعث إِلَى أهل الْبَصْرَة[7].
كان عمر رضي الله عنه يعمل على تقنين الفترات التي يقضيها الجنود في الثغور، وعدم إبقاء الجنود بشكل دائم فيها، والسبب في ذلك أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ لَيْلَةً يَحْرُسُ النَّاسَ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي بَيْتِهَا وَهِيَ تَقُولُ:
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهْ ... وَطَالَ عَلَيَّ أَنْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهْ
فَوَاللَّهِ لَوْلَا خَشْيَةُ اللَّهِ وَحْدَهْ ... لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ
فَلَمَّا أَصْبَحَ عُمَرُ أَرْسَلَ إِلَى الْمَرْأَةِ، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ: هَذِهِ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ، وَزَوْجُهَا غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا امْرَأَةً، فَقَالَ: كُونِي مَعَهَا حَتَّى يَأْتِيَ زَوْجُهَا، وَكَتَبَ إِلَى زَوْجِهَا، فَأَقْفَلَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى حَفْصَةَ بِنْتِهِ، فَقَالَ لَهَا: «يَا بُنَيَّةُ، كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟» فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَهْ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَمِثْلُكَ يَسْأَلُ مِثْلِي عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ لَهَا: «إِنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ شَيْءٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ لِلرَّعِيَّةِ، مَا سَأَلْتُكِ عَنْ هَذَا»، قَالَتْ: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، أَوْ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: «يَغْزُو النَّاسُ يَسِيرُونَ شَهْرًا ذَاهِبِينَ وَيَكُونُونَ فِي غَزْوِهِمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَيَقْفُلُونَ شَهْرًا»، فَوَقَّتَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ مِنْ سَنَتِهِمْ فِي غَزْوِهِمْ"[8].[9].
[1] القلقشندي: صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، 1/125.
[2] علي محمد محمد الصلابي: سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: شخصيته وعصره، ص254.
[3] أبو داود: كتاب الجهاد، باب في سكنى الشام (2483).
[4] ابن هشام: السيرة النبوية، 2/ 73.
[5] ابن أبي شيبة: المصنف، 6/475، والطبري: تاريخ الرسل والملوك (دار التراث)، 4/52.
[6] ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، 4/ 274.
[7] خليفة بن خياط: تاريخ خليفة بن خياط، ص 147.
[8] سعيد بن منصور: سنن سعيد بن منصور، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الدار السلفية، الهند، الطبعة الأولى، 1403هـ= 1982م، 2/ 210.
[9] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: الجيش في عهد عمر رضي الله عنه
التعليقات
إرسال تعليقك